إعلان

مظلة إنقاذ للدراما المصرية !!

سارة فوزي

مظلة إنقاذ للدراما المصرية !!

سارة فوزي
02:48 م الثلاثاء 12 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قالوا:

"في السينما لا توجد قواعد، فقط خطايا يجب تجنبها.. والخطيئة الأولى هي الملل"... المخرج الأمريكي الإيطالي فرانك كابرا.

"تحتاج لثلاثة أشياء لصناعة فيلم جيد: السيناريو، والسيناريو، والسيناريو"... المخرج البريطاني الأشهر ألفريد هيتشكوك.

"إذا طبقنا هذه العبارات العميقة لأعظم صناع الدراما العالمية على مسلسلاتنا المصرية، فسوف نشعر بخيبة أمل تفوق الوصف، فالملل سيد الموقف والسيناريو مهد الخطايا"!

أتابع حاليا عددا من المسلسلات المصرية الرمضانية، وأجدها صراحة ودون محاولة للتجميل، دون المستوى خاصة بالسيناريو، بدءا من حبكة ضعيفة، مرورا بحوار درامي ركيك، وصولا إلى شخصيات درامية أحادية سطحية هشة الأبعاد غير جاذبة للمشاهدين منفصلة عن واقعنا المصري.

دعونا نتفق على أن الدراما المصرية تتطور حقا من حيث التقنية والتصوير وكل عناصر الإنتاج البصري. في المقابل، تتراجع بصورة حادة على مستوى القصص المعروضة والورق المستهلك والحواديت التي لا تستحق الوصول إلى ثلاثين حلقة من المط والحشو وإعادة ما تم عرضه بالحلقة السابقة والإعادة من نقطة درامية بعيدة لا تستحق الإعادة هي الأخرى حتى نصل ببركة الله إلى 30 دقيقة (بالعافية). حتى دراما غير رمضان (off Season) باتت بلا نكهة؛ تتعمد تقليد الأتراك في مسلسلات الخمسين والستين حلقة، وكأننا لا يكفينا ثلاثون حلقة من الملل، بينما المدارس الدرامية الأعظم والأكثر ثراءً بالعالم تنتهج حاليا دراما العشر حلقات والثلاث عشرة حلقة.

هذه المدارس الدرامية المتميزة تعتمد على تقسيم السنة إلى أربعة فصول (ربيع، صيف، خريف، شتاء) كالدورة البرامجية، ولكل فصل مجموعة مسلسلات تُعرض أسبوعيا بحيث يكون لديك في اليوم الواحد حلقة أو أكثر من عدة مسلسلات أخرى وفي الأسبوع الواحد يمكنك عرض 7 مسلسلات أو أكثر وهكذا.

هذه الطريقة ربما تكون حلا للملل؛ لأنها تعتمد على مسلسلات قصيرة لا تتخطى 15 حلقة على مدار 15 أسبوع في إيقاع محكم ونهاية جاذبة للحلقة التالية، كما تعطي فرصة ذهبية لعدد كبير من الكتَاب بدلا من (الخمسة ستة اللي بيكتبوا نفس المسلسلات بنفس الأفكار والتيمات التي عفا عليها الزمن).

نتمنى من صناع الدراما ومنتجيها أن يعيدوا لورش الكتابة مجدها، أن يكون لكل مسلسل كاتب رئيسي يضع الخطوط الدرامية العامة للمسلسل ويصوغ فكرته وحبكته، ويعمل معه مجموعة من الكتَاب الشباب الذين يكتب كل منهم حلقة خاصة مع الحفاظ على الخط الدرامي الرئيسي، هكذا يتحقق ثراء السيناريو، هكذا تشعل إيقاع المسلسلات وتضخ فكرا جديدا يصنع صراعات درامية حقيقية، والأهم يصنع منافسة درامية لجذب المشاهد المصري الذي لم يعد لديه من الطاقة والصبر والصحة ما يتحمل بها 30 حلقة، أول خمس حلقات منها غاية في الإمتاع وباقي الحلقات حتى الحلقة الخامسة والعشرين ملل وتباطؤ لا مبرر له ولا عزاء.

لا بد أن تستمر الدراما المصرية طيلة العام، ولا تتراكم في رمضان فحسب، لأنك بذلك تعطي فرصة كبيرة لمنافسيك كي يأخذوا جمهورك الذي يعود لك كل رمضان خائب الظن بما تقدمه لأنه اعتاد على (السوبر) فتجده دائم المقارنة مع منافسيك الغرب والعرب والنتيجة ليست لصالحك مطلقا.

د عونا نعترف، أيضا، أن أزمة السيناريو المصري بدأت فعليا آخر خمس سنوات. والحقيقة أن الجمهور المصري كان راضيا نسبيا لانبهاره بطرق الإخراج الجديدة والتصوير وتميز بعض الممثلين والوجوه الشابة آنذاك. لم يعد هذا كافيا الآن لدفع الجمهور لتحمل 30 حلقة من الرتابة، خاصة مع دخول منصات المشاهدة الإلكترونية الغربية والعربية حلبة التنافس والإنتاج لتجذب هذا المشاهد بإنتاجها المصري والعربي بالإضافة إلى الإنتاج الغربي المتميز.

فإذا استمر هذا الحال، فلا أعتقد أن الأعوام القادمة ستكون لصالح الدراما المصرية أو بمعنى أدق لن تكون لصالح الدراما المصرية التي تنتجها شركات مصرية.

ربما يكون التنوع الذي نراه في مسلسلاتنا المصرية تصنيفيا لا أكثر ولا أقل، فإن ركزًت في معظم المسلسلات الرمضانية سوف تجد التيما الرئيسية هي الانتقام بكافة أشكاله وصوره.

والمحصلة واحدة: صراع هزيل قائم على (الصوت العالي والسباب والمبالغات الدرامية وخناقات الشوارع وكيد النساء والمشكلات العاطفية غير الواقعية إطلاقا).

التنوع الحقيقي سوف يتحقق حينما نعالج أزمة القصة والسيناريو والحوار الدافع للأحداث. سوف تجد الدراما الطبية والقانونية ودراما الجاسوسية والدراما التاريخية ودراما الأكشن والمغامرة والدراما الاجتماعية الحقيقية والكوميديا الأصلية التي امتاز بها المصريون البعيدة عن الإسفاف والمبالغة في الحركات الجسدية وقفشات رواد مواقع التواصل.

والسؤال، أيضا: أين دراما المراهقين الغائبة عن أذهان صناع الدراما المصرية؟

إن هذه الدراما هي الأخطر وهي الأصعب في كتابتها لأنها تشكل منظور فئة جماهيرية سريعة التأثر متقلبة المزاج لا تزال في طور تشكيل مداركها واتجاهاتها، ورغم ذلك لا نجدها في سوى المنصات الغربية التي تشكل منظور العلاقات الاجتماعية لدى مراهقينا المصريين والعرب، بما يتنافى مع قيمنا وتقاليدنا قاطبة؛ لأنهم لا يجدون في دراما بلدانهم ما يمثلهم في سوى مشهد أو مشهدين من دراما الكبار.

لم نعد بزمن الأستاذ القدير صانع مدرسة الدراما المصرية الحقيقية (أسامة أنور عكاشة). لم يعد هناك كتَاب مثله يستطيعون الحفاظ على انتباهك وجذبك لمشاهدة 30 حلقة والارتباط بها والتوحد مع شخصياتها. لم تعد قصص (الفورمات الغربية الجاهزة) التي يتم شراؤها من إسبانيا أو إيطاليا أو الأرجنتين هي الحل لكل شيء؛ فالمشاهد المصري لا يزال يبحث عن الأصالة في واقعه الاجتماعي الثري بمخزون القصص والحكايات.

في بداية عملي معيدة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، تم تنسيق دورة تدريبية بمجال صناعة الأفلام مع إحدى جهات التدريب الألمانية الشهيرة، وكان مدربنا مخرجا ألمانيا يُدعى (أولاف كلاين) كان يخبرني دوما برغبته في الاستقرار بالقاهرة رغم ضجيجها وضوضائها كان يُفضَلها على برلين، على حد وصفه، قائلا إنها نابضة بالحياة والقصص والأفكار التي تصنع سلاسل من الأفلام الدرامية والتسجيلية، أما الحياة في برلين، فميكانيكية وعملية للغاية لا تمثل تحديا له في صناعة الفيلم والقصة والحبكة.

أتذكر هذه العبارات، وأتساءل: أين الباحثون المصريون الجادون من كتَاب الدراما كي يفتشوا لنا عن هذه القصص المختلفة بمسلسلاتهم؟

إن مظلة الإنقاذ الحقيقية الآن يملكها صناع ومنتجو دراما اليوم، وأتمنى أن يراجعوا أنفسهم، ويعيدوا تقييم التجربة الدرامية المصرية آخر 5 سنوات.

أتمنى أن يقرأ صناع الدراما ومنتجوها هذه الكلمات، وألا يعتبروها انتقادا لجذب الانتباه والظهور، بل رسالة للتطوير ودعوة للتغيير من أجل الحفاظ على ريادة الدراما المصرية التي باتت على المحك، مثلما كتب كبار أساتذتي في الإعلام، وساقوا العديد من بحوث التطوير لإنقاذ ماسبيرو مطلع الألفية ولم ينصت أحد، آنذاك، بالقدر الكافي.

أرجو، وآمل، وأدعو ألا ينصرف المشاهد المصري بكافة فئاته العمرية عن دراما بلده لصالح منصات المشاهدة الغربية والعربية لتتحكم بعقليته وهويته وثقافته، وتعيد تشكيل منظوره للأحداث والمواقف حتى لا تتكرر تجربة انصراف المشاهدين عن قنوات التليفزيون المصري وارتباطهم بالفضائيات الموجهة وتبعاتها منذ 2001.

***

مدرس مساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة

إعلان

إعلان

إعلان