إعلان

الإضراب.. صرخة الشقيانين في وجه الأنطمة

07:23 م الجمعة 01 مايو 2015

الإضراب

كتبت - نورا ممدوح:

هتاف تعالت به الأصوات، جفت له العروق، أطلقه أصحابه عن قناعة بأنه يومًا سيصل إلى أذن من يهمهم الأمر، لم تخلو تظاهرة لهم إلا وكان هو مُشعل لحماستهم، ومحُفزاً لهم للثبات على مطالبهم حتى آخر قطرة عرق تسقط من جبينهم، يواجه العمال به تعنت قد يروه في ظنهم فائق لكل الحدود فيعلنون إضرابهم ويرددون " الإضراب مشروع مشروع.. ضد الفقر وضد الجوع".

لم تكن فكرة الإضراب وليدة العصر الحديث، فهى تعود إلى مصر القديمة، والتي كانت شاهدًا على أول إضراب في التاريخ بمنطقة دير المدينة بالأقصر، في نهاية عهد رمسيس الثالث، وقام به حفاري المقابر للمطالبة بحقوقهم، هكذا بدأ صلاح الأنصاري القيادي العمالي وخبير التدريب العمالي، حديثه عن الإضرابات العمالية على مدار التاريخ.
عمال الفحم ببورسعيد كانوا أول من نظموا إضراب عن العمل بالعصر الحديث في 1894، للمطالبة بصرف أجورهم، إلا أن الأنصاري يوضح أن إضراب عمال لفافي التبغ عن العمل في عام1899، كان أول إضراب ينتج عنه إنشاء نقابة تدافع عن العمال وحقوقهم، ويعتبر هذا الإضراب ميلاد الحركة النقابية، حيث أسفر عن تنظيم مفاوضة بين العمال وأصحاب الأعمال، وهو ما طرح فكرة إنشاء نقابة عمالية للتحدث باسم العمال.

نمت الإضرابات منذ ذلك الحين، مع مطلع القرن العشرين وتم تشكيل عدد كبير من النقابات، وكما يروي القيادي العمالي، كانت مصر آن ذاك مستعمرة من الإنجليز، وكان العمال يواجهون استغلال المستعمر بأشكال عديد أهمها كان الإضراب، فأصحاب المصانع والشركات كان كثيرا منهم من الأجانب، كما انتشر في ذلك الحين نظام الإقطاع والرأسمالية المالية، وهو ما يؤكد أن ظروف الطبقة العاملة كانت غاية الصعوبة.

حاول العمال ترسيخ فكر العمل النقابي، والاعتراف به على مدار هذه الفترة، وظلت حركة الاحتجاجات والاضرابات مستمرة دون انقطاع للمطالبة بحقوق مشروعة، حتى صدر أول قانون للنقابات العمالية في مصر وهو القانون رقم 85 لسنة1942، وكان حزب الوفد هو الحاكم حينها إلا أن قطار الإضرابات لم يتوقف.
"خميس والبقري" هما العاملان اللذان طالبا بزيادة أجورهما، فتمت محاكمتهما عسكرياً، وصدر حكم بإعدامهما شنقاً، يقول الأنصار إنه عقب ثورة 23 يوليو 1952، نظم العاملان وقفة احتجاجية سلمية بالمصنع مع زملائهم من أجل الحصول على زيادة في أجورهم، ولكن تم محاكمتهم عسكرياً وصدر الحكم ضدهم بالإعدام في يوم 7 سبتمبر من نفس العام، وكان هذا أول تعامل للثورة مع الإضرابات.

ظل الوضع على ما هو عليه، حتى تم تشكيل اتحاد نقابات عمال مصر عام 1957 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي يعتبر أزهى الفترات على مستوى الطبقة العاملة، فكانت العمال تحصل على حقوقها دون أن تطلبها، والحركة النقابية بمصر كانت مؤمنة وذلك بعد ما وصفه القيادي العمال بالتزاوج بين اتحاد نقابات عمال مصر والاتحاد الاشتراكي العربي حيث لم يكن مسموح لمن يرغب في خوض الانتخابات العمالية إلا بأن يكون عضو في الاتحاد الاشتراكي.

في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، أصدر قرار بحل اتحاد النقابات، رغبة منه في تغيير قياداته، ثم بدأت بعد ذلك فكرة الاستثمار والرأسمالية والانفتاح الاقتصادي، وتغيرت علاقات العمل، ومن أشهر الإضرابات وقتها كان إضراب عمال نقل عام 1976 ثم انتفاضة الخبز في يناير 1977 والتي اشتعلت ضد ارتفاع أسعار السلع الغذاية، ومن ثم أصبح سهم الحركة النقابية في مصر متحركا فتارة عاليا وأخرى منخفضاً وصولا إلى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.

من أشهر الإضرابات التي دونتها ذاكرة الطبقة العمالية، هو إضراب عمال غزل المحلة عام 2006، والذي ساهم في عقد سلسلة من الإضرابات لم تنتهٍ حتى وقت ثورة 25 يناير -التي كان للعمال دورًا كبيرًا فيها- حيث ارتفعت وتيرة الاحتجاجات والإضرابات خلال الـ18 يوم ، وهو ما كان سببًا قوياً في رحيل مبارك من الحكم، كما يقول الأنصاري.

منذ ذلك الحين وحتى الآن، لم يتمكن أحد من إيقاف العمال عن ممارسة حقهم في الإضراب، وهو ما يؤيده قانون العمل والدستور والاتفاقية الدولية التي وقعت عليها مصر في عام 1981 باسم " العقد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية"، ويُرجع القيادي العمالي سبب لجوء العمال للإضراب إلى افتقاد لغة الحوار والتفاوض بين أطراف العمل الثلاثة، وأنهم يلجئون إليه عندما يتعرضون إلى شكل من أشكال التعسف ضدهم.

يقول الأنصاري: "في عيد العمال الخامس بعد الثورة، قدم رئيس اتحاد عمال مصر وثيقة شرف للرئيس عبد الفتاح السيسي، بوقف الإضرابات العمالية والاحتجاجات، كما صدر حكم للمحكمة الإدارية العليا بأن الإحالة للمعاش هى عقوبة الإضراب عن العمل، وهو ما يُرسي قاعدة تجريم الإضراب واستند للشريعة الإسلامية على أساس أن العمال تسببوا في ضرر، إلا أن ذلك يتعارض مع الدستور والقانون والمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر".

"الإضراب غاية لتحقيق هدف ووسيلة تُتبع كإجراء أخير يتم اللجوء إليه كنوع من الضغط على صاحب العمل، فالإضراب حق لا ينكره أحد ولا يجوز لأي شخص أن يمنع الإضراب لأن العمال لن يستجيبوا له يقولها القيادي العمالي بنبرة حادة، مرددًا "الإضراب صرخة العمال للمطالبة بحقوقهم".

فيديو قد يعجبك: