إعلان

عن الحلم وخيبة الأمل في "واحة الغروب"

د. أحمد عمر

عن الحلم وخيبة الأمل في "واحة الغروب"

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 31 يناير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قليلة هي الشخصيات الروائية التي يمتد حضورها الإنساني خارج أفق النص الروائي، لتصبح شخصيات من لحم ودم، تتعايش معها، وتحس بوجودها، تحاورها، تحزن لحزنها، تفرح لفرحها، تتفهم وتتقبل ضعفها الإنساني، ولحظات جنونها وجموحها وتمردها على الأرض والسماء.

وهؤلاء الأبطال المميزون يأتي تأثيرهم في القراء والمتلقين وانفعالهم بهم من مصدرين أساسيين:

المصدر الأول: أن تشبه تجربتهم الحياتية تجربة أبناء عصرهم أو اللاحقين عليهم من أجيال قادمة.

المصدر الثاني: أن يشبه حلمهم المُجهض أو المُتحقق حلم أبناء عصرهم أو أبناء العصر اللاحق لهم.

وهنا تكمن- في ظني- علة انفعالنا الشديد بتجربة حياة وتحولات ومصير "محمود عبد الظاهر" بطل رواية "واحة الغروب" للأستاذ بهاء طاهر.

فهو رجل وطني حر عاشق لأرضه وبلاده، وبطل من أنصار قضية عادلة، هي قضية الوطن وحلم الثورة على الظلم، واستقلال الأرض والإرادة، حتى تصبح مصر للمصريين، ويصبح على أرضها ما يستحق الحياة لأبنائها، وهو الحلم الذي تجسد في قيام الثورة العرابية.

وفي انكسار هذا الحلم، تكمن علة أزمة محمود عبد الظاهر، المتمثلة في هزيمة الحق وانتصار الباطل، وفي انكسار الأحرار والأبطال، وصعود نجم الخونة والعملاء، وكل مشاعر خيبة الأمل التي صاحبت ذلك.

وهي الأزمة التي جعلته في النهاية رجلًا مثقلًا بهموم الهزيمة والفشل في الحياة العاطفية والمهنية والسياسية، رجلا منكسر الروح، لا يكف عن الحوار مع ذاته، وجلدها بقسوة، حتى يصل في النهاية لقناعة مؤداها أن الغلط يكمن في صميم الحياة ذاتها؛ ولهذا يتساءل بشكل موجع: ما العمل يا شيخ، وكل الحكمة لا تفيد في أن تُهدي الراحة إلى القلب.. ربما الغلط في الحياة بالفعل؟!

وعند تلك النقطة يظن محمود عبد الظاهر أن الغضب الثوري العاصف الذي يشبه الطوفان، ربما يكون السبيل الوحيد للنجاة، وإعادة تجديد الحياة، وخاصة بعد هزيمة حلم الثورة العرابية، وذهابه للعمل مأمورًا لواحة سيوة.

وفي تلك الواحة، وبعد طول تأمل في تناقضات الحياة وواقع الوطن وازدواجية وقسوة أهل الواحة، يُقرر تفجير المعبد المقدس بالواحة وهو بداخله، لتنتهي حياته، بعد تدمير أهم عناصر المكان، وهو المعبد الذي وجد فيه رمزًا لماضٍ وثقافة لا بد لهما من التدمير والزوال؛ لأنهما يعيقان تجديد وتحرير وازدهار حياة البشر.

وبالموت تتوج رحلة محمود عبد الظاهر المُضنية، ويحصل على السكينة البعيدة المنال في الحياة؛ فنراه على أعتاب الموت يقول:

"لم يكن هناك ألم.. وتوهج فجأة نور داخلي، نعم، الآن يمكن أن أرى كل شيء، أن أفهم ما فاتني في الدنيا أن أعرفه"!

ورغم تعاطفنا الإنساني مع نموذج محمود عبد الظاهر، وتماهي شخصيته وأحلامه مع شخصيتنا وأحلامنا في جوانب كثير، فإن هذا لا يمنعنا من نقد خياره التدميري الأخير؛ لأن الهروب للأمام بتدمير الماضي وعناصر المكان لن يُنتج إلا مزيدًا من الدمار؛ ففي كل سياق إنساني شخصي ووطني يتحتم نقد الماضي، وهدم وترك ما هو جدير بالهدم والترك، وإعادة البناء على ما هو جدير بالبقاء.

وأظن أن سر أزمة الضابط محمود عبدالظاهر هو خلطه بين أزمته الشخصية المتمثلة في إفلاس والده وهروب جاريته الحبيبة "نعمة"، وحرمانه من عطفها وحنانها وحبها الذي لم تعوضه عنه امرأة أخرى، وأزمة وطنه المتمثلة في هزيمة الثورة العرابية بسبب الخيانة.

وقد أدى كل ذلك إلى انهيار عصبي أمام قبح وظلم الأمر الواقع، وفجيعة الإحساس بالفقد الشخصي، وركونه إلى دور البطل الضد المهزوم الذي يعيش ليبكي الحب العمر والأحلام.

وليته عوضًا عن هزيمته النفسية، وخياره التدميري الأخير لذاته والمكان، تجاوز مرحلة حبيبته "نعمة"، ولوعة فراقها، واطمأن بحب زوجته الأيرلندية القوية كاثرين! ثم مارس أكبر قدر من نقد الذات والتجربة، ليعرف كيف تحطمت أحلامه لوطنه في سنوات قليلة، وما هي الأسباب الجوهرية لذلك، وكيف يمكن إعادة بناء الحلم والوطن على أسس صحيحة، تستفيد من تجارب وفشل الماضي.

إعلان