إعلان

ثمان وعشرون ليلة وقصيدة.. ذاكرة المدينة في "ألبوم صور"

06:51 م الأربعاء 19 أكتوبر 2016

أقدم استديو بصيدا اللبنانية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

داخل أقدم استديو بصيدا اللبنانية، دون أن يدري أرّخ هاشم مدني لحقبة الخمسينيات والستينيات، عبر كاميرته يحفظ صور لأهل المدينة، أثناء تلك المرحلة الرومانسية التي تمتلأ بأغاني الحب، التقط مدني فوتوغراف لأشخاص عبروا عن أنفسهم بحرية مُطلقة، يأتون فرادى أو رفقاء، يستعرضوا ما يرغبون فيه أمام الكاميرا دون خجل، سواء كانت دعابات خاصة بقبلات فتاة لرفيقتها أو رجل يرتدي ملابس امرأة وبجواره يقف صديقه كعريس، بينما كانت الصورة الأكثر إثارة، لسيدة وحيدة رغبت في تصويرها عارية.

6

عبّر الفيلم الوثائقي "ثمان وعشرون ليلة وقصيدة" للمصور أكرم زعتري، والذي عُرض بمركز التاون هاوس الثقافي، عن تلك الحيرة التي تُصيب المرء من تعدد آلات التصوير والتسجيل، مُنطلقًا من حكاية جميلة، بطلها أقدم المصورين بصيدا، هو هاشم مدني، يتحدث فيها عن ملامح تلك الفترة الرائقة. أما زعتري فيبحث فيما وراء الصورة، والتطور الرهيب لتكنولوجيا التصوير، لتمتلك الذاكرة العربية أرشيف هائل، مُخيف، في متناول اليد، يُحاول صانع الفيلم أن يوقف الزمن قليلًا عند تلك الذاكرة، ويبحث في أمرها.

1

انقسم الفيلم لجزئين، الأول يحكي عن استديو شهرزاد، لصاحبه المصور مدني، والآخر يتنقل فيه زعتري بين آلات التصوير والأرشفة القديمة والحديثة، يرغب في إحداث تناقضات عدة أمام عين المُشاهد، بين أنواع كاميرات قديمة تُثير حنينًا داخل المهتمين بها، وأخريات أحدث حتى الوصول لكاميرا الموبايل، كذلك بين أنواع المُسجلات القديمة وزميلاتها الأكثر تطورًا، أحيانًا يضع كلا الجهازين بجوار بعضهما على طاولة، كما يضع المُسجل المشغّل على إحدى الأغنيات القديمة داخل علبة حفظ خاصة بها، يرى الناظر صورة المسجل داخل العلبة، أما الصوت فمكتوم لكنه موجود، صورٌ مختلفة أراد بها زعتري مُحاولة لقول أن الماضي مازال حاضرًا. كما يفصل صانع الفيلم كل فقرة بتعريفًا لديه باللغة الإنجليزية، من بين التعريفات مفهوم موقع "اليوتيوب"، و"الفلاش".

4

"ألبوم صور"

أما الجزء الأول فكانت مهمته الحنين من الدرجة الأولى، خلال مُقابلة أجراها زعتري مع مدني، ، فيطرح عليه أسئلة ترسم صورة أرشيفية عن المدينة اللبنانية، يسائله عن بداية عمله، والكيفية التي اشتغل بها، ثُم تأسيسه لاستديو شهرزاد، خلال المُقابلة لا يرى المُشاهد من مدني سوى وجهه، عبر تليفون محمول. مع بداية زمن الخمسينيات، كان مدني يسير في الطُرقات يعرض مهارته في التصوير على أصحاب المحلات، يستغل ضوء النهار ليصنع صورة طبيعية، قبل اختراع "الفلاش"، وعند أطراف المحال يقف صاحبه أمام الكاميرا، فيما تحمل اليافطة من فوقه اسم دكانه، نمت سُمعة المصور بين أهل صيدا، حتى صار له مكانه الخاص به "استديو شهرزاد"، وبدلًا من عرض مدني خدماته، أصبح لديه زبائنه الذين يقدمون له، يذهب أحدهم بمفرده، أو مع صديقه، تحدّث المُصور أيضًا عن الأوضاع المعهودة، ذلك الوقت، للوقوف أمام الكاميرا، يجلس الرجل لا يظهر منه سوى جانبه الأيمن، مستندًا على كفه، أما الفتاة فتتخذ وضعية مواجهة، وتضع يداها أسفل وجهها.

2

يتكلم مدني خلال المُقابلة بصوت بطئ، عن سلوكيات الواقفين أمام الكاميرا، من بينها ظهور رغبة العديدين من الرجال لرفقة السلاح، حيث توضح صور كثيرة حملهم للرشاشات، حتى سيطر ذلك السلوك منذ منتصف الستينيات، بوادر تمهد لحرب طالت الجميع في لبنان، حيث استمرت الحرب الأهلية اللبنانية 15 عامًا، منذ 1975.

3

"يا ليل"

حاول زعتري من خلال فيلمه أن يضع المُشاهد داخل تلك الحقبة الزمنية، عبر أغاني كلاسيكية على رأسها صوت عبد الحليم حافظ، ثُم إحداث تناقض من خلال تشغيل نفس الأغنية لكن بنسخة أحدث بصوت مغني آخر، مُشيرًا إلى ما فعلته التكنولوجيا، فيما استعرض داخل الفيلم العديد من الأغاني القديمة، كجزء من الذاكرة اللبنانية، بل والعربية أيضًا، شغّل المسجل داخل الفيلم أغنية لمحمد عبد الوهاب "في البحر"، فيها كرر المطرب "يا ليل" 28 مرة.

5

غير أن الجزء أكثر حيوية داخل الفيلم هو حكايات مدني عن التصوير، تلك النوستالجيا التي تُستدعى عبر كلامه، ومن خلال رؤيته يفتح باب الاستديو، الذي مازال موجودًا، يدخل بجسد مَحنيّ، وخطوات بطيئة، فيرى المشاهد ، الصور التي لا يخلو شبر بالمكان منها، على الجدران وبدواليب لها زجاج شفاف، كذلك بأدراج المكتب، تجد صورًا لأشخاص لا تعرفهم وآخرين مشاهير مثل صباح وعبد الحليم حافظ، يجلس مدني على كُرسي أمام النافذة المُنخفضة بالاستديو يرى سريان الحياة بخارجه، يقول مدني في حوار له مع الشرق الأوسط عام 2012 "هنا عشرات الآلاف من النيجاتيف، الحافظ لأسرار أهل صيدا وثقته منذ الخمسينيات، ومن الصعوبة بمكان أن أفرط فيه، هو مثل غيره من الصور والمحتويات، يحمل بالنسبة لي رائحة الماضي الجميل، رائحة سنوات كانت مليئة بالعز والشغف والعمل رغم كل التعب"، وكأن الاستديو مازال بداخل حقبة زمنية لم تنتهِ بعد، وكأن المصور احتفظ بزمنه الخاص رغم طوفان التطور السريع.

Twenty-Eight Nights and A Poem. Trailer 2 from akram zaatari on Vimeo.

بالفعل يُمكن أن تشم رائحة الزمن داخل الفيلم، والتكثيف الذي فعله زعتري ليعرض تتابع السنين، من خلال فقرات تعرض آلات متعددة للتصوير قديمة وحديثة، مازجًا ذلك كله عبر صوت وهيئة مدني، ليقول كما صرّح في حوار لراديو السويد "أنا أؤمن بكتابة تاريخ خاص، ليس فقط لمصداقيته، التاريخ ككل لا يُكتب من شخص واحد".

فيديو قد يعجبك: