إعلان

في اليوم العالمي لمنع الانتحار- مصراوي يجيب عن السؤال: لماذا ينتحر المصريون؟

09:36 ص الأربعاء 10 سبتمبر 2014

معدلات الانتحار حول العالم لكل 100 ألف شخص، بحسب م

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد منصور:
في صبيحة يوم مُشرق من أيام يونيو المعتدلة، استيقظت السيدة الثلاثينية بوجه ضجر، نظرت في المرآه إلى انتفاخات عينيها الناجمة عن ليلة مسهدة ظلت تبكى فيها حتى شروق الشمس، فطيلة اليوم السابق، كانت الشابة تتشاجر مع زوجها الذى ترك عمله في مجال السياحة إبان الأزمات الحادة التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير؛ فمنذ قيام الثورة عام 2011، انتقل زوجها إلى وظيفة متدنية كانت تكفي بالكاد إطعام أطفالها الثلاثة، غير أن الظروف تغيرت منذ شهرين، فقد استغنى صاحب العمل عن الزوج، وأصبح مصير الأطفال في مهب الريح، من وقتها، تتشاجر الزوجة بشكل يومي مع الرجل -الذى تخطى عامه الأربعين للتو- في محاولة لإجباره على توفير النفقات الأسرية، ليلتها، تطور الشجار، ولم يجد الرجل مخرجًا سوي "سكين" قطع به شريان يده اليسرى، صرخت الزوجة فيما بدأ النزيف يغمر أرضية الشقة المتواضعة، ليأتي الجيران وينقلوا الزوج إلى المستشفى الحكومي القريب.

لا يكاد يمر يوم واحد، إلا ويتوارد أخبار تفيد انتحار أكثر من شخص في مصر، وبحسب تقارير صادرة من عدة جهات، من ضمنها منظمة الصحة العالمية والجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، ارتفعت حصيلة المنتحرين في مصر من 1160 شخصًا في عام 2005 إلى 2355 في 2006 لتواصل الارتفاع في العام 2007 ليصل عدد المنتحرين إلى 3700 حالة وصلت إلى 4200 حالة في 2008 لتكسر حاجز الـ5000 منتحر في 2009 لتصل لنحو 5655 حالة في العام 2013 - 6.5 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص- فلماذا يقتل المصريون أنفسهم؟

"فقدان الأمل في تحسن الظروف".. تلك كانت إجابة "محمد.أ" الزوج الذي حاول قتل نفسه، غير أن "خريطة الانتحار" التي اعادت منظمة الصحة العالمية نشرها بالتزامن مع اليوم العالمي لمنع الانتحار، والذي يحتفل به العالم في العاشر من شهر سبتمبر كل عام ، تشير إلى أن ذلك ليس السبب الأوحد، فطبقًا لتوزيع الخريطة، تقبع الدول التي يتمتع مواطنيها بمعدلات دخول ورفاهية مرتفعة –مثل كوريا الجنوبية وسويسرا- جنبًا إلى جنب مع دول فقيرة –مثل غينيا وكازاخستان- على قمة أعداد المنتحرين.

محمد، الذي ظل أعوامًا كثيرة يعمل بقطاع السياحة المصري، فقد عمله بعد ثورة يناير بشهور قليلة، فـ"السياحة اتضربت بعد الثورة على طول" يقول الشاب الأربعيني، الذي كان يعيش حياة رغدة قبل أن يترك عمله مضيفا "كان عندي عربية وشقة تمليك وولادي في مدارس كويسة بس كل ده راح في الثلاث سنين اللي فاتوا". حاول الشاب أن يجد مصدر رزق أخر، حتى تمكن من العمل بإحدى شركات القطاع الخاص في وظيفة أمين مخزن، "بتكلم لغتين بطلاقة ورغم كده ارتضيت بالوظيفة اللي مرتبها كان 1 على 20 من دخلي في السياحة".

ولتأمين احتياجات أولاده ومصروفات المدارس، اضطر "محمد" إلى بيع سيارته في بادئ الأمر، وانتهى ببيع شقته ومصوغات زوجته "مكنش قدامى حل تاني، إما أخرج العيال من المدارس واوديهم مدارس حكومية أو أبيع ممتلكاتي"، مع مطلع السنة الثالثة، تراكمت عليه الديون "وفي عز الأزمة اترفدت من الشغل، أنا مقدر اللي عمله صاحب المصنع، لأني فعلاً مفبهمش غير في السياحة اللي اشتغلت فيها أكثر من 20 سنة"، مع ازدياد قيمة الديون وعدم قدرته على سدادها قرر الانتحار "ده كان الحل الوحيد اللي قدامى.. الهروب من الحياة".

جاء في دراسة نشرها "كيفين كارسو" مدير منظمة منع الانتحار، وهي منظمة غير هادفة للربح معنيه بمساعدة الأشخاص ذوى الميول الانتحارية تقوم بمساعدة ما يقرب من 3 ملايين شخص حول العالم سنويًا، أن "الاكتئاب "الناتج عن فقدان شخص عزيز، الطلاق، الألم الجسدي المزمن، الشعور بالعجز، تعاطي الكحول والمخدرات، الفشل، خيبة الأمل أو فقدانه، الاعتداء الجنسي أو الاساءة اللفظية، فقدان حضانة الأطفال، المشاكل القانونية الخطيرة وغيرها من الأسباب الحياتية، أمور قد تجعل الشخص يُصاب بأعراض اكتئابية، إلا أنها نادرًا ما تتطور إلى أفكار انتحارية، فالشخص العادي يستطيع التغلب على ذلك المرض بـ"قليل من المساعدة"، وفي حالة عدم الحصول على المساعدة المطلوبة في الوقت المناسب، قد يتحول الاكتئاب إلى "مرض عقلي" يتسبب في توليد الأفكار التي تدعو الشخص إلى قتل نفسه، ويشير "كارسو" إلى أن 90 في المئة من المنتحرين وُجد أنهم يعانون من مرض عقلي ما وقت وفاتهم.

قبل نحو 4 أشهر، قامت فتاة من محافظة المنيا تُدعى "هناء محمد" بقتل نفسها، وقال والداها إن ابنته التى تبلغ من العمر 32 عامًا تعانى من حالة نفسية بسبب تأخر الزواج "العنوسة"، وهو الأمر الذى دعاها لذبح نفسها بسكين أحدث إصابات مُروعة في قصبتها الهوائية، وكان المركز القومي للبحوث الاجتماعية قد أصدر تقريرًا في عام 2010 جاء فيه إحصائية تقول إن أكثر من 2700 فتاة تنتحر سنويًا بسبب العنوسة التي تصل نسبتها في مصر إلى نحو 30 في المئة.

يقول الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، إن دوافع المنتحرين تختلف باختلاف المجتمعات، فما ينطبق على سلوك وأدوات وأسباب المنتحرين أو من يحاولون الانتحار في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال لا يتفق بالضرورة مع نظرائهم في مصر، مشيرًا إلى أن من ضمن العوامل التي تعمل على زيادة نسب الانتحار في مصر هي الفقر الشديد وتدنى شعور المواطن بقيمته، وهو الأمر الذي يصيبه بالاكتئاب الذي يدفعه للانتحار.

ويرى أستاذ الطب النفسي أن انخفاض نسب التدين في المجتمع تسببت في زيادة نسب الانتحار في السنوات الماضية، فالأبحاث العلمية تشير إلى أن التدين يُعطى دفعات روحية ومعنوية للشخص تمنعه من مجرد التفكير في قتل نفسه.

لم يفكر "محمد" في مصير أطفاله وزوجته "ساعتها كنت بفكر إني لما أموت أحسن ما أعيش بينهم وأنا عاجز"، عندما أمسك السكين، وقرر قطع شرايينه، بدأت عروقه تنتفض وأضحت الدماء شلالاً ينساب خارج المسار المُحدد له، أطياف من الذكريات مرت برأسه الذى بدأ يتداعى نتيجة نقص سائل الحياة، ولادة طفله الأول، لحظات سعيدة، وأخرى تعيسة "حسيت إني على وشك الموت ولما الدنيا بدأت تسود قدام عيني استغفرت ربنا".. وحين استفاق، وجد نفسه داخل المستشفى الحكومي، لم يخضع لأى تحقيقات ولم يحصل على أي مساعدة نفسية "بس الحمد لله، ربنا كتب لي حياة جديدة، يمكن عشان خاطر ولادي، ويمكن عشان يديني فرصة تانية، صعب أفكر في الانتحار مرة تانية، رغم الظروف اللي لسه متغيرتش، إلا إني قررت أعيش الحياة".

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان