إعلان

ثروة شرق المتوسط.. من يحسم صراع الغاز المشتعل؟

05:05 م الأحد 02 فبراير 2020

صراع الغاز في شرق المتوسط

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- عبدالله عويس:

نوفمبر 2019، وقّع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، مذكرتي تفاهم في مجالي التعاون الأمني والمناطق البحرية، في خطوة أقدمت عليها أنقرة بحثا عن نصيب في «كعكة غاز» شرق المتوسط، المقدر بتريليونات الأمتار المكعبة، وهو اتفاق اعتبرته مصر غير شرعي، ولا يلزم ولا يؤثر على أي أطراف ثالثة.

قبل ذلك، كانت مصر قد رسمت حدودها البحرية مع قبرص، وصدّق رئيسا الدولتين على اتفاقية تقاسم مكامن الغاز في 2014، لتصرح تركيا بعد ذلك بسنوات برفضها الاعتراف بقانونية الاتفاقية، ومعلنة عزمها التنقيب في شرق المتوسط، فكان رد الخارجية المصرية سريعا، إذ أكدت أنه لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، لاتساقها مع قواعد القانون الدولي. وحذرت من المساس بحقوق مصر في تلك المنطقة، وأنها ستتصدى لأي محاولة في هذا الشأن. بعدها بأيام كانت هناك مناورات بحرية مصرية تؤكد على حماية مصالحها الاقتصادية في البحرين الأحمر والمتوسط.

وما بين اتفاقية معترف بها دوليا، وأخرى تحاول تركيا فرضها، سلسلة صراعات اتخذت أشكالا عدة، كالتنقيب، واستخراج الغاز، والاستحواذ عليه، في رغبة للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، لكن ذلك له شروطه ومقوماته. فمن يملك ذلك المركز في ظل صراعات لا تهدأ، ترسم ملامحها الجغرافيا والقوة العسكرية حينا والسياسة أحيانا؟

وفقا لدراسة نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن حوض شرق البحر المتوسط يحوي ما بين 340 إلى 360 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي. كمية تكفي احتياجات السوق الأوروبية والمنطقة المحيطة بها لعقود طويلة، وبعد أن ظن كثيرون أن الغاز سيكون مصدر تعاون بين تلك الدول، إذا به يؤجج الصراع والخلافات بينها يوما تلو آخر. وتقع المنطقة البحرية الغنية بالغاز بالقرب من مصر وقطاع غزة وإسرائيل وسوريا وقبرص واليونان وتركيا ولبنان. وما بين دول سارعت بالتنقيب واستخراج الغاز ودول تأخرت عن تلك الخطوة، وأخرى لا تزال تبحث عنه، تباينت التعاملات مع ذلك الملف المشتعل.

تحولت إسرائيل من دولة مستوردة للطاقة إلى مصدرة لها، بعد اكتشافات متتالية لحقول غنية بالغاز. وفي مصر كان حقل ظهر ينتج 2.7 مليار قدم مكعبة يوميا، ودخلت حقول أخرى خطوط الإنتاج، ليرتفع إنتاج مصر من الغاز إلى 7.2 مليار قدم مكعبة يوميا، وتعلن اكتفاءها الذاتي منه في سبتمبر 2018، وبالتالي ستصبح مصر قادرة على زيادة صادراتها من الوقود الذي يتنامى الاحتياج إليه. بينما بدأت تركيا التي تستورد معظم احتياجاتها من الغاز في التنقيب عنه غرب قبرص في 2019، للخروج بأي مكسب من تلك الثروة الهائلة، في خطوة أدانتها دول ومنظمات اعتبرت أنقرة تتعدى على حقوق قبرص وثرواته، بحسب جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية: «تركيا بحثت عن غاز خارج حدودها الإقليمية، لأن منطقة المتوسط بها نوعان من الطبقات الترسيبية: الأول حوض دلتا نهر النيل، ويصل حتى لبنان وفلسطين والشواطئ القبرصية، والثاني حوض إيجة في تركيا واليونان، وهو لا يحتوي على نسبة جيدة من الغاز».

مصر وتركيا.. من يستحوذ على غاز المتوسط؟

اتجاه مصر إلى تحولها لمركز إقليمي للطاقة كان واضحا منذ سنوات، فبالتوازي مع استخراج الغاز والتنقيب، شكلت لجنة لتحقيق ذلك الهدف، كان أول اجتماع لها في ديسمبر2016. ولنفس الهدف حاولت تركيا بحكم موقعها الجغرافي بين الدول المنتجة للغاز والمستهلكة له أن تكون ممرا للغاز، عبر شبكة الأنابيب التي تمتلكها، وعرضت على تل أبيب استعدادها لتمرير غازها عبر خطوطها، بحسب ما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية، في ديسمبر 2019. غير أن تلك المحاولة لم تفلح. وكان الرئيس التركي قد قال قبل ذلك إن إسرائيل لن تتمكن من نقل الغاز عبر البحر المتوسط دون موافقة بلاده التي وقعت على مذكرة التفاهم مع ليبيا.

في الوقت ذاته كانت مصر تعمل على زيادة إنتاجها من الغاز، والاستحواذ على غاز الدول الأخرى، وعلى العكس من تركيا، فإنها نجحت في ذلك. فيما يقول مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إن المنافسة الحقيقية على زعامة ملف الطاقة في المنطقة كانت بين مصر وتركيا، ولذلك دعت الأولى كلا من قبرص وإسرائيل لنقل الغاز من خلالها، ويرى أن إسرائيل وباقي دول الإقليم لا يوجد لديها بنية تحتية تمكنها من تصدير ونقل الغاز حاليا، ورغم اتفاقاتها لتنفيذ خطوط تمكنها من ذلك، فإنها تواجه عقبات قد تحول دون تنفيذها.

«استحوذنا على معظم الاكتشافات والغاز الموجود في المنطقة إضافة إلى الغاز بتاعنا.. مفيش غاز داخل ولا خارج من المنطقة إلا لما يعدي علينا».. هكذا تحدث وزير البترول المصري في تصريحات إعلامية. ذلك الاستحواذ يظهر فيما وقعته مصر مع دول أخرى لاستيراد فائضها من الغاز، بهدف إسالته ثم تصديره، فاتفقت مع قبرص على إنشاء خط أنابيب من حقل «أفروديت» إلى مصر بتكلفة تصل لمليار دولار.

ولم يكن الغاز القبرصي وحده هو ما سيصل مصر؛ فقد سبقه منتصف يناير الماضي أول دفعة من الغاز الإسرائيلي بكمية 200 مليون قدم مكعبة، بعدما وقعت اتفاقية مدتها 10 سنوات، لتصدير ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي المستخرج من حقلي «تمار وليفياثان»، بعدما وقع الشركاء في الحقلين بتصديره إلى شركة «دولفينوس». وكان قانون مصري صدر في 2017 يتيح للشركات الخاصة الدخول في سوق الغاز، تحت مظلة جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز، المنوط به تنظيم كل ما يتعلق بذلك النشاط. ويرى الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك تفكيرا في إنشاء خط من حقل «ليفياثان» إلى مصانع الإسالة بمصر: «لأن الأنابيب بين عسقلان والعريش قد لا تكفي الكميات المتفق عليها». وفي إطار آخر، فإن وزير الطاقة الإسرائيلي «يوفال شتاينتز»، قال في تصريح صحفي منتصف يناير الماضي، إن إسرائيل تتحدث مع مصر والهند حول تصدير غاز شرق المتوسط إلى الهند عبر قناة السويس.

من يملك البنية التحتية الأفضل؟

«عندنا كل المؤهلات إننا نبقى مركز إقليمي، وعندنا بنية تحتية مؤهلة للاستيراد والتصدير» هكذا تحدث وزير البترول والثروة المعدنية المصري، في تصريحات إعلامية عن البنية التحتية، التي تتنوع بين شبكات وخطوط للغاز، وعلى رأس تلك البنية ما يميز مصر عن الدول الأخرى في المنطقة، وهو امتلاكها محطتي إسالة، كلفتاها قديما نحو 4 مليارات دولار، ولإنشاء محطة واحدة مشابهة حاليا ستتكلف نحو 7 مليارات دولار.

والمحطتان ركيزتان لمصر في تصدير الغاز إلى أوروبا وغيرها، وينقل منهما الغاز المسال عبر السفن وتضخه الدول المستوردة في خطوط شبكاتها لاستخدامه.

