إعلان

الشباب والصحة النفسية (4)

د. إيمان رجب

الشباب والصحة النفسية (4)

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

07:00 م الجمعة 21 أبريل 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يظل الاهتمام بالصحة النفسية للشباب استثمار المستقبل، وهذا الاستثمار رغم أن الحكومة هي الطرف الأهم فيه، والتي تم مناقشة دورها في التعامل مع قضية الصحة النفسية للشباب في مصر في المقال السابق ، فإن هناك أطراف أخرى ذات أهمية في هذا الاستثمار المستقبلي مثل القطاع الخاص والجمعيات الأهلية.

يلاحظ اتجاه القطاع الخاص لاسيما الشركات الدولية العاملة في مصر للاهتمام بالصحة النفسية للعاملين فيها ، حيث توفر هذه الشركات خدمات الاستشارات النفسية لأي من الموظفين الذي قد يشعر بأنه بحاجة لاستشارة أو دعم نفسي لأسباب تتعلق بضغوط العمل أو ضغوط الحياة بشكل عام. وهذه الممارسة ليست منتشرة بين شركات القطاع الخاص الوطنية لكونها كما يرى بعض أرباب العمل الخاص أنها "رفاهية" ذات تكلفة عالية.

كما تعمل بعض الشركات على إطلاق حملات توعية تستهدف الجمهور العام وليس موظفيها فقط، مثل شركة دوف التي تنفذ منذ العام 2004 حملة مخصصة لمساعدة الشباب في التغلب على الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على صحتهم النفسية، وتقدم من خلال هذه الحملة عدة نصائح للوالدين لمساعدتهم على الاكتشاف المبكر لهذه الآثار النفسية قبل أن يتحول أبناؤهم إلى حالة المرض النفسي، وتمكن الوالدين من إعادة أبنائهم إلى عالم الواقع بدلا من الانغماس في عالم السوشيال ميديا.

وتتيح شركة دوف هذه النصائح على موقعها باللغة العربية، كما تنفذ عدة حملات توعوية في عدد من الصحف والمجلات المطبوعة على مستوى العالم ومنها على سبيل المثال حملتها في مجلة التايم والتي تهدف من خلالها إلى حث القراء على المساهمة في توقيع عريضة تطالب الكونغرس الأمريكي بإقرار قانون لتوفير الحماية للأطفال أثناء استخدامهم الانترنت، وتبرر شركة دوف هذا التحرك من جانبها بأنها توصلت إلى أنه من بين كل 5أطفال يوجد 3 أطفال يواجهون صعوبات نفسية لسبب تعرضهم لمحتوى ضار على الانترنت ذي صلة بالجمال، وأنه من بين كل 10 متخصصين في الصحة العقلية يرى 8 منهم أن السوشيال ميديا تتسبب في أزمة عقلية ونفسية للاطفال.

كما تقدم شركة دوف بالشراكة مع عدة مؤسسات طبية في الولايات المتحدة خدمة على مدار الساعة لتقديم النصح والمساعدة للشباب الذين يعانون من اضطرابات وتوتر بسبب السوشيال ميديا خاصة تلك الناتجة عن الإفراط في اتباع حميات غذائية لتقليل الوزن وتغيير شكل الجسم أسوة بالمشاهير.

إلى جانب ذلك، تنفذ شركة دوف مشروع يحمل اسم "تقدير الذات" وهو يهدف لمساعدة الأطفال والشباب على الاستمتاع بإمكانياتهم الكاملة من خلال تعزيز ثقتهم بمظهرهم الخارجي، حيث وجدت الشركة من خلال الدراسات التي قامت بها أن تدني الثقة بالنفس يمنعهم من التصرّف على طبيعتهم ويؤثر ذلك على صحتهم وصداقاتهم وعلى أدائهم في المدرسة ، وتقدم في هذا البرنامج مساعدة للأهل والمرشدين والمعلّمين والقادة الشباب لتعزيز تقدير الذات، وقد استفاد من هذا المشروع حتى الآن 86 مليون شخص منهم أكثر من 20 مليون من الشاب.

وتقدم مؤسسة فاهم مثال آخر على جهود الجمعيات الأهلية في رعاية الصحة النفسية للشباب، وتم اختيارها هذا العام لتكون شريكا وطنيا رئيسيا لمنتدى شباب العالم. وتتبنى هذه المؤسسة غير الربحية شعار "افهم اسمع اتكلم" ، وتقدم نصائح توعوية للشباب الذين يمرون بحالات من الاكتئاب والحزن الشديد والقلق والتوتر وغيرها لمساعدتهم على الخروج من هذه الحالة وعدم الدخول في حالة المرض النفسي، كما تقدم المؤسسة دعم مادي للمستشفيات النفسية تتماشى مع احتياجات تلك المستشفيات، كما ترفع المؤسسة شعار "المرض النفسي مش وصمة عار" من أجل تشجيع الشباب الذين يعانون من أمراض نفسية على الحصول على العلاج النفسي المناسب.

هذه الأمثلة على الخدمات النفسية الوقائية التي تقدمها شركة دوف ومؤسسة فاهم بهدف تحصين الشباب ضد الإصابة بأي مرض نفسي وضد أي أفعال أو سلوكيات ناتجة تشوه إدراكهم لقدراتهم ولدورهم في الحياة، تحتاج إلى دعم ومساندة من جانب الحكومة حتى تصل لأكبر عدد ممكن من الشباب.

وقد تكون أحد أشكال هذا الدعم الحكومي هو التوسع في الدراسات واستطلاعات الرأي التي تركز على الشباب للوقوف على حالة صحتهم النفسية ومشاكلهم النفسية التي يمرون بها ، واتاحتها على نطاق واسع حتى تكون البرامج والجهود التي تبذلها الجمعيات الأهلية وشركات القطاع الخاص مستندة إلى بيانات توضح ما يمر به الشباب فعلا، فضلا عن أن نتائج استطلاعات الرأي هذه من شأنها أن تجعل السياسات العامة التي تنفذها الحكومة ذات الصلة بالصحة النفسية للشباب مستندة لبيانات واقعية .

إعلان