إعلان

تنمية موارد الدولة "2"

د. غادة موسى

تنمية موارد الدولة "2"

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:02 م السبت 10 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. غادة موسى

قد يكون من الصعب أن تنمي الدولة مواردها دون أن يتمكن الفرد من تنمية موارده؛ فالدولة هي مجموعة من الأفراد الذين يعملون ويستفيدون من السلع والخدمات التي توفرها الدولة لهم. وقد يكون ذلك نظير مقابل مادي أو دون مقابل. أي أن هناك دورا للأفراد في زيادة موارد الدولة.

ويخبرنا التاريخ، وخبرات الدول المتقدمة، بالدور المهم الذي تقوم به الدولة في زيادة موارد أفرادها، وذلك من خلال تمكينهم من العمل، وبصفة خاصة في زيادة رأس المال التجاري والصناعي والمالي، من خلال أعمال الصرافة والبورصة.

فحتى يتمكن الفرد من الشراء والبيع والتجارة والادخار لا بد من أن يتوافر لديه نقود. وتصبح المسالة الأكثر إلحاحا هي كيف يمكن أن يتوافر لدى الفرد نقود، وكيف يزيد من رأسماله.

فالوظيفة العامة من الصعب أن تزيد من رأسمال الفرد، إلا لو قام الفرد بالادخار واستثمار مدخراته في مشروع. ورغم ذلك تصبح الحل الأضعف في موضوع زيادة رأس المال.

والعمل الذي توفره الدولة لأفرادها من أجل أن يتمكنوا من تكوين ثروات هو التصنيع، وفي عصرنا الحالي هو التصنيع المصحوب بالابتكار. فعلى الفرد أن يبتكر، ويصنع ما يبتكره بأساليب متطورة. فالرأسمال الصناعي هو أهم أنواع رؤوس الأموال في تحقيق القيمة الزائدة المتمثلة في الربح الذي يمكن أفراد المجتمع من تجديد إنتاجهم على كافة المستويات، بالإضافة إلى تحقيق مدخرات.

إذن، فتح المجال أمام الابتكار يمثل الخطوة الأهم في تنمية موارد الدولة. فمن خلال تفعيل تلك الابتكارات يتمكن الفرد من تحقيق منتوج يمكن أن بيعه في السوق الحقيقية او الافتراضية ويحصل على دخل.

ومن المميزات الكبيرة التي تتواكب مع الابتكارات هي أن سوق الابتكارات سوق دولية. فعبر الشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت"، يمكن أن يسوق الفرد منتجاته أو ابتكاراته.

فجميع التطبيقات التي نستخدمها مثل تطبيقات وسائل النقل أو تطبيقات التسوق أو تطبيقات الترفيه ليست سوى ابتكارات اتخذت من السوق الدولية الافتراضية مكانا لانتقالها واستخدامها وبيعها. وحققت لأصحابها ومستخدميها مبالغ طائلة، ساهم البعض منها في تنمية موارد الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، في حين تسرب البعض الآخر خارج الدولة.

وهنا تتضح الإشكالية، حيث لا بد من أن تقوم الدولة بتضمين الابتكارات داخل موازناتها سواء بالاستثمار فيها أو بالاستفادة من عوائدها تصنيعا أو تصديراً. لأنه كما نعلم أن عائدات تلك الابتكارات تفوق موازنات دولة أو عدد من الدول مجتمعة. وهو ما يتطلب أن تواكب الدولة هذا التطور بشكل أسرع وأكثر استيعاباً لأهمية سوق الابتكارات.

بالإضافة إلى الانتقال من النموذج الكلاسيكي للتصنيع - الذي لا ينكر أحد أهميته للمجتمع وللدولة- إلى النموذج الذكي للتصنيع والإنتاج، خاصة أن من خصائص هذا النموذج السرعة والمرونة والقدرة على التكيف والتداخل مع العديد من القطاعات الإنتاجية الزراعية والخدمية والصناعية والثقافية وغيرها من القطاعات.

هذا من جانب. ومن جانب آخر، يتطلب ما سبق تطوير الخطاب الرسمي للانتقال من مجرد الحديث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر إلى الحديث عن الابتكارات التي تتضمن بداخلها كل هذه النوعيات من المشروعات. بل إن تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة بما تتيحه من سرعة التواصل والقفز على المكان والزمان أكثر قدرة على تفعيل فكرة تلك المشروعات، وبشكل أفضل.

كما يتطلب الأمر أيضاً البحث في الأطر القانونية والتنظيمية اللازمة لتنظيم سوق الابتكارات والاستفادة من دخله. وهو ما يستدعي تطوير الإطار القانوني لحق الملكية الفكرية وتبادلها وتصديرها. كما يتطلب الانتقال من شكل المؤسسات الرسمية التي لديها مشاريع أو إدارات لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر إلى الحضانات ومعامل الابتكار.

أي أن تنمية موارد الدولة يمكن أن تحدث من الابتكارات التي تتطلب نقلة نوعية على مستوى الفكر والمؤسسات والقانون والتنظيمات.

إعلان