إعلان

الداء الذي أصاب حياتنا الأكاديمية والثقافية ..!

د. أحمد عبد العال عمر

الداء الذي أصاب حياتنا الأكاديمية والثقافية ..!

د. أحمد عبدالعال عمر
07:27 م الأحد 13 نوفمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يستطيع أحد اليوم أن يُنكر أننا أصبحنا نعيش في ظل فجوة معرفية وقيمية ولغوية عميقة تفصل بين جيل الأجداد والآباء وجيل الأبناء في مصر.

وبوجود تلك الفجوة وتعميقها يوما بعد يوم، أصبح الكثير من القيم والثوابت الدينية والوطنية والمجتمعي والمؤسسية في مهب الريح، وغداً ربما تتداعى تماماً لتصبح "حديث خرافة"، كما كان العرب يقولون على الأشياء الخيالية التي لا وجود لها.

ومرجع ذلك أن أبناء الأجيال الجديدة صاروا يؤمنون بالحقائق النسبية، ويبحثون عن كل ما يُحقق لهم منفعة شخصية عاجلة (هنا والآن)، ويرفضون الحقائق والمثل والقيم الكلية، والثوابت الدينية والمجتمعية والوطنية.

وهم يبحثون عن المعرفة من مصادر مختلفة تماماً عن المصادر التي شكلت وعي وشخصية الأجيال الماضية، ولأنهم في عجلة من أمرهم، لا يطيقون صبراً على البحث وقراءة الكتب أو المجلات العلمية والصحف التي تعرض محتواها بلغة وإسلوب رصينين يصيبهما بالضيق والملل.

ولهذا يفضلون المعرفة السريعة المكتوبة في لغة بسيطة، والمحتواة في كبسولة يسهل تناولها، سواء كانت هذه الكبسولة مُلخصات مقرارت دراسية، أو بوست أو بثا مباشرا على الفيس بوك أو كلمات قليلة على تويتر، أو من خلال فيديو يتم نشره على اليوتيوب.

وهؤلاء هم جيل "الفهلوة المعلوماتية" التي تتيح لأصحابها تجميع المعلومات، والنطق بها، واستخدامها وتوظيفها بدون فهم وتُمثل، وبدون رؤية في إطار مشروع معرفي أو ثقافي أو إبداعي يخدم غايات مجتمعية ووطنية.

و"الفهلوة المعلوماتية" لا يمكن أن تصنع معرفة أو ثقافة أو تشكل وعيًا. ولا يمكن أن يكون أصحابها مهما علت درجاتهم العلمية، قيمة مضافة لمؤسساتهم ومجتمعهم ووطنهم؛ لأنهم يفتقدون للموهبة في التفكير، وللمعرفة والثقافة التكوينية القادرة على صناعة العقل المستقل، وصناعة الفكر والإبداع الأصيل، الذي يشتبك مع الواقع، ويحل المشكلات، ويواجه التحديات والمخاطر القديمة والمستحدثة.

والفهلوة المعلوماتية في ظني، هي الداء الذي أصاب حياتنا ومؤسساتنا الأكاديمية والثقافية، والذي يُهدد دور ومكانة مصر العلمية والثقافية والسياسية، وقدرتها على حل مشكلاتها، وصنع تقدمها؛ لأنه أدى إلى وجود جيل من الطلاب والباحثين والأكاديميين والمثقفين الذين يُجيدون الحصول على المعلومة، وقصها ولزقها، والحصول بها على الدرجات العلمية المختلفة، ونيل الوجاهة الاجتماعية، والمكتسبات المادية، وتصدر المشهد العام، وهم يفتقدون للموهبة في التفكير، والعقل المستقل، والفكر والرؤية والتكوين العلمي والمعرفي الرصين، واللغة السليمة.

إعلان