إعلان

جيل "نيمار" والسياسة في مصر

جيل "نيمار" والسياسة في مصر

أكـرم ألـفي
11:21 م السبت 05 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أكرم ألفي

جلس آسر، ابني الصغير صاحب الأعوام الثمانية، يتحدث بكل جدية عن إشكالية حقيقية تؤرقه وهي ما هو المبلغ الذي يجب دفعه للحصول على خدمات نيمار ضمن فريقه الخاص بلعبة الفيفا في طرح 2018 مع انتقاله إلى باريس سان جيرمان بنحو ربع مليار دولار.

الغريب في الحوار لم يكن معرفة طفل عن تفاصيل صفقة كروية أحداثها تقع بين برشلونة وباريس، فهذا أمر اعتاد عليه آباء هذا الجيل التكنولوجي بامتياز، ولكن ما لفت نظري هو تجاوز الطفل الصغير عن انتمائه الكروي لبرشلونة لصالح جانبين الأول هو الاهتمام بتركيبة فريقه الشخصي باللعبة أكثر، إلى جانب استخدام لغة الأرقام بدقة.

إن جلست للصغار من سن 5 سنوات إلى 15 سنة من أبناء الطبقة الوسطى المصرية ستدخل في حوارات تفوق خيالك بشأن الأرقام والهوس الشخصي والانتقال من العام إلى الخاص وربط الأحلام بالألعاب وبالحقائق، والأهم الابتعاد عن أحلام بمنطق الأجيال الأكبر لصالح الواقع.

إن هذا الجيل (5- 15 عامًا) الذي يمثل اليوم 19,9% من السكان بنحو 18 مليون طفل سيدخل المجال العام خلال أقل من 10 أعوام. فليس التندر بتغيير أطفال الطبقة الوسطى بمزحة غير قابلة للنقاش السياسي بل إن من لا يناقش مستقبل السياسة في الدولة غدًا عبر إدراك تحوّلات جيل الطفولة هو بتعريف علم الاجتماع السياسي "جاهل".

لم يناقش نظام مبارك في 2000 تحولات جمة بين أطفال الطبقة الوسطى، والانتقال من المعرفة عبر الكتب للمعرفة عبر الكمبيوتر، وبالتالي لم يتم حساب تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على جيل شاب على علاقة بالكمبيوتر منذ نعومة أظافره.

واليوم نحن أمام نسخة جديدة من أطفال الطبقة الوسطى، معرفتها الأساسية منبثقة عن الألعاب الإلكترونية وليس الإنترنت، وبالتالي فإن اللغة العملية ولغة الأرقام والانتماء الشخصي والقدرة على تكوين الفرق من على بعد هي قاعدة علاقته بالحياة، وليس التعارف ومشاركة الأحلام، وبدء الاستقلالية المبكرة، التي ميزت جيل أطفال 2000.

إن هذا الجيل الجديد الذي سيرسم صورة التفاعلات السياسية والاجتماعية في مصر بعد 10 أعوام، سيحمل ضمن ألقابه "جيل صفقة نيمار"، التي أدخلت حاليا بين أبناء هذا الجيل "الطفل – الشاب" في حوار حقيقي عن طبيعة الانتماء وعلاقة الانتماء بالأرقام، وإعادة تشكيل الفرق الجماعية. فنحن أمام جيل أصبح سهلا عليه تغيير فريق الكرة العالمي الذي يشجعه لمجرد انتقال لاعب، كما حدث مع هوس المصريين بروما لمجرد انتقال محمد صلاح للفريق.

إن هذا الجيل سيكون أكثر ارتباطًا بفكرة تشكيل المجموعات من على بُعد، وسيكون المدخل الرئيسي لمخاطبته هو لغة الأرقام والإنجاز وليس الحلم بغد قريب. جيل جديد من الطبقة الوسطى سيحسب الإنجاز في حياته الشخصية وفي عمر دولته بالأيام والأسابيع وليس بالسنوات.

السؤال: هل بدأت مؤسسات الدولة في مصر الاستعداد للتعامل مع هذا الجيل "النيماري" أم أن واقع "حل الأزمات" يحول دون عن هذا الحوار والنقاش "غير المهم".

في الدول التي تبحث عن استقرار النظام وقوّته بعد أجيال، نجد أن هناك نقاشًا دائرًا حول ما هي صورة السياسية خلال العقود المقبلة، ففي الولايات المتحدة يناقش خبراء السياسة تأثير صعود جيل جديد من أصحاب البشرة السمراء أكثر تعليما، وتغير الاهتمامات الرياضية للأطفال لصالح كرة السلة على حساب البيسبول وكرة القدم الأمريكية.

في مصر، إن الجيل الجديد القادم بعد سنوات قليلة للساحة السياسية والاجتماعية سيكون أمام المؤسسات والأحزاب السياسية "إن وجدت" فرصا كبيرة لخلق شبكات عمل حقيقية عبر الإنترنت، وفرق عمل عن بعد. في المقابل، فإن من سيتحدث بعد 10 سنوات عن الأحلام والطموحات لن يجد له مكانًا، لأنّه سيكون أمام جيل يطلب منه معادلات حسابية صارمة خارج عن سياق مقولات الوطنية التقليدية العائدة لعقد الستينيات بل ستتشكل أنماط جديدة من الانتماء.

ونعود للسؤال نفسه: هل تستعد المؤسسات السياسية في مصر لهذا الجيل أم أنهاء ستكون كالعادة أمام مفاجأة جديدة قديمة معتادة لمن يناقش اليوم دون أن يشغل تفكيره بالغد؟.. فهذا الجيل الذي سيلعب بعد شهر بنيمار ضمن باريس سان جيرمان هو من سيحدد رئيس مصر في 2027 .

إعلان

إعلان

إعلان