إعلان

رف السينما - سبيكتر.. محاولة لإقناعك بعالم سري غير موجود

ممدوح صلاح

رف السينما - سبيكتر.. محاولة لإقناعك بعالم سري غير موجود

01:30 ص الثلاثاء 24 نوفمبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – ممدوح صلاح:

سبيكتر .. الإصدار الرابع والعشرين من سلسلة أفلام المخابرات للعميل البريطاني الشهير (جيمس بوند).. السلسلة اللى كانت بتحتفل الفيلم اللي فات في 2012 بمرور خمسين سنة على بدايتها. والجزء التاني من إخراج (سام منديز)، اللى الشركة تمسكت بيه وأصرت على إن هو اللى يخرج الفيلم ده، بسبب النجاح الجماهيري والنقدي الساحق للفيلم السابق.. يكفي معرفة إن (سكايفول) (Skyfall) هو أول فيلم في السلسلة يتخطى حاجز المليار دولار من الإيرادات، وأول فيلم (بوند) ياخد أي جايزة أوسكار من سنة 1965، وأول فيلم يترشح لجوايز أوسكار من بداية التمانينات.
هل الفيلم الجديد هيبقى ليه نفس الحظ من النجاح؟ .. لسه بدري على إجابة سؤال زي كده، لكن الفيلم لا يخلو من عيوب. وتضارب الآراء النقدية عليه هيخلي مهمته أصعب بكتير، على الأقل من ناحية الإيرادات.

aaa

أول العقبات اللى بتواجه الفيلم هو اللى بيخلقها لنفسه في المشاهد الأولى منه. بيبدأ بلقطة طويلة ممتدة لكرنفال (يوم الموتى) في المكسيك، وبيكمل بتتابع إفتتاحي مبهر بتظهر فيه كل مزايا الفيلم بشكل مبكر: القيمة الإنتاجية العالية في إستخدام عدد كبير من المجاميع وتنسيقهم بدقة، الصورة السينمائية الساحرة، والخدع السينمائية اللى معظمها متنفذ بشكل حقيقى وبتختلف في إحساسها عن الجرافيك اللى منتشر في معظم الأفلام، مع الموسيقى الكلاسيكية المميزة. وبمجرد ما ينتهي تتابع البداية وتبدأ أحداث الفيلم، بيفشل في إنه يوصل – في أي نقطة فيه – لنفس المستوى ده من الإتقان والتكامل.

القصة العامة للفيلم بتتكلم عن منظمة سرية شديدة التوغل والخطورة، منظمة (سبيكتر) اللى ظهرت قبل كده في أفلام (بوند) وبعدين توقفت لفترة بسبب نزاع بخصوص حقوق الملكية الفكرية، وعودتها هنا بتمثل حدث مهم لمتابعي السلسلة ومحبيها، ونقطة إيجابية لو أحسن الفيلم استغلالها.

الخط الرئيسي للحدوتة بيتشابه بشكل مريب مع قصة فيلم (المهمة المستحيلة – الجزء الخامس)، ومش هاقدر أعقد مقارنات عشان ماحرقش القصة للي ماشفش الفيلمين، بس هو تشابه واضح.. وزي (المهمة المستحيلة) كمان(سبيكتر) من الأفلام الضخمة القليلة السنة دي اللي اتصورت بخام سينما بدل الكاميرات الديجيتال اللى بقت معتادة أكتر في الأفلام، على الرغم من إن الجزء اللي فات تم تصويره بكاميرا رقمية.. لكن من الواضح إن استقطاب (سام مينديز) لمدير التصوير (هويت فان هويتما) كان ليه علاقة بمهارته في استخلاص صورة شديدة الحساسية من الخام السينمائي، وتاريخه في التصوير اللى بيتضمن فيلم جاسوسية تاني مهم هو (Tinker tailor soldier spy).

الإضافة الحقيقية اللى بيقدمها (سام مينديز) للسلسلة - في الجزئين - هي أناقة الصورة والصوت والقدرات التعبيرية القوية ليهم، جماليات الصورة هنا والإختزالية في التصميم البصري للقطات بتخلي مشاهدة الفيلم ممتعة، وبيزيد عليها الموسيقى التصويرية المميزة .. لكن بشكل ما بيفتقد الفيلم للشاعرية اللي كانت واضحة في الجزء اللي فات. شيء ما في إمتزاج الصورة والصوت والحدوتة ماوصلش لنفس المستوى من التناغم، برغم الإحتفاظ بنفس هدوء الإيقاع.

من الواضح إن فريق عمل الفيلم قرر إنه يتجنب المقارنة مع (سكايفول)، فحاول أنه يبعد عن القصة الذاتية ويقدم فيلم نموذجي معتاد من أفلام بوند .. الأحداث العالمية الكبرى، ومواقع التصوير المتعددة، والسيارات الفاخرة، والإعتماد الكثيف على الموسيقى والتقديم المسرحي للشخصيات. وبشكل ما نجح في ده .. لكن ماقدرش يقاوم إضافة لمسات جانبية تخلي أكبر من مجرد فيلم أكشن، زي التركيز للمرة التانية على دواخل شخصية (بوند) وماضيه، والتركيز على تيمة الحداثة ومدى ملائمة أنظمة الجاسوسية والمخابرات التقليدية في مواجهة مخاطر جديدة ومختلفة.. وبرضه من الإضافات اللى تحسب للفيلم هو تقديمه لـ (مونيكا بيلوتشي) في دور إحدى فتيات (بوند) وهي في سن الخمسين، وبكده تكون أكبر ممثلة سناً تلعب الدور ده.

المنظمة السرية اللى بيقدمها الفيلم بتستدعي للذاكرة – بالذات مع متفرج مصري زيي – فكرة (المجلس الأعلى للعالم)، اللى انتشرت بسبب مقدمي البرامج التليفزيونية في مصر .. واللي هي – للى مايعرفش – وجود أقلية ما من الرجال الغامضين ذوي النفوذ في مجتمع سري ليه قدرات فائقة على التلاعب بسياسات وإقتصاد وأمن دول كاملة، لهدف مش واضح بس يبدو أقرب للـ (السيطرة على العالم) زي ما بيحصل في أفلام الكارتون .. فكرة ساذجة جداً في رأيي وبتتجاهل متغيرات كتير صعبة ودقيقة ومتشابكة بتحكم حياة المجتمعات، بس ده مش وقت ولا مكان مناقشتها.. اللي يهمنا، إن الفيلم بيحاول يقدم لي الفكرة دي ويقنعني بيها، وهي مهمة صعبة ..

الفيلم بيحاول يقنعك بطريقتين: أولهم إن السيناريو بيجمع كل الخطوط السابقة في أفلام (بوند) القريبة، عشان يوصل فكرة إن (كل شيء متصل). وده بيتم بشكل مفتعل، بيتحايل على دراما الأفلام السابقة ويحاول يضيف ليها معنى هي ماكنتش بتمهد ليه. والطرح ده مش هيصمد قدام سؤال بسيط جداً، وهو إحنا ليه ماشفناش أي تقديم للفكرة دي في أي حاجة من الأفلام اللى فاتت؟ مجرد ظهور موجز لشعار المنظمة، أو لشخصية بيبان دورها بعد كده كان هيبقى كافي لإقناعنا بوجود خطة كبرى بين الأفلام .. لكن ببساطة واضح إن ده مش حقيقي، وماكنش مدروس من البداية.

تاني حيلة بيعملها الفيلم لإقناعك بالعالم السري هو إنه بيذكر مراراً وتكراراً على لسان الأبطال إن المنظمة دي خطيرة، خطيرة جداً! .. بدون تقديم أي دلائل على كده.. وبيخليك تتعجب، لو سلمنا بفرض وجود منظمة بهذا الحجم والتمدد والنفوذ، يبقى ايه الخطة اللى بيسعوا ليها؟ وايه أهدافهم طالما هما عندهم إمكانية الوصول لرؤوس مخابرات دولية وتدبير عمليات كبرى في زمن قياسي؟ .. ايه رؤيتهم للنظام العالمي الجديد؟ ايه الأيدولوجية اللى بيشتركوا فيها، وايه اللى عايزين يحققوه؟!

كل الأسئلة المحورية بخصوص المنظمة دي الفيلم مش بيجاوب عليها، وده بيخليني أفترض إن الفيلم مجرد بداية لجزء قادم هيبان فيه أكتر أهداف المنظمة ومدى خطورتها. لكن حتى الإفتراض ده بيمنعني من الإستمتاع بالفيلم كوحدة منفصلة بذاتها، قادرة على طرح أسئلة وأفكار والإجابة عنها، أو ع الأقل إقناعك بمشروعية الخطر ده وإمكانية حدوثه.

وده بيقود لتساؤل أكبر بخصوص النوعية دي من الأفلام ممثلة في الإصدارين الأكبر السنة دي: (سبيكتر) و (المهمة المستحيلة) .. ايه اللى بيمنع صناع الفيلمين من تدبير حدث كبير حقيقي وملموس زي محاولة إحتلال دولة مثلاً؟ أو محاولة إسقاط نظام إقتصادي أو سياسي كامل؟ .. الخ .. وهو نوع من الشجاعة بيقدم عليه كتاب أفلام (السوبرهيروز) بلا تردد، وبيحاولوا يزودوا نسبة المخاطرة في كل فيلم، وبينجحوا.

هل هو الخوف من البعد عن الواقعية في أفلام يفترض إنها بتدور في عالم الواقع؟ .. لو كان ده السبب الوحيد فهو سبب غير كافي، ويدل على كسل في البحث عن نوع من الخطر يكون واقعي أو محتمل فعلاً .. وبيخلي الإحتمالين الوحيدين في سينما هوليوود بشكلها الحالي، هما إما القبول بمخاطر خيالية زي سقوط مدينة من السماء أو احتلال فضائي في أفلام (أفينجرز)، أو القبول بمخاطر غير ملموسة وبتتكلم عن نفسها أكتر ما بتقدم أي نتايج فعلية.

في النهاية الفيلم حافل بوسائل الجذب الجماهيرية والفنية اللى هتحميه من الفشل، واللى هتخلي مشاهدته ممتعة .. لكن في نفس الوقت خالي من أي بصمة خاصة هتخليه من بين العلامات المميزة في سينما العام أو الأفلام المهمة في سلسلة (جيمس بوند) اللى هيفتكرها المعجبين بمرور الوقت.

ssss

إعلان

إعلان

إعلان