عن الفشل في حياة الإنسان

07:00 م الأحد 16 أغسطس 2020

د. أحمد عمر

"افشلوا وأنتم مرفوعو الرأس. المرء لا يحيا إلا مرة واحدة، لذلك بادروا بفعل ما تشعرون نحوه بالشغف. اغتنموا الفرصة بمهنية، ولا تخشوا من الفشل. لا تخشوا من التفكير خارج الصندوق، لا تخشوا من الفشل الذريع، لا تخشوا من الأحلام الكبيرة. ولكن تذكروا أن الأحلام بدون أهداف ليست سوى أحلامٍ، ودائمًا ما تعود إلى خيبة الأمل. ولهذا اصنع أحلامك الخاصة، ولكن ضع لها أهدافًا، والوصول لهذه الأهداف يتطلب منك الانضباط والثبات.

إعلان

ولتعلموا أن أي شيء ترغبون به تستطيعون الحصول عليه؛ لذلك طالبوا به، ابذلوا وُسْعَكم للحصول عليه، وعندما تحصلون عليه عودوا للخلف، وساعدوا غيركم بسحبه للإمام، وليعلم أحدكم الآخر. ولا تطمحوا فقط لكسب العيش، بل اطمحوا لصنع التغيير".

الفقرة السابقة هي جزء من محاضرة شهيرة لـ"مالكوم إكس" داعية الحقوق المدنية الأمريكي المدافع عن حقوق السود، وقد ألقاها في إحدى الجامعات الأمريكية للتعريف بسيرته وحياته وفلسفته ودعوته.

وقد حاضر مالكوم إكس في حياته القصيرة التي انتهت بالاغتيال عام 1965 في أكثر من خمسين جامعة أمريكية، ونجح عبر محاضراته في الاستحواذ على قلوب ومعقول مستمعيه، بصدقه الشخصي، وحديثه المتدفق الشجاع، وثقافته الإنسانية العميقة التي تسلح به عبر القراءة الحرة التي قال عنها: "لقد غيرت القراءة مجرى حياتي تغييرًا جذريًا، ولم أكن أهدف من ورائها إلى كسب أي شهادات لتحسين مركزي، وإنما كنت أريد أن أحيًا فكريًا".

وفي واقع الأمر، فإن حياة وآراء مالكوم إكس تتضمن فلسفة عميقة عن الحياة والأحلام والعمل والفشل والنجاح والأُخوّة الإنسانية، والمسؤولية الاجتماعية، لم أتوقف عن تأملها والاستفادة منها منذ شاهدت الفيلم السينمائي الذي أنتج عام 1992 عن سيرة وحياة مالكوم إكس، وقام ببطولته النجم الأمريكي دنزل واشنطن. ومنذ قرأت سيرته الذاتية التي حررها "أليكس هاليي" وترجمتها إلى العربية "ليلى أبو زيد".

ومن خلال تلك التأملات عرفت أن الفشل ليس نهاية الحياة، بل هو المدخل الأساسي للنجاح، وأن خبرات الإنسان الفاشلة وقود لنجاح قادم، ورأسمال معنوي ومعرفي كبير؛ فهي التي تُعيد صياغة الإنسان من الداخل، وتساعده على التخلص من الأوهام، وتحديد طريقه وأهدافه وأولوياته على أسس صحيحة.

كما عرفت أن الإنسان يحيا مرة واحدة، وعليه في حياته القصيرة أن يتجنب تمامًا الوقوع في فخ الاستسلام واللامبالاة، والوقع في غواية مشاعر خيبة الأمل ورثاء الذات والأحلام، والإعجاب بدور ضحية الظروف والسياق والناس؛ فلا شيء مستحيل أو بعيد المنال، وكل سقوط يجب أن يكون بعده قيام وصعود. وكل فشل يجب أن يعقبه نجاح.

غير أن هذا النجاح لن يكون بدون امتلاك الإرادة القوية وشجاعة الوجود، وبدون الانضباط والثبات، والصبر على العمل الشاق، والتفكير خارج الصندوق، ووضع أهداف تكتيكية قريبة، تتراكم عبر الزمن لتصنع الغاية الإستراتيجية البعيدة، وهي أن يكون المرء ناجحًا ومتحققًا في الحياة، وسعيدًا وراضيًا عن حياته وذاته وعمله واختياراته.

كما تعلمت من خلال سيرة وحياة "مالكوم إكس" أن النجاح الشخصي لا يكتمل دون أن يتحمل الإنسان الناجح مسؤوليته الإنسانية والاجتماعية، عبر مساعدة المتعثرين في الحياة لكي يجدوا ذواتهم وطريقهم الصحيح؛ وبهذا يتجاوز الإنسان الناجح مطالب البحث عن الرزق، ويُحدث بوجوده في الحياة فارقًا يُسهم في خدمة مجتمعه، وتحقيق التغيير المطلوب نحو حياة أفضل للجميع.

إعلان