إعلان

بالصور: أيام ما قبل الفض.. ضحايا الإخوان يسردون الحكاية

01:43 م الأحد 10 أغسطس 2014

كتب- يسرا سلامة وأماني بهجت:

هبَوا للدفاع عن منطقتهم ضد الإخوان، غير أنهم رحلوا وبقيت صورهم معلقة بالمنطقة، شاهد على جُرح بالمكان، وحزن لم يترك نفوس ذويهم، ثأر لم يهدأ بعد لمواطنين رأوا الموت بأعينهم على أيدي مواطنين مثلهم، أبناء فُقدوا وآباء حُرم منهم أبنائهم، تمر ذكرى فض اعتصام النهضة عليهم بذكرى تحقيق جزء من القصاص أو التذكرة بأن الكرسي زائل، وأمنية أن تتذكرهم الدولة، يذكرون تفاصيل أحداث ما قبل الاعتصام في ذكرى الفض.

صور معلقة هي ما تبقى منهم بعد مضي عام كامل وشهر وعدة أيام، بعد عزل لرئيس واعتصام دام لشهر ونصف وانتخابات رئاسية أخرى، يمضي العابرون في طريقهم على هذه الصور في مشهد اعتاده الجميع، وجوه طواها النسيان، محت الشمس ما تبقى من ذكراهم على لافتات علقها ذويهم لكي يتذكرهم القاصي والداني.

إمام.. الباحث عن علاج وعمل

ضحايا الإخوان

وحيداً جلس الشاب العشريني على كنبة خشبية أمام منزله بجانبه عكازيه الذي ما ظن يوماً أنه لن يستطيع الحراك دونهما في ريعان شبابه، ''إمام إبراهيم'' أحد شباب بين السرايات ''سمعنا صوت الضرب والرصاص وسمعنا إن الإخوان بيهجموا فوقفنا قدام بيوتنا زي ما أي حد بيحمي بيته''.

''إمام'' الشهير بـ''شريف'' كما يلقبه أصدقاؤه نجى من الموت ثلاث مرات متتاليات في يوم واحد على حد قوله ''أول مره لما اتضربت بالرصاص في رجلي والأهالي لحقوني وشالوني'' يكمل ''إمام'' الصعاب التي تواجدت في هذا اليوم بعد إصابته الأولى حيث جميع الطرق مغلقة ولا مجال للهرب ''تاني مرة لما الأهالي قعدوني على الكنبة عشان يشوفوا لي موتسيكل نروح المستشفى بيه والإخوان دخلوا علينا زي التتار ورفعوا عليا خرطوش بس مضربونبيش بيه'' وفي المرة الثالثة ''وأخر مرة لما سحلوني من ايديا بطول الشارع كله ورجلي متصابة، كنت فاكرها اتقطعت''.

لم تنتهِ المعاناة عند النجاة من الموت ثلاث مرات، فالأسوأ لم يأت بعد، رحلة العلاج وما واجهها ''مش معتبرينا مصابين ثورة ولا غيره، وبنروح نلف على قرارات العلاج مفيش''.

''إمام'' الذي توفي والده بعد إصابته بخمسة أشهر بحسرته عليه -حسب قول والدة إمام- كان يعمل سائقاً كابنه ''إمام'' الذي انقطع رزقه بعد إصابة قدمه اليسرى ''نفسي في أي حاجة حلال نسترزق منها، طلبنا رخصة كشك ومرضيوش، ناكل منين؟ نموت'' بهذه الكلمات اندفعت ''والدة إمام'' في الحديث.

''محدش سائل فينا، عايشيين في أوضتين بالايجار بـ 100 جنيه والمعاش 400 جنيه، غير علاجه وأنا وأخته.. كله على الله بس نعيش إزاي؟'' تسائلت الأم وانتظرت الرد من المسئولين طويلاً، وعن موقفه من الإخوان قال إنه شعر بالأمان بعد فض الميدان ''مكناش بننام طول ما الاعتصام موجود، كنا خايفيين يهجموا علينا تاني''.

''زيزو''.. الحلم بلقب ''شهيد''

ضحايا الإخوان

دموع لم تجف، وحزن لا يزال ينبض في قلب السيدة الخمسينية ''أم زيزو'' كما يناديها أبناء منطقتها، والدة ''عبد العزيز أحمد'' والذي توفي في يوليو الماضي، وقت أن اندلعت أول اشتباكات بين الإخوان وأهالي منطقة بين السرايات عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق ''محمد مرسي''، ولا تزال السيدة المكلومة تحمل صورة الشاب الثلاثيني بين أشيائها.

لحظات تتذكرها والدته وقت أن هجم عدد من الناس حاملين لأسلحة بداخل منطقة ''الدوار'' في بين السرايات، دون أن يعرف أهل المنطقة السبب، ليبدأ شبابها في الدفاع عنها منهم ابنها، والذي يربي عدد من الأغنام ليساعد والده في محل الجزارة، صعوبة في السمع وثقل على اللسان لم تمنع ''زيزو'' أن يساعد والده ووالدته، وأن يساعد أهل منطقته ضد وجود مجموعة من الرجال يحملون أسلحة، مرددين عبارات تنادي بما اسموه ''الشرعية''.

''رصاصة في رجليه'' انهت حياته إلى الأبد، ليخلف ورائه الحزن للوالدة، والأب المكلوم المريض بذبحة صدرية، وبعد إصابته في الأحداث، تقول ''أم زيزو'' ''أنا شفت داعش وسوريا هنا يوم اشتباكات الإخوان''، لا يتوقف لسان السيدة من الحسبنة (حسبي الله ونعم الوكيل)على قتلة ولدها، والواحد من خمسة أفراد توفوا قبيل اعتصام الإخوان بميدان النهضة.

خمسة آلاف جنيه وصلت للسيدة من فاعلي الخير وضعتهم السيدة كصدقة جارية على روح ولدها ''عبد العزيز''، وختمة للقرآن تداوم عليها كل شهر لفلذة كبدها، ترفض السيدة أن تسير في دروب المطالبة بتعويض لولدها، تقول ''مفيش قرش يعوض عن ضُفر عيلك، انا نفسي الناس تفتكره والحكومة تعترف به من الشهداء''.

''عبد النبي''.. 7 أيام تعذيب في ''النهضة''

ضحايا الإخوان

مكالمة هاتفية لوالدته المصابة بالسرطان، والتي تقطن بمنطقة بين السرايات، لم تكفيه، فقرر التوجه إلى منزلها عصرًا، دون أن يدري إن في ذلك اليوم ستضرب الاشتباكات المنطقة بين مؤيدي ''مرسي'' وأهالي المنطقة، ليكون ''كرم'' والشهير بــ''عبد النبي'' ضحية لتلك الأحداث الدامية.

''عبد النبي'' سائق التاكسي ابن الثامنة والأربعين عامًا، كان واحدًا من خمسة أفراد، اختطفتهم أفراد من جماعة الإخوان وقت اشتباكات بين السرايات، وظل مع الخمسة رهن أيديهم في حديقة الأورمان، بحسب ما تذكر شقيقته ''صباح''، والتي رأته آخر مرة مقبوض عليه دون أن تسمع عنه أي خبر لاحقا.

من استطاع أن يفلت من يد الإخوان، قصَ أخبار ''عبد النبي'' للشقيقة والأم التي توفت عقب وفاته ببضع شهور ''عبد النبي متعلق على المنصة في النهضة، وبيعذبه في جنينة الاورمان''، كلمات تذكرها الشقيقة بين دموعها، بعد أن ترك الأخ ابنة ذي السبع سنوات ووالدان في العشرين من عمرهما.

زيارة يومية كانت تقوم بها ''صباح'' برفقة والدتها المريضة إلى مشرحة زينهم، لتعرف ابنها، حظر التجوال وانسحاب قوات الشرطة وقت الاشتباكات عقبات حالت بين الفتاة ومعرفة أخبار ''عبد النبي''، حتي بعد مرور أسبوع من اختطافه على يد الإخوان على حد تعبير الاخت، وعرفت ''صباح'' من التلفزيون يوم 9 يوليو وصول 5 جثث مجهولة الهوية من آثار التعذيب، لتتعرف والدتها على الجثة رغم التشوهات ''عرفته من خاتم في ايده وشعره المجعد''.

صورة كبرى للشقيق المتوفي لا تزال معلقة بمنزل والدته البسيط، ولاتزال الشقيقة ''صباح'' يملؤها الحزن عما حدث لشقيقها، راحة قليلة شعرت بها الفتاة عقب الفض، لم ينسيها إن يوم فض الميدان موافق لأربعين شقيقها، زيارة منها إلى مجلس الشوري لتروي ما حدث لشقيقها هو آخر تواصل بينها وبين مسئول، لا تتمني ''صباح'' المتشحة بالسواد إلى الآن إلا أن ترى صورة شقيقها على التلفزيون ''ما بيجبوش أساميهم خالص بين الشهداء زي الجيش والشرطة، نفسي الناس تفتكرهم''.

جامعة القاهرة.. الحرم في مواجهة الاشتباكات

ضحايا الإخوان

لم تسلم جامعة القاهرة من توابع فض الاعتصامين رابعة والنهضة، فأغلقت أبوابها أثناء الفض ومُنع الطلاب من الدخول، لكن تبقى العمال وموظفين الأمن فقط، ليكونوا شاهدًا على أحداث الفض، وقبلها أحداث الاشتباكات التي وقعت حول الحرم الجامعي.

جاء ليؤدي عمله الذي اعتاد تأديته منذ 10 أعوام كفرد من أفراد أمن الكليات، لكنه رفض ذكر اسمه لوجود قرار يمنع التحدث في السياسة داخل الجامعة ''ساعتها كان باب التقديم مفتوح وطلبة كتير كانوا جايين يقدموا، بس قفلوا الباب واللي دخل العمال بس''. يكمل العامل الحديث الذي لم يكن طويلاً ''قفلنا على نفسنا باب الكلية وفضلنا سامعين الضرب من أوله لأخره، والطيارات والرصاص وهو بيخبط في حديد الأبواب، كان رعب''.

يذكر العامل إن الإخوان قاموا بوضع ساتر ترابي من شكائر رملية أمام الباب الرئيسي للجامعة، بعد أن توفت طفلة من بين المعتصمين، لكي يأمنوا عدم الضرب عليهم من داخل الجامعة.

''كرم عطوة''.. ''جدع'' المنيل ضد انتهاكات الإخوان

ضحايا الإخوان

في نهاية عطفة الريحان وعلى باب أحد المنازل توجد لافتة ''لجماعة الإخوان المسلمين'' وبشعارها الأخضر ''وأعدوا''، تبدو وكأنها وضعت لتحجب الشمس عن مدخل بيت ''كرم''، المفارقة أن من وضع شعارهم على باب منزله كانوا سبب في غيابه للأبد.

''كرم'' الأب لأربع أبناء وأحد أبناء المنيل القديم، والذي استشهد اثر دفاعه عن منطقته والشباب الساكن بجواره على حد وصف زوجته ''يعني الشباب تموت وأنا أقعد في البيت'' بهذه الكلمات تقول زوجة كرم -رحمه الله- أنها كانت الأولى والأخيرة قبل استشهاده.

''مكنش بيخاف، كان أشجع واحد في المنطقة''.. تكمل الزوجة في حزن وقد بدأت دموعها تنهمر وهي تحكي قصة استشهاد زوجها ''يوم5 يوليو بدأت الاشتباكات على كوبري الجامعة، كرم لبس في ثواني ونزل يشوف اللي بيحصل''.

يكمل الحديث ''علاء كرم'' الابن الثاني لـ''كرم'' عن ملابسات اليوم المشئوم الذي فقد فيه والده وأصيب هو بطلق ناري في قدمه ''نزلنا نشوف اللي بيحصل، لقينا الإخوان بيهجموا علينا رجعناهم بالطوب لحد النهضة تاني ويا دوب لفينا ضهرنا وبنبص ورانا تاني لقيت بابا واخد رصاصة في صدره جيت أشيله أخدت رصاصة في رجلي''.

''علاء'' شاب في مقتبل العشرينات أصبح عائل أسرته بعد وفاة الأب وبعد إصابته ''بابا كان بيشتغل أمن في نادي النيل بس مش متثبت''، يروي ''علاء'' تفاصيل أسرته المنسية من بعد أحداث المنيل واستشهاد 5 من أبناء المنطقة ''بنتعامل أسوء معاملة طلبنا نعمل تصريح كشك عشان ناكل منه عيش مرضيوش عملت كشك صغير جت البلدية شالته''.

الأسرة التي أصبحت بلا مصدر ثابت للرزق بعد وفاة عائلها وإصابة الابن المعيل ''أخويا الكبير محامي وعندي أخ وأخت اصغر مني نعيش منين؟ قدمت طلبات في صندوق مصابي الثورة، ورئاسة الوزراء ووزارة الدفاع والمحافظة والحي ومفيش أي حاجة، وكل علاجي دفعنا فلوسه من جيبنا''.

كحال جميع مصابي الثورة وكحال من قبلهم يكمل ''علاء'' كلامه باستياء شديد ''بيجوا على الغلابة اللي زينا أوي، إبراهيم بيه محلب جه هنا من كام يوم وحكيت له واديته الطلبات بايدي بس مفيش حاجة اتنفذت''.

عبد الله.. الرصاصة قصادها ''راجل''

ضحايا الإخوان

وسط محل ''كرنفال وفاء'' بمنطقة المنيل، كان الرجل الخمسيني ''سيد عبد العظيم'' جالسًا بجوار بضاعة محله الصغير، من الطُرح والإكسسوارات، يجهز لكوب من الشاي برفقة جاره بمحل آخر، وفوقه صورة لولده ''عبد الله''، المتوفي منذ عام وشهر، في اشتباكات المنيل الواقعة بين أهالي المنطقة وعناصر من جماعة الإخوان المسلمين.

صورة أخري لـ''عبد الله'' علقها أصدقاءه بشوارع أخرى في المنيل، وأخري في المهندسين، يذكرها والده، والذي قرر أن يفتح محل ولده، ويقضي يومه بين قراءة قرآن له، ودعوة له بالمغفرة، وسيرة طيبة يذكرها كل من عرفه ''ناس كتير ما اعرفهاش بتيجي تواسيني عليه، ابني كان محبب من كل الناس''.

يذكر والد ''عبد الله'' إن ولده كان واحد من شباب منطقة المنيل ليدافعوا عن منطقتهم ضد أفراد من الإخوان المسلحين، يذكر الوالد إن من فوق مئذنة مسجد صلاح الدين بالمنطقة انطلقت رصاصة إلى رأس ولده، يذكر بالتحديد مكانها أسفل جبهته، يذكر الوالد تلك الليلة الدامية ''الرصاص كان كتير، والرصاصة براجل''.

ويتابع إن الاشتباكات بدأت في المنيل وقت مسيرة لأنصار الإخوان من التحرير من أجل الاعتصام في النهضة، ليحمل منهم السلاح ضد أهالي منطقة المنيل الواقعة قبل ميدان النهضة بالجيزة ''وقتها شباب كتير راحوا يدافعوا عن منطقتهم وبيتهم''، يذكر الوالد إن ولده لم يكن مختلطًا بالسياسة، لكنه مثل الكثير احبطه سلوك الإخوان في الحكم، ولم يعجبه ما قام به ''مرسي'' في حكمه.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: