إعلان

لحظات في ضيافة رسول الله

أسامة شرشر

لحظات في ضيافة رسول الله

أسامة شرشر
07:00 م السبت 07 يناير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


من اللحظات الاستثنائية في حياة الإنسان أن يعيش لحظة صدق مع النفس، في أطهر بقعة على الأرض، وهى مسجد الرسول، عليه الصلاة والسلام، في المدينة المنورة، فهذه الساعات تتداخل فيها المشاعر، ويتعرى الإنسان أمام نفسه في الروضة الشريفة، أمام الرسول، عليه الصلاة والسلام، ومعه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وخلفهما في الروضة السيدة فاطمة الزهراء.

فأقول (السلام عليك يا رسول الله محب من الزوار عوقه الذنب)، فالذنوب التي نعيش فيها وتعيش فينا ليل نهار، ونحن لا نعرف ولا ندرك كيف نمحوها، كان الخلاص منها في الذهاب إلى الحبيب المصطفى. وتتناقض في هذه اللحظات المشاعر وتسيل الدموع، راجيًا ومتوسلًا وخاشعًا إلى الله وأنا عند حبيبه رسول الله وفي مسجده أن يتقبل دعاءنا، وأن يمحو ذنوبنا، وأن نعيش في مصالحة مع النفس أمام ضغوط البشر وضغوط الحياة.

فهذه لحظات تختزل عمر الإنسان وتناقضاته وتمرداته وأخطاءه وخطاياه وذنوبه، فهل يقبل الله العودة في زمن اللامعقول فى كل الأشياء؟ خصوصًا أن وباء كورونا كان مانعًا وجدارًا عازلًا وحائلًا دون زيارة الحبيب المصطفى.

وعندما تنزل إلى أرض المدينة الطاهرة تشعر بأريحية نفسية، وتتفاعل مع أهل المدينة الأطهار وتتذكر الطيبين الطاهرين الذين ترتسم سماحة الإسلام في وجوههم وكلامهم وأفعالهم، فهم يترجمون (الدين المعاملة) نصًّا وقولًا وفعلًا.. وهنا أتذكر الأنشودة الخالدة في قلوب كل المسلمين (طلع البدر علينا) عندما غنى أهل المدينة في استقبالهم للحبيب المصطفى (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).

والتساؤل الذي جال في خاطري ولا أجد له إجابة: لماذا لم يُنقل رفات السيدة خديجة إلى مسجد الرسول في المدينة المنورة في حياته؟!.

هذه خاطرة شاردة لا أجد لها إجابة، ولكن عندما تكون في ضيافة الحبيب المصطفى تتعلم الأدب.. أدب الحوار وأدب التساؤل وأدب الإيمان، والأخطر أدب الأخلاق الذي افتقدناه كثيرًا في عالمنا اليوم.

وعندما ترى البقيع يحدث زلزال نفسى بداخلك.. هنا الصحابة أطهر خلق الله في هذا المكان الذي يموج بالآلاف والملايين من المحبين لقراءة الفاتحة على أرواحهم.. أى عظمة وجلال واحترام لهؤلاء الصحابة وهؤلاء المبشرين بالجنة الذين رافقوا الرسول في مشوار حياته؟!.

ولأنني كنت مشتاقًا اشتياقًا روحيًّا لزيارة الحبيب المصطفى؛ فالكلمات تتداخل والمعاني تتوقف والانفعالات تتزايد بعد ثلاث سنوات لم أزر فيها مدينة الرسول، عليه الصلاة والسلام، المدينة المنورة.. فسامحوني واعذروني؛ لأن المشهد مهيب في ظل الأوجاع والمحن والحروب التي نعيشها الآن.

وأتساءل: كيف الخلاص؟ وجاءت الإجابة عندما تزور الحبيب المصطفى وتشرب ماء زمزم تشعر أنك تمتلك الدنيا بأسرها.. وعندما تزور مدينة الرسول وتذهب إلى قبر سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب فإنك تتوقف أمام كلمة الشهادة، فهذا أهم نموذج لتطبيق الشهادة؛ فكان حمزة يهفو إليها لحظة تلو لحظة؛ واستجاب الله له؛ فكان سيد الشهداء قولًا وفعلًا.

ومن الروايات التي سمعتها أنه منذ أكثر من 50 عامًا قال أحد علماء المسجد النبوى إن هناك سيولًا كثيرة من شدتها جعلت جسد سيدنا حمزة، سيد الشهداء، يطفو، وكأنه استشهد في الحال، وحسب الروايات مُنع التصوير، لأن جثمانه بدمه كأنه كان يهفو إلى أن يُعاد دفنه مرة أخرى؛ لأن آل البيت (بهم تقتدى وليس عليهم تعتدى)؛ سامحوني فأنا أعيش جلال الموقف والمشهد، وعندما تذهب إلى مسجد قباء تجد السكينة والراحة في أول مسجد صلى فيه الرسول، عليه الصلاة والسلام، والذي قال فيه رسول الله (ص) إن أداء الصلاة في مسجد قباء في رمضان يعادل العمرة.

كل هذه المواقف والأحداث تجعلك تسمو بروحك في هذا المكان الرباني الذي تشعر فيه براحة لا تشعر بها فى أى مكان فى العالم، وأجمل بقعة في العالم، فهذا المكان هو خليط من النور والرحمة والإنسانية، وهنا تُدرَّس حقوق الإنسان إذا أراد أن يتعلمها هؤلاء المدعون الذين حاولوا أن يصدِّروا الأزمات تلو الأزمات إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولكن هيهات لهذه أو تلك؛ فهما في حماية الله، ولا يمكن مهما توصلوا إلى أحدث التقنيات والأسلحة أن يمسوهما بسوء.. فبكة ومدينة رسول الله محفوظتان بحفظ الله.

معذرة وألف معذرة..

حاولت واجتهدت أن أنقل قليلًا من كثير مما عايشتُه وعشت فيه في لحظات ودقائق وأيام معدودات فى مدينة رسول الله.. فالراحة والأمان النفسى أقوى من كل أسلحة الدمار الشامل، فهنا في المدينة المنورة أخطر سلاح وهو السكينة، بمعنى أن تلمس راحة تُشعرك بأنك تمتلك العالم بأسره ولا تهاب الموت؛ لأنك في ضيافة رسول الله.

ونسألكم الفاتحة على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر وعمر وفاطمة الزهراء التي كانت أول اللاحقين بالرسول بعد موته.

والله أسأل عَوْدة إلى يثرب، مدينة رسول الله، التي لا يمكن لعاشق أن يحسب الوقت في هذا المكان الطاهر، وتحيةً إلى أهلها الطيبين الذين يعشقون الشعب المصرى بكل مفرداته وتناقضاته؛ لأنهم امتداد حقيقى لهم في حب رسول الله.

فيا رب تقبل عمرتنا أنا وأسرتي وزيارتنا إلى قبر الحبيب في الروضة الشريفة، وأن نكون من المقبولين في عفوك ورحمتك.

وخير الختام السلام عليك يا رسول الله يا حبيب الله.

إعلان