إعلان

ابن خلدون في مصر.. ووقائع ما حدث مع "تُمر" خاقان "الططر"

د. هشام عطية عبد المقصود

ابن خلدون في مصر.. ووقائع ما حدث مع "تُمر" خاقان "الططر"

د. هشام عطية عبد المقصود
09:22 م الجمعة 08 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عرف العالم ابن خلدون بمقدمته التي اعتبرها المؤرخون بيانًا تأسيسيًا لعلم الاجتماع والذي أسماه العمران البشرى، وقد ورد هذا التأصيل مفصلاً في المقدمة التي اشتهر بها، وهي التي جاءت متضمنة في كتابه المعروف "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، ورغم ذلك ظلت سيرة حياته في مصر غير متداولة على نطاق واسع رغم أنه أمضى في مصر ربع القرن من الزمان عاصر فيها حوادث عادية وأخرى جسامًا فضلا عن تقلده المناصب العليا وغير ذلك من وقائع أخرى، حملها كتاب سيرته.

وهنا نقدم استكمالاً لسرده لوقائع حياته في مصر في تولي المناصب والعزل منها والرجوع إليها كمتوالية متصلة تشكل حلقات أيامه قبل مصر وبعدها، وحيث يؤكد دوما في سرده ترفعه عن الجاه، لكنه يظل ضمنيًا وكما يتبدى لنا شغوفًا مأخوذًا بهذا القرب، بل وحفيًا به تمامًا.

وبداية وفي قسم مهم ومدهش تمامًا يسرد فيه قصة غزو التتار للشام وهلكهم الحرث والنسل، وما عرفه ورآه بل وشارك في الشهادة عليه بل والدور فيه عبر تواجده في موكب سلطان مصر مدافعًا عن الشام، وما حدث بين ذلك وفي ثناياه من غرائب سلوكيات المثقف مع تيمور لنك الغازي، وهو ما يظل مثيرًا للتساؤلات ورغبة الفهم، فتحت عنوان سفر السلطان إلى الشام لمدافعة "الططر" عن بلاده: "واقتحم المدينة من كل ناحية، ووقع فيها من العبث والنهب والمصادرة، واستباحة الحرم ما لم يعهد الناس مثله، ووصل الخبر إلى مصر، فتجهز السلطان فرج بن الملك الظاهر إلى المدافعة عن الشام وخرج في عساكره".

وتحت عنوان: "لقاء تمر سلطان المغل والططر" يحكي عن تجربته في الوصول إلى ثم لقاء تيمور لنك الذي يسميه "تمر"، واللقاء به أثناء تواجده ضمن الحملة المصرية لصد هذا الغازي "جمع السلطان عساكره، وفتح ديوان العطاء، ونادى في الجند بالرحيل إلى الشام، وكنت أنا يومئذ معزولا عن الوظيفة، فاستدعاني دواداره يشبك وأرادني على السفر معه في ركاب السلطان فتجافيت عن ذلك، ثم أظهر العزم على بلين القول، وجزيل الإنعام فأصخيت"، وهكذا يؤكد في كل مرة تمنعه ثم إنه يقر بالاستجابة مع الاسترضاء وجزيل الإنعام.

ويستكمل قصته المثيرة حقا: "ثم وصلنا إلى الشام مسابقين الططر، ويئس الأمير تُمر من مهاجمة البلد، فأقام بمرقب على قبة يراقبنا ونراقبه أكثر من شهر، ثم نما الخبر إلى السلطان وأكابر أمرائه أن بعض الأمراء المنغمسين في الفتنة يحاولون الهرب إلى مصر للثورة بها، فأجمع رأيهم الرجوع إلى مصر".

ويحكي عبر نص مدهش حقًا أنه بعد رجوع السلطان إلى مصر كيف عبر هو عن زعامته، حيث يقول مبررًا أنه اجتمع له العلماء والقضاة والفقهاء في الشام؛ ليقوم هو بأخذ الأمان لهم من تيمور لنك، ويحكي عن مغامرة غريبة لو دخلت كتب الأساطير لفاقتها وطبعا هي كما يرويها، وتعوزنا التفسيرات أمام ما يعرضه من حيلة اللقاء وغرائب ذلك" وجاءني القضاة والفقهاء واتفق رأيهم على طلب الأمان من الأمير تُمر على بيوتهم وحُرمهم، وشوروا في ذلك نائب القلعة، فأبي عليهم ذلك ونكره، ولم يوافقوه".

ويستكمل ما فعله حتى يحظى بلقاء تيمور لنك: "وبكرت في وقت السحر إلى جماعة القضاة عند الباب، وطلبت الخروج أو التدلي من السور، ثم أصخوا إلىّ وأدلوني من السور،.. فلما وقفت إلى الباب خرج الإذن بإجلاسي في خيمة هناك تجاور خيمة جلوسه، ثم زيد في تعريفي بأني القاضي المالكي المغربي، ودخلت عليه بخيمة جلوسه متكئًا على مرفقه، وصحاف الطعام تمر بين يديه... فلما دخلت عليه فاتحت بالسلام، وأوميت إيماءة الخضوع، فرفع رأسه ومد يده فقبلتها".

ويحكي ابن خلدون كيف أتي تيمور لنك بمترجم وطلب منه أن يقص عليه سيرته، وأنه حكى له تاريخه الشخصي –طبعًا وكأنه يتسلى معه كصديق- ثم ينتهي بالقول: "كنت لما لقيته وتدليت إليه من السور كما أشرت رأى البعض بأن أطرفه بهدية، فانتقيت من سوق الكتب مصحفًا رائعًا حسنًا في جزء محذو وسجادة أنيقة ونسخة من قصيدة البردي المشهورة للأباصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وأربع علب من حلاوة مصر الفاخرة"، ويكمل ابن خلدون أنه ولما تمت الاستجابة إلى طلبه وفق ما سرده: "شكرت ودعوت".

وتحت عنوان ولاية القضاء الثالثة والرابعة والخامسة بمصر يسرد شأنا من تقلب وجوده الوظيفة العامة ويعبر عن شيء من شغف المنتظرين والمتطلعين وتدافعهم وربما بعض ما يحصل من الاستعداء على غيرهم ليختتم بذلك الكتاب وأيضا سيرة حياته التي انتهت بمثواه في مصر في مقابر باب النصر وحيث شيعه الأمراء والعامة والعلماء والقضاة والتلاميذ: "فولوني في آواخر شعبان من السنة.. فسعوا عند السلطان في ولاية شخص من المالكية.. فخلعوا عليه آواخر رجب سنة أربع وثمانمائة، ثم راجع السلطان بصيرته وانتقد رأيه، ورجعت إلى الوظيفة خاتم سنة أربع، وبقي الأمر كذلك سنة، وبعض الأخرى، وأعادوا ما كان وبما كان وعلى ما كان، ثم أعادوني عاشر شعبان سنة سبع، ثم أدالوا به مني في أواخر ذي القعدة من السنة، وبيد الله تصاريف الأمور". وهكذا ينتهي النص وتنتهي السيرة.

إعلان

إعلان

إعلان