إعلان

واحة الغروب..كم " محمود " بيننا؟

علاء الغطريفي رئيس التحرير التنفيذي لمؤسسة أونا

واحة الغروب..كم " محمود " بيننا؟

علاء الغطريفي
08:58 م السبت 03 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يبدو منبوذًا، فاللغة التى يتحدث بها لا يألفها الواقع الذى تحول إلى عدو بعد أن أسقط فعل التغيير فى رماد القهر والجمود والخنوع، "محمود عبد الظاهر" ظن أنه محلقًا فى فضائه مع عرابي ورفاقه ليصنعوا شيئا لمصر ضد استبداد أسرة محمد على، والمحتل الذي يرغب فى ابتلاع الأرض والكرامة معها، فبات حلمه كابوسًا، تهدم الحلم بالحرية والسعي إلى الاستقلال عن القوى الأجنبية، انجرف إلى هوة سحيقة اختلطت فيها المعاني، فبدا كطائر جريح يلملم ذاته ويبحث عن قشة لعلها تنجيه من مصير قد يودى به إلى الانتحار، فما أقسى الحياة مع لحظة انكسار لأحلام وطنية.

"1"

الخطبة العنيفة لعبد الله النديم التي رددها لحض المصريين على الكفاح ضد الاستبداد والاحتلال، عبرت عن الهزة التى تعرضت لها تلك الذات التي اعتقدت فى الخلاص والعودة إلى الإنسانية الحقة التي ترجمها عرابي "لن نورث أو نستعبد بعد اليوم"، فقال بغضب للمصريين: "إنكم معاشر المصريين قد نشأتم في الاستعباد وربيتم في حجر الاستبداد، وتوالت عليكم قرون منذ زمن الملوك الرعاع، وأنتم صامتون، صابرون، بل راضون، فلو كان في عروقكم دم فيه كريات حيوية، وفي رؤوسكم أعصاب تتأثر فتثير النخوة والحمية، لما رضيتم بهذا الذل وهذه المسكنة، انظروا أهرام مصر وهياكل ممفيس وآثار طيبة، أيها المصريون لا حياكم الله ولا بياكم ما دمتم تعيشون كالسأمة تأكل من حشائش الأرض وتقبلون أيديكم المتشققة ظهرًا لبطن، أيها المصريون شمّوا رائحة أجسادكم فإنها نتنة، ونيل الله يجري بأرضكم، استمعوا إلى أنين أمعائكم وواديه يملؤه الخير، لعن الله من يقعد متفرجًا ملومًا محصورًا، لعن الله من لا يتبعنا، لعن الله من منع عن نفسه أطايب الطعام وهي حِلّ له، لعن الله من يكره الحرية."

" 2 "

كم شخص بيننا شعر بما شعر به محمود عبد الظاهر، واعتقد كما اعتقد محمود عبدالظاهر، وآمن بما آمن به محمود عبد الظاهر، وانتهى إلى ما انتهى إليه محمود عبد الظاهر ، القصة من التاريخ والرواية لبهاء طاهر والقناة "دى إم سى"، والباقي نفس محبطة يائسة قررت أن تبيع عرابي عندما ضاقت بها السبل حتى يستمر فى الخدمة، ليواجه مصير العزل أو التشريد أو الشنق بعد أن نكث "طلعت " صديقه المقرب ورفيق دربه، ووصف الثورة بـ"الهوجة" وعرابى وزمرته بـ"العصاة".

رضخ محمود ليصنع ما هو أسوأ، ويعترف أمام محققه الإنجليزي بأن العرابيين "مجموعة من المخربين" أضروا بمصلحة البلاد.

" 3 "

خسر محمود واختار التقية، وظل فى نظر السلطة ضابطا مراقبا مشكوكا فى ولائه، رغم رضوخه للخوف والحرص والمصلحة وتركه مقاعد النبل الثوري، وبينما هو كذلك عاش مذعورا ملاحقا بما فعل من خيانته لمبادئه وحبه للوطن وسعيه للاستقلال والحرية، عاش ظلا لبنى آدم يعاقر الخمر ويجالس النساء ويحاول النسيان ولا يأبه لشيء، فقد فقد كل شيء، وذهب إلى سيوة يطارده الانكسار والخيبة واليأس، ومثلما كانت نعمة خليلته ظلت الثورة خليلة أخرى تعاوده في سلوكه ويومياته، فقد كان نصف موالى ونصف ثائر، أو كما قال: ألا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف طيب ونصف شرير، نصف وطنى ونصف خائن، نصف شجاع ونصف جبان.

" 4 "

كم بيننا حلموا يوما بالإصلاح والتغيير، لسان حالهم ما قاله الصاغ محمود عبد الظاهر "أسأل نفسى طول الوقت عن الخيانة، لماذا خان الباشوات والكبار الذين يملكون كل شيء؟ ولماذا يدفع الصغار دائما الثمن؟ يموتون فى الحرب ويسجنون في الهزيمة بينما يظل الكبار كبارا وأحرارا"، ولا يستطيع مغالبة الأسى فيقول: كأن كل حماس للثورة كان مجرد نزوة، وحماسي أنا أيضا وحماس البلد كله مر كنزوة طيش عابرة أفقنا من رعونتها بالهزيمة. "محمود عبدالظاهر" في " دى ام سى " ينشد بكائية عن الثورات النبيلة، أمتعنا عم بهاء طاهر بالنص قبل الدراما، وأوجعنا وأوقظ شيئا في نفوس كثيرين..!

إعلان

إعلان

إعلان