إعلان

تمهل.. تعيش مرتين ثلاثاً!

حسام زايد

تمهل.. تعيش مرتين ثلاثاً!

حسام زايد
01:46 م الأحد 20 يوليو 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

"لا تتعجل أي شيء… حاول أن تدوس فرامل على كل شيء في حياتك اليومية… فلا ضرورة للاستعجال، أنت مهم جداً لنفسك مهم قليلاً للناس… أو لا أهمية لك ولكن أنت أهم إنسان في حياتك”. تلك الكلمات الساحرة كتبها المبدع أنيس منصور منذ سنوات مضت في مقاله " ابحث عن راحتك" وتضمن ذلك المقال نصائح متعددة من بينها أن التمهل يعنى عيش العمر الواحد مرتين وثلاثاً.

قد تبدو هذه الكلمات فلسفية أو حتى عاطفية، لكنها في الواقع تحمل في طياتها خلاصة علمية ونفسية يمكنها أن تُحدث فارقًا جوهريًا في حياتنا، وصحتنا، بل وحتى في طول أعمارنا وجودتها.

ففي زمنٍ باتت السرعة فيه معيارًا للنجاح، والخمول تهمة، تظهر دراسات علمية متعددة لتدعو الإنسان المعاصر إلى شيء نادر وبسيط: التمهل.

وبالفعل أثبتت الدراسات أن التوتر المزمن يعد العدو الخفي.. لأن الاندفاع المستمر والضغط اليومي يصنعان بيئة داخلية مليئة بالتوتر والقلق. وعندما نعيش بتوتر دائم، يرتفع في أجسامنا هرمون “الكورتيزول”، والذي يرتبط مباشرة بارتفاع ضغط الدم، وضعف المناعة، واضطرابات النوم. بل وتشير دراسات من كلية الطب بجامعة هارفارد إلى أن التوتر المزمن يسرّع الشيخوخة البيولوجية عن طريق تآكل أطراف الكروموسومات.

وبالمقابل، أولئك الذين يعيشون بتروٍ وتمهل، يحمون أجسامهم من هذه التهديدات الخفية، ويمكّنون أنظمتهم الحيوية من العمل بكفاءة وهدوء.

أما العيش بوعي… علم السعادة في التمهل المعروف بمفهوم “المايندفولنس” أو الوعي الكامل باللحظة، هو أسلوب حياة يقوم على أن تمارس كل شيء ببطء وتركيز: أن تأكل وأنت تلاحظ الطعام، أن تمشي وتشعر بخطواتك، أن تتحدث دون استعجال.

هذا الأسلوب، بحسب الدراسات الحديثة في علم النفس الإيجابي، يساهم في تقليل معدلات الاكتئاب والقلق، ويزيد من الشعور بالرضا والانتماء والهدوء الداخلي.

ورغم انى من الأشخاص الذين اعتادوا تناول الطعام بسرعة إلا أنني اكتشفت أن ذلك يسبب الأذى لنفسي دون أن أدرى.. لأن تناول الطعام بسرعة يُفقد الجسم القدرة على الشعور بالشبع في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى الإفراط في الأكل والسمنة. كما أن المضغ البطيء يسهل عملية الهضم، ويقلل من مشاكل المعدة والقولون، ويُحسّن امتصاص المغذيات.. وهذا ما أوصت به المنظمات الصحية العالمية بأن يمضغ الطعام ببطء، حيث أن الهضم الجيد يبدأ في الفم وليس في المعدة.

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن النص الأصلي للمقال تضمن حكمة رمزية حين أشار إلى السلحفاة، أبطأ الكائنات، التي تعيش ما يزيد عن 150 عامًا. في المقابل، الفأر أو الأرنب، وهما من أسرع الكائنات حركةً ونشاطًا، لا يتجاوز عمرهما بضع سنوات.

ومن الناحية العلمية، الكائنات ذات الأيض (التمثيل الغذائي) البطيء تستهلك طاقة أقل وتحرقها بشكل أبطأ، مما يرتبط غالبًا بطول العمر. هذه النظرية، المعروفة بـ “نظرية معدل الحياة”، لا تنطبق حرفيًا على الإنسان، لكنها تقدم لنا مجازًا بيولوجيًا عميقًا: الهدوء ليس ضعفًا، بل قد يكون أحد مفاتيح الحياة الطويلة المتزنة.

وفى النهاية.. تشير تلك الحقائق الى ضرورة ان نكون أصدقاء للزمن لا عدواً له.. فحين نتمهل في الأكل، في الكلام، في اتخاذ القرار، في التنفس، فإننا لا نؤخر الحياة بل نسمح لها أن تُعاش كما يجب. التأني لا يعني الكسل، بل يعني أن نمنح لكل لحظة قدرها، ولكل تفصيلة معناها.

صدق هذه النصيحة… وتمهل.. فالمتعجل يعيش نصف عمره، أما المتمهل فهو من يعيش العمر مرتين أو ثلاثًا.”

إعلان

إعلان