إعلان

"غُربة إجبارية" على أبواب المستشفيات.. كيف يقضي أهالي المرضى أوقاتهم في رمضان؟

11:55 ص الأحد 02 يونيو 2019

أهالي المرضى

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد زكريا ودعاء الفولي:

قبل ساعة من آذان المغرب انخفض عدد زائري مستشفى قصر العيني، فيما أسندت وفدية سيد ظهرها إلى مبنى الاستقبال، أعياها الانتظار عقب أسبوع قضته داخل المكان لتطمئن على حفيدها، لا تعبأ بحرارة الطقس، الصيام، أو اقتراب موعد عيد الفطر بعيدا عن بيتها في مركز البدرشين بمحافظة الجيزة.

قبل عشرة أيام خرج يوسف، 7 سنوات، ليلعب مع أصدقائه، وعاد بعد دقائق بجرح في الرأس "وديناه الدكتور واتخيط.. كانت حاجة بسيطة"، يحكي الوالد أحمد. لم يكتشف الأهل أن العلاج خطأ إلا بعد حدوث ورم في مكان الإصابة "قالولنا اجروا بيه على القصر العيني ومن أسبوع واحنا فارشين هنا مش بنمشي". يعيش أحمد مع والدته وأربع أشقاء متزوجين في منزل واحد، دفء رمضان لا يغيب عنهم "رغم إننا غلابة بس لمتنا بالدنيا".. ذلك العام كان مختلفا "مش حاسين بطعم اللقمة وأم الواد مبتنامش"، رغم بقاء الجدة داخل المستشفى إلا أن أهل البيت يحضرون الطعام لهم أحيانا "وساعات بناخد من أهل الخير وربنا بيفرجها"، لم تكن نفسها لتطاوعها على الأكل إلا لكونها صائمة، إذ مكث يوسف داخل غيبوبة لعدة أيام بعد إجراء جراحة في الرأس "انهاردة لسة فايق واتكلم وروحي اتردت ليا".

ليوسف في قلب جدته مكانة خاصة "هادي عن ولاد أعمامه وبيتكسف"، لا تعلم السيدة الستينية كيف مرت الأيام الماضية عليها "كنا بننقل فرشتنا كل شوية بسبب الشمس"، بُعد المسافة ليس السبب الوحيد لبقاء والد الطفل وجدته وجارهم داخل المستشفى "ساعات بيحتاجوا أدوية نجيبها وحقن مينفعش نمشي ونرجع"، يقول الأب. رغم استقرار حالة يوسف، مازال تحت رعاية الأطباء، فلا تعرف الأسرة إذا كان سيخرج قبل عيد الفطر أم لا، يتمنى أحمد "إننا نقضي العيد في بيتنا" يطلب من والدته أن تذهب لتبيت في منزلها ولو لليلة، فتقطع حديثه "عيد ولا مش عيد.. انا قلبي مش مطاوعني أروح وأسيبه حتى لو بنام في الشارع".

مسجد قريب لمستشفى أبو الريش الياباني للأطفال، يقضي فيها الأخوان عزت علي ومحمد علي نصف يومهما في رمضان، أحيانا يحتميان داخله من لهيب الشمس، أو يغتسلان قدر المستطاع، فمنذ 15 يوما لم يعد أحدهما لقرية "بنوة" بالفيوم حيث يقطنان، فقط ليسمعا كلمة تطمئن قلبيهما على ابن شقيقهما محمد نادي عزت. منذ أكثر من أسبوعين وُلد الطفل في الفيوم وتم تشخيصه بوجود ثقب في القلب، لم تترك الأسرة مكانا في المحافظة الصعيدية إلا وطرقته "أماكن كلها غالية مش هنقدر عليها.. جبناه أبو الريش عشان ببلاش بس تعبنا على ما دخل"، كان ذلك الهدف الأعظم "مفكرناش هنبات فين ولا هناكل ونشرب إزاي المهم الولد"، كما يحكي العم عزت.

رصيف المستشفى مأوى الشقيقين "أبوه معاه أرض في البلد وحالته المادية تعبانة ميقدرش ييجي"، يحمل محمد هم المكالمة الهاتفية اليومية مع والد الطفل "بنقوله إنه كويس حتى لو هو مش كده". استئجار مكان للمبيت ليس واردا أمامهما "نوفر الجنيه عشان لو احتاج حاجة"، لا يقربا الرضيع إلا بضع دقائق في اليوم، فيما يقضيان بقيته في الخارج دون حركة "الفطار فيه ناس ولاد حلال بتعدي توزعه".

تلك المرة ليست الأولى التي تلجأ فيها الأسرة لـ"أبو الريش"، فقد عانى طفل آخر لديهم من تعب في السنوات الماضية، لكن الأمر لم يجبرهما على البقاء في الشارع "والأهم إنه مكنش في رمضان"، يفتقد عزت الجو الذي اعتاده في ذلك الشهر "كنا بنتجمع عند بعض وكل مرة حد مختلف في العيلة بيعزم"، فيما أصبح قضاء العيد في نفس المكان أمرا حتميا، إذ ينتظر الصغير إجراء عملية قسطرة خلال الأيام القادمة.

على بُعد عدة أمتار من أسرة الصغير يوسف، جلست عائلة عبد السميع محيسب، على حصيرة افترشوها، بينما تبدو عليهم آثار السفر.

كانت كلمات الرجال تشير إلى فرج قريب، فيما عيونهم تُظهر غير ذلك، بعد أن حُجز عبد السميع، داخل قصر العيني، دون تحديد ميعاد لإجراء عملية له بعد إصابته بمرض في شريان القدم، فأُجبرت أسرته على الابتعاد عن بيتهم بمحافظة شمال سيناء.

أمس الجمعة، أقر الأطباء بالمحافظة الحدودية، أن يٌنقل الأب الخمسيني بسبب عجز مستشفى العريش العام عن توفير التجهيزات الطبية اللازمة لحالته، لذا حمل الابن شاهر والده والسفر إلى قصر العيني، صحب معه أخوته، وفي الفجر استقلوا السيارة إلى المستشفى "من غير ما ناخد في حسابنا إننا نبات فيها".

حتى الآن لا تعرف الأسرة خطة واضحة ليومها على رصيف، لا طعام ولا شراب يفطرون به، ولا أموالهم تضمن لهم ذلك، لكن يؤمن أخ المريض الأكبر أن "التُكال ع الله.. هو وحده اللي هيحلها.. زي ما هو وحده اللي قادر يشفي عبدالسميع".

طه محمد أيضا لم يضع خطة لأيامه التي يقضيها في القاهرة أمام مستشفى أبو الريش الياباني، بعد أن حُجز أحد أقاربه إثر إصابة كبده، لكن الرجل الذي حضر من محافظة المنيا، مساء الجمعة، لا يحمل هما لساعاته على الرصيف.

الرجل الذي لم يكمل عامه الأربعين، اعتاد على أمر كهذا "بت على باب المستشفى وقريبي جوه مرتين قبل كده.. مرة 15 يوم ومرة واصلت شهر كامل"، لذا يعرف جيدا كيف يسير يومه، قطعة جبن ورغيف عيش كل ما يلح عليه الجوع، ومرحاض المسجد كلما أراد قضاء حاجته، لكن يؤرقه النوم على رصيف "أبو الريش" فيقول "حفظت شكل بلاطاته"، بينما المشكلة الأكبر تكمن في نوم أخته على الرصيف نفسه "طيب أنا راجل.. الست تنام في الشارع قدام الخلق دي كلها إزاي".

كحال أسرة عبد السميع لا يعرف طه موعدا لخروج قريبه المريض، ويزعجه طلب الأطباء أن يسافر بلده ويعود في اليوم التالي "هاخد الطريق قياسة إياك"، لذا يقترح الرجل حلا، يعده أكثر واقعية "حتة خيمة قدام المستشفى ننام فيها.. لحد ما العيان يخف".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان