عمرو الورداني: الأشهر الحرم مواسم سكينة ومدد لأزمنة خوف وترقب
كتب : محمد قادوس
الشيخ عمرو الورداني
أكد الشيخ عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن شهر رجب الأصَب هو شهر يصبّ الله فيه الخير صبًّا، وهو مدخل للوسع والفضل والطمأنينة، مشيرًا إلى أنه أحد الأشهر الأربعة الحرم التي خصّها الله بميزة خاصة، موضحًا أن تخصيص ثلث السنة كأشهر حرم يطرح سؤالًا جوهريًا حول الحكمة من هذا الزمن المختلف، وهل المقصود به زيادة الخوف أم استعادة السكينة والشعور بمدد الله.
وأوضح الورداني، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة" الناس" أن مفهوم الأشهر الحرم تعرّض لظلم كبير عبر الزمن، حين فُهم على أنه موسم تشديد وترقّب وتهديد، وكأن الله سبحانه وتعالى ـ حاشاه ـ يقف مترصدًا لعباده، ينتظر زلاتهم ليعاقبهم، مؤكدًا أن هذا الفهم لا يليق بالله الذي وصف نفسه بالرحمة، ولا يتسق مع منطق الإله الرحيم الذي لا يصنع أزمنة مخصوصة لتخويف عباده، بل يفتح لهم أبواب الأمان والعودة.
وأشار أمين الفتوى إلى أن هذا الفهم المشوّه لم يعبّر فقط عن ضيق في الرؤية، بل أدى إلى تحويل الأشهر الحرم من مساحات أمان إلى مواسم قلق، وجعل بعض الناس يتعاملون مع الدين بمنطق القسوة، في حين أن الحقيقة التي يجب أن تعود إلى القلوب هي أن الأشهر الحرم رحمة مُنظَّمة، يتربّى فيها الإنسان على الرحمة، لا على الرعب.
وبيّن أن كثيرين يرددون أن العقاب يتضاعف في الأشهر الحرم، بينما القرآن الكريم حين ذكرها قال: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا… منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم»، موضحًا أن جوهر الخطاب هنا ليس التخويف، بل الحماية، فالمعصية في حقيقتها ظلم للنفس قبل أي شيء، والله سبحانه وتعالى يحمي الإنسان من هذا الظلم، لأنه يعلم حجم التعب والصراع والقسوة التي تستهلك قلبه.
وأكد الورداني أن الأشهر الحرم ليست فرمان تهديد، بل أمانٌ زمنيٌّ مقصود، يُخفف فيه الإنسان من ثقل الذنب، ويهدأ، ويعود إلى نفسه، مشيرًا إلى أن من يفهم الأشهر الحرم فهمًا صحيحًا يعيشها زمن سكينة واستشفاء، أما من يفهمها خطأ فيحوّلها إلى توتر مضاعف فوق توتر حياته.
وشدد على أن تحريم القتال في الأشهر الحرم دليل واضح على أن الله حرم كل ما يزرع الخوف والرعب والتوتر، ليجعل هذه الأزمنة مساحات أخلاقية للسكينة، والتجرد من الأعباء، والاستعداد للعودة إلى الله بهدوء، مؤكدًا أن الأشهر الحرم ليست زمن خوف، بل مواسم أخلاقية لإعادة وصل الإنسان بإنسانيته، وبربه، ولكن على مهل ورحمة.
اقرأ ايضًا:
بعد أزمة "قرآن الفجر".. الإفتاء تحسم حكم قراءة القرآن في الميكروفون قبل أذان الفجر والجمعة
الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى
هل يجوز التفاضل بين المستحقين للزكاة أم تجب المساواة؟.. الإفتاء توضح