يتحول الغاز الطبيعي إلى سائل عند درجة 162 تحت الصفر، بمروره بـ3 مراحل تبريد، ويقل حجمه 600 مرة عن حالته الغازية، ما يعني سهولة نقله وتخزينه وتصديره، ولذلك الهدف يمر بعدد من المراحل، تبدأ بنقله من الحقول إلى محطات المعالجة، التي تقوم بتخليصه من الشوائب والمركبات الضارة، مثل بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون والزئبق وغازات أخرى، كي لا تتجمد عند تبريد الغاز وتسبب انسداد الأنبوب.

إضافة لمحطتي الإسالة، فإن مصر لديها خطوط غاز تربطها بدول أخرى، تكمن أهميتها في تصدير بعض فائضها من الغاز، أو تستورد من الدول الغنية بالغاز ما ترغب في تصديره بعد إسالته، ومنها خط غاز شرق المتوسط، الممتد ما بين مصر وإسرائيل، بنحو 89 كيلو مترا، ويربط شبكة أنابيب إسرائيل من عسقلان إلى شبكة الأنابيب المصرية بالقرب من العريش، كما تملك مصر خطوط ربط مع الأردن، وتصل إلى سوريا ولبنان، كما أنها ستسقبل الغاز القبرصي من خط أنابيب بحري مباشر من حقل «أفروديت» تم الاتفاق على إنشائه.

ما يميز مصر أيضا، امتلاكها شبكة قومية للغاز الطبيعي تربط شمالها بجنوبها وشرقها بغربها، بطول 7800 كيلو متر، وتستهدف زيادتها لـ8750 كيلو مترا مع نهاية 2023، لاستيعاب الزيادة المتوقعة من الاكتشافات الغازية بحسب وزارة البترول.

وحتى بداية العام الحالي، لم تكن إسرائيل تمتلك أي خطوط لنقل الغاز، لكنها أعلنت مؤخرا عن شراء حصة حاكمة في شركة غاز شرق المتوسط، المالكة لخط يحمل اسم الشركة، يمتد ما بين مصر وإسرائيل، بنحو 89 كيلو مترا، بحسب شركة «ديليك» الإسرائيلية في بيان، بما يسهل عملية تصدير الغاز الإسرائيلي، وإنهاء قضايا التحكيم الدولي ضد مصر على خلفية وقف تصدير الغاز، في إبريل 2012 بعد تعرض الخط الذي كان يمر من خلاله الغاز المصري إلى إسرائيل لعدة تفجيرات.

لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، فإن لدى تل أبيب 3 خيارات، وهي تصديره عبر تركيا وهو الخيار الأسهل، أو إرساله لمصر لتسييله ثم تصديره، أو إنشاء خط يصلها بأوروبا، وذلك وفقا لخبراء. ورغم أن الخيار الأخير هو الأصعب والأكثر تكلفة، فإسرائيل وقعت أواخر العام الماضي مع قبرص واليونان اتفاقا لإنشاء خط «إيست ميد» بطول 1900 كيلو متر، بتكلفة 7 مليارات دولار، لنقل الغاز من إسرائيل وقبرص مرورا بجزيرة كريت إلى اليونان، ويتصل بخط غاز «بوسيدون» الذي يربطها بإيطاليا، ومنها لأوروبا. لكن الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يشكك في إمكانية تنفيذ الخط المقرر له نقل الغاز في 2025: «تكلفة تنفيذه مرتفعة، وتقابله صعوبات فنية لوجود أعماق في البحر تصل إلى 3 كيلو مترات، وعدم توقيع إيطاليا على اتفاقية الخط، إشارة إلى احتمالية عدم تنفيذه». ويرى الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، أن الخط قد لا يتحقق، وفي حال تحققه فإن الكمية التي ستستقبلها أوروبا من الغاز الإسرائيلي والقبرصي لن تكفي احتياجاتها، وستعتمد على مصر أيضا.

أكثر ما يميز تركيا امتلاكها عددا من شبكات الغاز والخطوط الموصلة لأوروبا، مثل التي تنقل الغاز الأذربيجاني، وخط أنابيب «ترك ستريم» الذي يصل روسيا بأوروبا، في محاولة لروسيا بتقليل اعتمادها على أوكرانيا في نقل الغاز. وهو عبارة عن خطي أنابيب، بقدرة إجمالية 31.5 مليار متر مكعب سنويا، تستهلك تركيا بعضه، وكانت النسخة الأولى من المشروع تتحدث عن 64 مليار متر مكعب، لكن روسيا قلصت المشروع الذي تم تدشينه في 8 يناير الماضي. لكن ذلك لن يكون كافيا لسيطرة تركيا على مراكز الطاقة، بحسب مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق: «رغم وجود خط ترك ستريم، وشبكة داخلية من الأنابيب لكن ذلك لن يكون كافيا، فما نعنيه بعبارة مركز إقليمي، أن يتم تداول الغاز داخل الدولة، وتتولى هي تصديره؛ بامتلاكها بنية تحتية تسمح باستقبال وتوصيل وإسالة الغاز». وبحسب نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، فإن بعض الدول تخشى من استغلال تركيا خطوط الغاز سياسيا، لما تتمتع به من سياسة عدائية. كما أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تقف ضد سياسة تركيا، فيما يتعلق بتحجيم الدور الروسي وصادراته من الغاز لأوروبا.

دعم أوروبي لخطوات مصر وإدانة لتحرشات تركيا

عملت مصر على زيادة إنتاجها من الغاز، فطورت حقولها لرفع معدلاتها، على رأسها حقل ظهر لرفع معدلات إنتاجه إلى 3 مليارات قدم مكعبة يوميا، وتنمية حقل نورس، ومشروع تنمية حقول شمال الإسكندرية وغرب دلتا النيل، كذلك مشروع المرحلة «التاسعة/ ب» بحقول غرب الدلتا بالمياه العميقة، إضافة إلى مشروع تنمية حقل «أتول» ووصل إنتاجها من الغاز إلى 7.2 مليار قدم مكعبة يوميا. كما أعلنت عن 83 اكتشافا للغاز بمناطق مختلفة. وطرحت مزايدة للبحث عن الغاز لأول مرة في منطقة البحر الأحمر، أعقبها افتتاح قاعدة «برنيس» العسكرية، على شاطئ البحر الأحمر في 15 يناير الماضي، كما أعلنت بعدها بـ5 أيام عن توقيع اتفاقيات مع شركات عالمية للتنقيب عن الغاز في غرب البحر المتوسط، ومناطق صحراوية قريبة من الحدود الليبية. وفي الوقت نفسه، أعلنت تركيا على لسان رئيسها أن هناك عرضا من الصومال لتنقيب تركيا عن النفط والغاز داخل مياهها الإقليمية في البحر الأحمر، وستكون لدولته خطوات هناك. على أن الخطوات التركية التي يراها خبراء في ذلك الملف استفزازية من قبيل المناكفة السياسية ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة.

تحرشات تركيا في شرق المتوسط قديمة ومستمرة، تقوم بالفعل وتلقى الإدانة، وأحيانا العقوبة، ففي فبراير 2018 أوقفت بحريتها السفينة «سايبم 12000» التي استأجرتها شركة إيني الإيطالية، وهي في طريقها للتنقيب عن الغاز قبالة قبرص. وفي مايو 2019 أرسلت سفينة الحفر «فاتح» للتنقيب عن الغاز غرب قبرص، لتحذر الخارجية المصرية من انعكاس أية إجراءات أحادية على الأمن في منطقة شرق المتوسط. ويصرح رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، بأن الاتحاد الأوروبي يقف مع قبرص في نزاعها مع تركيا بخصوص التنقيب. لكنها أرسلت سفينة أخرى قبالة شبه جزيرة «كارباس» القبرصية وهو أمر اعتبره الاتحاد تصعيدا غير مقبول. ثم أرسلت سفينة «يافوز» في أكتوبر من العام نفسه قبالة الساحل الجنوبي لقبرص، حيث منحت سلطات قبرص حقوق التنقيب فيها لشركات إيطالية وفرنسية، ليحذر وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» أنقرة من القيام بأنشطة غير قانونية وغير مقبولة. بينما يتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على وضع قائمة بعقوبات اقتصادية على أنشطة تركيا تلك.

وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز يتابع أعمال سفينة الفاتح

لم يعد لتركيا حلفاء كثر في شرق المتوسط، بدت أنقرة على خلاف مع الدول حولها، ولها مواقف اعتبرتها دول أوروبية عدة سلبية. غير أنها لم تبالِ، فأعلنت في نوفمبر 2019، أن سفينة الفاتح، بدأت عمليات التنقيب عن الغاز في سواحل قبرص، رغم التحذير الذي وجهه الاتحاد الأوروبي لها، وتبنيه إجراءات تقييدية ضدها بسبب أنشطة الحفر تلك. ليعقب ذلك توقيع اتفاقيتين حول التعاون الأمني وثالثة في المجال البحري، بين أردوغان والسراج، سريعا ما أنكرتها مصر وقبرص واليونان وإسرائيل. «الغاز هو العامل الرئيسي في ذلك، وأردوغان يحاول إنعاش اقتصاده من خلاله، وهو بالنسبة له مسألة حياة أو موت، وكل ما يفعله غير قانوني» قالها الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وبحسب مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، فإن علاقة تركيا المتوترة بقبرص كانت أحد أسباب نجاح مصر في امتلاك ناصية ملف الغاز.

على النقيض، كانت مصر تلقى دعما من الدول المحيطة بها، ودعم الاتحاد الأوروبي، فكان عليها أن تخلق لنفسها سوقا أكثر قوة في أوروبا، التي يتنامى احتياجها للغاز، وقبل أيام من زيارة مفوض الاتحاد الأوروبي للمناخ والطاقة «ميجيل آرياس كانيتي» للقاهرة، صرح بأن مصر في طريقها لتصبح مركزا مهما للغاز بإمكانه توفير أمن الطاقة للاتحاد الأوروبي. وخلال الزيارة التي كانت في 2018، تم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي ومصر. ووفقا لبيان صحفي مشترك، فإن توقيع المذكرة يسهم في تأمين وتنويع إمدادات الطاقة لأوروبا، وترتيب عمل بين الجانبين من 2018 وحتى 2022 في مجالات، أهمها تحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة. ووفقا للدكتور أحمد قنديل، فإن علاقة مصر بالدول المحيطة جيدة ما يضاعف الثقة بالمناخ الآمن لضخ الاستثمارات بشأن نقل الغاز لأوروبا. على عكس تركيا التي لم ترسم حدودا مع جيرانها، ولا تعترف باتفاقيات الدول حولها، وهي ظروف لن تقبل شركة عالمية العمل بأجوائها.

توقيع مذكرة شراكة استراتيجية في الطاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي

مصر ومنتدى غاز شرق المتوسط

مطلع 2019، اجتمع وزراء الطاقة القبرصي واليوناني والإسرائيلي والإيطالي والأردني والفلسطيني في القاهرة، بدعوة من وزير البترول والثروة المعدنية المهندس طارق الملا، للتعاون في منطقة شرق المتوسط بين منتدى الغاز الحاليين والمحتملين وأطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة، وأعلنوا عن إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط بهدف تأسيس منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية، على أن تكون القاهرة مقرا لها. وأحد أهدافه الرئيسية إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء، ثم التقوا مرة أخرى في مارس ثم يوليو من العام نفسه. وخلال الاجتماع الوزاري الثالث للمنتدى، في يناير الماضي، طلبت فرنسا رسميا الانضمام إلى عضويته، كما أعرب نائب مساعد وزير الطاقة الأمريكي عن رغبة بلاده في الانضمام كمراقب بصفة دائمة.

وزير البترول خلال الاجتماع الوزاري الثالث لمنتدى غاز شرق المتوسط

تكمن أهمية المنتدى الذي سيجمع المسؤولين عن ملف الطاقة في شرق المتوسط، ومن يرغب الانضمام بعد ذلك، في مقره الدائم بالقاهرة، في إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح أعضائه، بتأمين العرض والطلب، وفقا لمدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول الأسبق: «وإذا ما أرادت مصر أن تصبح مركزا للطاقة لا ينازعها في ذلك أحد، فإن عليها استغلال علاقتها الجيدة بالدول المحيطة، ودعم الاتحاد الأوروبي لها، والعمل على تطوير بنيتها التحتية على الدوام». ويرى الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن على مصر دفع عملية منتدى غاز شرق المتوسط بشكل أسرع، وتشكيل جبهة دبلوماسية للوقوف في وجه استفزازات تركيا: «مثلما استضاف وزير الخارجية المصري وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص لتناول أزمة ليبيا من كل أوجهها، وأيضا كما زار الجزائر بخصوص الأمر نفسه». ويعتقد جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، أن التحركات الدبلوماسية الذكية وتطوير الاكتشافات، والبحث والتنقيب، والتأمين البحري، أهم ما يجب على مصر أن تفعل خلال المرحلة الحالية والمقبلة لتحقق ما تسعى له في ذلك الملف الملتهب.

فيديو قد يعجبك: