إعلان

مفتي الجمهورية يكتب "إصلاح النفوس هو أساس كل إصلاح"

06:28 م الإثنين 02 فبراير 2015

فضيلة الدكتور شوقي علام – مفتي الجمهورية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - إسلاميات مصراوي:

أوضح فضيلة الدكتور شوقي علام – مفتي الجمهورية – في سلسلة مقالاته "إن إريد إلا الإصلاح ما استطعت (2)" تحت عنوان "إصلاح النفوس هو أساس كل إصلاح" والتي تنشرها صحيفة المصري اليوم أن لحركة الباطن وصلاح القلب دورًا فعالاً في حياة الفرد والأمة، في الدنيا قبل الآخرة؛ إذ ما من فتنةٍ أو مشكلةٍ صَغُرت أَوْ كَبُرت، خَصَّت أَوْ عَمَّت، إلا وهي عائدةٌ إلى انحراف ذاتي يَسْتَكِنُّ في النفوس والأعماق، فإن للجوارح - كما يقول السهروردي - وتصرفها وحركتها مع معانى الباطن ارتباطًا وموازنة، حتى إن أعمال الجوارح - كما يقول الإمام الرازي - مربوطة بأحوال القلوب، وهو أمر لا يشك فيه ذو بصيرة؛ فامتلاء القلب بنور الإيمان يفيض على النفس وقواها، محدثًا فيها انفعالات قوية لا تستطيع لها دفعًا، ومن ثم تنقاد النفس في طواعية واطمئنان إلى الخير والصلاح، والعكس بالعكس.

وأكد فضيلة المفتي أنه لا انفصال في الواقع بين القيم الروحية والقيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأن أي نشاط جسدي للإنسان مرتبط بقيمةٍ توجهه وتحركه، سواء أكانت قيمة عليا أم قيمة هابطة؛ ذلك أن السلوك الإنساني قصد وحركة، والقصد يتجسد في الفكر والإرادة، والحركة تتجسد في الممارسات العملية، وهذه المكونات السلوكية تنتظم في حلقات ثلاث يولد بعضها بعضًا، فتبدأ الحلقة الأولى في ميدان الفكر، ثم تليها الحلقة الثانية في ميدان الإرادة، إلى أن تنتهي الحلقة الثالثة في الممارسات العملية خارج الجسد البشري، وتابع فضيلة المفتي قائلاً: وانطلاقًا من هذا التصور تبدأ الظواهر الاجتماعية بالمقررات الفكرية التي تولد الغايات، ثم الاتجاهات النفسية التي توجه الإرادات، إلى أن تنتهي بالممارسات العملية التي تفرز الإنجازات المتقدمة أو المتخلفة في ميادين الحياة المختلفة، وعليه فإن الممارسات التي تجرى في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ... وغيرها، إنما هي الحلقات الأخيرة للسلوك الذى يبدأ في العقل أولًا ثم ينتقل إلى الإرادة ثم يظهر في الأعضاء خارج النفس.

وأوضح فضيلته أن الصوفية - وهم رواد في مجال الدراسات النفسية – لهم سبق إلى تقرير هذا المعنى، لافتًا إلى أن أعمال الجوارح عند الغزالي (ت: 505هـ) مرتبطة بدوافع وبواعث، وهذه الدوافع إنما تنبع من ذات الإنسان، ومن دخيلة نفسه، حتى إن الإنسان يجد نفسه حيال هذه الدوافع مدفوعًا للقيام بسلوك ما، وكذلك من قبله الإمام المحاسبي (ت: 243هـ) الذي حرص فيما أخرجه لنا من تراث على فحص الدوافع والغايات، والخفايا الكامنة في النفس، باعتبارها في الحقيقة القوة المحركة للفعل، فكان أن أرسى قواعد منهج تحليلي نفسي متكامل، وذلك من خلال إرساء دعائم الفكر الباعث على تقوية الإرادة التي تنهض من ثَمَّ بالسالك إلى العمل والممارسة، مؤكدًا أن الصوفية في رؤيتهم للإصلاح إنما وقفوا عند الأساس، عند الأصل والأعماق، عند الفطرة الأصلية والحقائق، فما آثروا النجاة والسلامة بالعزلة، وما مهدوا للجمود ولا الانطواء أو الموت البطيء كما يزعم خصومهم، لأن عزلة الصوفية هي عزلة العلماء في مختبراتهم ومعاملهم وكلياتهم، يبحثون ويصممون ويجربون، ثم يدربون تلاميذهم، ثم يطلقون هؤلاء التلاميذ على مستوياتهم واستعداداتهم المختلفة تفعل في المجتمع البشري فعلها الروحي والاجتماعي والثقافي والسياسي والوطني والخلقي والاقتصادي والعمراني وغيره، في أضواء التوجيه الإلهي، وفي ظلال كنوز العرش من الفيوض والإمدادات.

ولفت فضيلته إلى أنه بصلاح الأفراد يصلح المجتمع، فَمَعَ كثرة الصالحين واجتهادهم في دعوتهم، ومثابرتهم وانتشارهم، تأخذ مقاليد الأمور في الأيلولة إليهم شيئًا فشيئًا، بالطريقة الآلية الطبيعية السليمة، بحكم الانتشار والكفاية، والصلاحية والاستمرار، والكامل لا يصدر عنه إلا الكمال، فتتطور الأمور بفضل هؤلاء السادة تطورًا طبيعيًّا إلى الأفضل والأمثل، وتتجه الأفكار والآراء اتجاهًا ذاتيًّا جديدًا، يكون من ورائه الخير كله للمسلم وللإسلام وللإنسانية كلها.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن المادية - كما هو الواقع - طغت حتى غمرت حياة الناس في مختلف طبقاتهم وأعمالهم وعقائدهم وأوطانهم، فانتكسوا على إثرها إلى بهيمية فاجرة مدمرة، تجعل الحقَّ للقوة، فلا تتقيد بدين ولا خلق، ولا نظام ولا ضمير، والمادية لا تداوَى بمادية أخرى، وإنما دواؤها الأكيد هو الروحانية والربانية، وأوضح فضيلة المفتي أن الإيمان الصادق والعلاقة بالله، وسبيلها هو التصوف الإيجابي الصحيح، هو قوة إيجابية فعالة قادرة على تربية الروح وترويضها، وتغذيتها وتطبيبها.

وأكد فضيلته أن المرء إذا اعتنى بتربية روحه وتغذيتها ووقايتها، شأن اعتنائه بتربية جسمه وتغذيته ووقايته، واستعان في ذلك بأطباء النفوس العارفين بالله تعالى، فإن الروح لا تلبث أن تقوى وترتقي، وتطلب مقتضاها الطبيعي المركوز في طبيعتها النورانية وانطلاقها الذاتي، من حيث إدراك الأسرار والنفاذ إلى الحقائق، والتمتع بالقوة والغلبة، ومن ثم القدرة على الإدارة والتوجيه، شأن بلوغ الجسم غايته واضطلاعه بالمهام المنوطة به من المشي والحمل والمجالدة والكدح والكفاح سواء بسواء، مؤكدًا أنه إذا قويت الروح فإنها ترتقي بالإنسانية في نفس المؤمن.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان