مأساة طالبتي "دمج" مع امتحانات الثانوية: نظام الأسئلة "هيضيّع مستقبلنا" (صور)
كتبت - رنا الجميعي:
بدأ الامتحان، ووُزعت أوراق الأسئلة، وحان وقت الإجابة، فيما تسمرت "حبيبة" -الطالبة بكفر الزيات- أمام ورقة امتحان مادة اللغة العربية، والذي جاء على غير ما اعتادت عليه، منذ 2009 وهي مُصنّفة ضمن الإعاقة الذهنية البسيطة، وهو ما يعني أن مواصفات امتحانها يأتي بأسئلة (الصواب والخطأ والاختياري)، غير أنها وجدت ضمن الامتحان أسئلة مقالية، لتنهار أمام ورقة أغلقت أمامها الأبواب.
لم يكن حال ناردين جرجس أقل من حال حبيبة الحمامصي، في مدرسة الزهراء بمنطقة عين شمس؛ فوجئت أيضًا بشكل امتحان غير معتاد بالنسبة لها: "أنا دخلت بنتي دمج من خامسة ابتدائي ومن وقتها وهي بيجيلها الامتحان صح وغلط.. إزاي يجيلها في امتحان العربي موضوع تعبير"، تقول الأم سوسو صديق.
لدى "حبيبة" إعاقة ذهنية وبصرية وحركية: "بنتي ضمن الفئة الأولى اللي بيجيلها الامتحان صح وغلط، لكن الامتحانات اللي جالها السنة دي فئة رابعة وهي مش متدربة عليها"، تقول زينب عبدالجليل، والدة الطالبة.
تتصنف الفئات في قانون الدمج بحسب نوع الإعاقة، وتذكر والدتي الطالبتين ناردين وحبيبة إن إعاقة ابنتيهما ضمن الفئة الأولى وهي ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة، ويتضمن قانون الدمج لعام 2015 أن الإعاقات التي يتم قبولها هي قلة وضعف البصر والشلل الدماغي والإعاقة الذهنية التي تتضمنها سمات مرض التوحد ومتلازمة داون والإعاقة الذهنية البسيطة وبطء التعلم.
وحدد القانون مواصفات الامتحان الخاص بذوي الإعاقة الذهنية البسيطة، حيث لابد أن يكون موضوعياً (أي دون أسئلة مقالية نهائياً).
غير أن الفتاتين فوجئتا بشكل امتحان مُختلف، ما أصابهما بصدمة كبيرة.
أصيبت حبيبة في سن الثامنة بمرض عصبي، نتيجة زواج الأقارب، ما أثّر على قدميها وبصرها "عملت عملية في رجلها وبنتابع معاها النظر". مشوار طويل سارت فيه أسرة حبيبة معها حتى تمكّنت من الدمج وسط الطلاب من غير ذوي الاعاقات.
والدمج هو إتاحة الفرص للأطفال المعاقين للانخراط في نظام التعليم العام تأكيدًا على مبدأ تكافؤ الفرص.
كذلك سارت ناردين طريقًا طويلاً منذ ولادتها بإصابة صُم كامل عام 2004، وأجرت عملية زرع قوقعة: "من ساعة ما اتولدت واحنا دفعنا دم قلبنا عشان تبقى زيها زي أي حد طبيعي"، تقول الأم بنبرة حسرة على حال ابنتها، تستنكر سوسو ما حدث: "يعني ايه بعد مجهود السنين دي كلها ويقفلوا الطريق في وشها كدا".
لم تقتصر المشكلة على امتحان اللغة العربية فقط، بل كذلك جاءت باقي المواد حتى الآن، وقدمت الوالدتان شكوى لدى خدمة المواطنين بوزارة التربية والتعليم، لإعادة النظر تجاه الامتحانات الخاصة بهما "يا إما امتحانهم يتعاد تاني بالشكل المتفق عليه، يا إما يتم توزيع الدرجات على الأسئلة الخاصة بيهم"، هكذا طالبت الوالدتان زينب وسوسو، فيما ينتظران الرد عليهما.
وصرّح دكتور أحمد آدم، مدير عام إدارة التربية الخاصة، لمصراوي، إن هناك لجنة متخصصة تقوم بالكشف على الطلبة لمعرفة نوع الإعاقة، واتضح إن الطالبتين صُنّفا ضمن الإعاقة البصرية، والتي يأتي امتحانها 60% موضوعي، و40% مقالي، لذا جاء الامتحان لهما بذلك الشكل "احنا بننفذ القانون".
وأضاف آدم بالإشارة إلى ذلك التصنيف، أنهم مسئولون عن قرارات الدمج، أما آلية التنبيه على المدارس والأهالي فهي من اختصاصات مكتب مستشار التربية الخاصة، وهو الدكتور عبدالستار شعبان، فيما أكد الأهالي أنه لم يتم التنبيه عليهما بذلك التغيير طيلة السنة "محدش قالنا ولا بعت أي إشارة للمدرسة إن فيه تغيير في شكل الامتحان".
وتذكر والدة حبيبة وناردين أنه بحسب قانون 2015: "يُعفى الطلاب أصحاب الإعاقة الذهنية البسيطة والشلل الدماغي ومتلازمة داون من دراسة اللغة الأجنبية الثانية".
تعيش حبيبة وناردين حالة انهيار تام، حسب وصف والدتيهما. تأسى زينب على حال بنتها "مفكروش إن ولادنا ممكن ينتحروا بسبب حاجة زي كدا"، فـ حبيبة كانت فرحة للغاية لوصولها لمرحلة الثانوية العامة: "هي طول الوقت قاعدة بتحلم، نفسها تدخل سياسة واقتصاد أو ألسن".
حين رأت ناردين امتحان اللغة العربية وما تلاها شعرت بالفاجعة، حاولت مُرافقتها التخفيف عنها "حلي يا ناردين اللي تعرفيه"، تقول والدتها إنها لا تأكل من أثر الصدمة، تُحب ناردين الرسم وتتمنى دخول كلية الفنون الجميلة، تُحيط نفسها داخل غرفتها بورق تكتب عليه ما يُذكرها بحلمها من بينها مناجاة لله كتبت عليها "إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني".
فيديو قد يعجبك: