إعلان

فيسبوك لصناع الأخبار: سأطردكم من جنتي!

علاء الغطريفي

فيسبوك لصناع الأخبار: سأطردكم من جنتي!

علاء الغطريفي
05:01 م الأربعاء 19 أكتوبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كتبت في 21 سبتمبر الماضي، أن فيسبوك أدار ظهره لصناعة الأخبار، وأمس أعلنها صراحة بقرار إلغاء "المقالات الفورية"، وهي التقنية التي استخدمها منذ عام 2015 لتوفير طريقة أسرع لتوزيع المحتوى المنتج من ناشري وصنّاع الأخبار على مواقعهم، وسيوجه فيسبوك اهتمامه للفيديوهات القصيرة التي أطلقها قبل أكثر من عام، في إطار منافسة شرسة مع تيك توك ويوتيوب.

القرار الذي أعلنته شركة ميتا سيكون ساريًا من أبريل عام 2023، وبعدها لن تستطيع أي منصة إخبارية أن تستفيد من هذه الخاصية التي كانت مصدرًا للزيارات لموقعها الالكتروني، وبهذا تفقد جزءًا من زياراتها القادمة من منصات التواصل الاجتماعي، خاصة أن فيسبوك هو المنصة الاجتماعية الأكثر استخدامًا حول العالم.

بذلك يرسم فيسبوك ملامح علاقته الجديدة مع صنّاع الأخبار ومؤسسات الإعلام، التي بدأها على استحياء قبل قرابة 5 سنوات، بعدم تشجيع خوارزمياته لنشر روابط الأخبار على فيسبوك، وهو ما تعكسه أرقام الزيارات التي تأتي للمواقع عبر فيسبوك، يصل متوسطها في مصر حاليًا إلى ما بين 4 و 12% فقط من زيارات أي موقع.

التراجع في أرقام الزيارات التي تأتي للمواقع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وما يفعله فيسبوك مع صناعة الأخبار، ينهي الفكرة الأساسية عن فيسبوك بالنسبة للأخبار، بوصفه منصة توزيع، فقد تحوّل بحكم التطورات في التكنولوجيا وسلوك المستخدمين إلى شاشة عرض، لا سبيل للمواقع من الحضور عليها بدون المحتوى المرئي.

بالطبع لن يأتي المحتوى المرئي بالزيارات المباشرة، لكنه يدعم اسم العلامة الإعلامية، ويخلق اهتمامًا بما يقدمه الموقع الإخباري، ومن ثم يجلب زيارات غير مباشرة بخلاف الطريقة القديمة، مع أرباح عبر صيغته للربحية. الصيغة التي تشجع وتدعم للأسف منشء المحتوى "سحرة وجيمرز"، في مواجهة المحتوى الإخباري الجاد.

صارت التغيرات في فيسبوك مأزقًا لمؤسسات الأخبار، فالحضور الجاد عليه أصبح تحديًا، فمن اختار أن يعمل لديه خسر كل شيء وأولها وظيفته الإخبارية، ومن اختار أن يعمل وفق الصيغة القديمة "روابط الأخبار" يخسر أيضًا، فلا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بتفكير مغاير، يشكّل مسارًا من خلال الممارسة اليومية وصياغة علاقة جديدة أساسها الندية.

أرى أن المسار الجديد، يبدأ بإنهاء الاعتماد على فيسبوك كمصدر للزيارات، مع الحضور عليه وفق الالتزامات المهنية، وحتى نموذج الشراكة المأمولة معه، ذهب مع الريح، بعد أن ألغى شراكاته مع بعض كبار صنّاع الأخبار في الولايات المتحدة، وقرر ألا يجددها العام المقبل.

لقد صار فيسبوك منصة مستضيفة لصنّاع الأخبار على استحياء، لن يلغي وجودهم، لكنه لن يدعمهم بعد الآن، وما فعله معهم خلال سنوات، أنهاه ببراجماتيته المعروفة، ووفق نموذجه الربحي "لن نطردكم من جنتنا، ولكن لن نطعمكم إلا وفق خواصنا الجديدة".

ستظل الاعتمادية على فيسبوك من جانب وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية مخاطرة كبيرة، لا يمكن البناء عليها أو منحها الأولوية، فهذه المنصة التي تتغير يومّا بعد يوم، وأحيانًا بتطرف يضاهي مآسي الدراما، تغريك خواصّها الجديدة، وبعد أن تمتلكك، تبدأ في إملاء شروطها، في صيغة تشابه عبودية عصور مضت، ثم ما تلبث أن تنتزعها بقسوة التبدل وإلحاح المصلحة، ليكون النكران ثم الهجران بعد جنات الدعم والقربى.

لا يرى فيسبوك حاليًا سوى الفيديوهات القصيرة، وستكون أولويته القصوى مع أشكال المحتوى المرئي الأخرى، وهذا الجديد سيأتي عليه وقت ليصبح قديمًا. هكذا تدور الحياة على منصات التواصل الاجتماعي. والصواب ألا ترمي المواقع الإخبارية بأوراقها جميعًا، وتتعامل معه بواقعية الطارئ المتغير، وليس الدائم الأبدي، لا تحبه ولا تعاديه كذلك، بل تصنع معادلتها الخاصة للحضور عليه، بمنطق التوازن، سر الوجود في هذه الأرض.

إعلان