الدستورية ترفض طعنا على عدم تنظيم "الترقية بالأقدمية المطلقة"
كتب - محمود السعيد:
قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار حنفي علي جبالي، اليوم السبت، برفض الدعوى رقم 105 لسنة 35 دستورية التي أقيمت طعنا على نص المـادة (69) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما أغفله من تنظيم الحق في الاحتفاظ بترتيب الأقدمية والحق في الترقية بالأقدمية المطلقة أو بالرسوب الوظيفي للعامل الذى يشغل وظيفة تكرارية، ومُرخص له بإجازة بدون مرتب زادت على أربع سنوات، ومُصرح له بالعمل - خلال إجازته - في أعمال من ذات طبيعة أعمال وظيفته".
وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن الأصل أن يكون لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلاً عن متطلباتها التي تكفل للمرافق التي يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها، وقابلية تنظيماتها للتعديل وفق أسس علمية قوامها التخطيط المرن وحرية التقدير، فلا تتعثر أعمالها أو تفقد اتصالها ببعض أو تدرجها فيما بينها، وشرط ذلك إعداد موظفيها علميًّا وفنيًّا، فلا يلي شئونها غير القادرين حقًّا على تصريفها، سواء أكان عملهم ذهنيًّا أم مهنيًّا أم يدويًّا.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن لكل وظيفة تبعاتها، فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة الأعمال التي تدخل فيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة فيها، والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالي أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها أو الترقية منها إلى ما يعلوها، عملاً آليًّا يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلاً عن عوامل الخبرة والجدارة التى يتم على ضوئها اختيار من يتولاها، ولا مجرد تطبيق جامد لمقاييس صماء لا تأخذ فى اعتبارها خصائص كل وظيفة ومكانتها، والحد الأدنى للتأهيل لها والتدريب على أداء واجباتها ومسئولياتها، وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية المحددة تحديدًا دقيقًا، وعلى تقدير أن تقييم شاغل الوظيفة إنما يرتبط بأهميتها الحقيقية .
وأضافت المحكمة أن الأصل في الأقدمية الوظيفية أن تكون معبرة عن مدة خدمة فعلية قضاها الموظف قائمًا بأعباء وظيفته، وهى بذلك لا تُفترض، ولا يجوز حسابها على غير حقيقتها سواء بزيادتها أو إنقاصها، كما أن شروط الترقية إلى الوظائف، وبخاصة الوظائف الإشرافية أو القيادية يجب أن تعبر عن الانحياز إلى الأصلح والأكثر خبرة وعطاء، وهو ما يتطلب أن تكون المدة البينية أو الكلية اللازمة لشغل تلك الوظائف - بحسب الأصل - مدة فعلية وليست حكمية، حتى لا يُعهد بأعمال هذه الوظائف لغير من يؤدونها بحقها، فلا يكونون عبئًا عليها يُقيدها أو يُضعفها، بل يثرونها من خلال خبرة سابقة وجهد خلاق يتفاعل مع مسئولياتها.
وتبين لدى المحكمة وحيث من الاطلاع على المذكرة الإيضاحية لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة أن أحكام هذا القانون تقوم على أسس موضوعية، وذلك عن طريق الاعتداد أولاً "بالوظيفة"، باعتبارها مجموعة من الواجبات والمسئوليات، يلزم للقيام بها توافر اشتراطات معينة فى شاغلها، تتفق مع نوعها وأهميتها، وتسمح بتحقيق الهدف من إيجادها، وأن هذا الاعتداد الموضوعي لا يتعارض مع الجانب الآخر للوظيفة، المتمثل فى "الموظف" الذي يقوم بأعبائها وما يتطلبه هذا الجانب "البشري" لا الشخصي من الاعتداد بالخبرة النظرية أو المكتسبة اللازمة للقيام بأعباء الوظيفة، ومراعاة ذلك في الأجر الذي يحصل عليه بوصفه مقابلاً موضوعيًّا لا شخصيًّا، لما يناط به من مسئوليات.
وأشارت إلى أن المشرع بإقراره النص المحال قد انحاز إلى إعمال الأسس الموضوعية للوظيفة وذلك بالاعتداد بالوظيفة ومراعاة واجباتها ومسئولياتها، والتى يلزم للقيام بها توافر الاشتراطات اللازمة لشغلها ومن بينها مدة الخبرة الفعلية التي قضاها الموظف في وظيفته السابقة قائمًا بأعبائها، وذلك ضمانًا لجدارته وكفاءته بتوليها، فينهض بها من خلال خبرته السابقة وجهده الخلاق الذي دأب عليه خلال الفترات المنقضية، وهو ما يتفق مع الأهـــــداف التي سعى المشرع إلى تحقيقها بالنص المحال، الذي ترتكن أحكامه إلى أسس موضوعية تبررها، دون مصادمة في ذلك لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص التى حرص الدستور على كفالتهما في المواد (4، 9، 53) منه.
فيديو قد يعجبك: