إعلان

الأولى بالرعاية

د. جمال عبد الجواد

الأولى بالرعاية

د. جمال عبد الجواد
09:01 م الجمعة 24 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أمازون هي أكبر شركة للتسويق عبر شبكة الإنترنت في العالم. بدأت الشركة بتسويق وتوزيع الكتب، وانتهت وهي تسوق وتوزع تقريبًا كل شيء. قررت أمازون ضح مليار دولار للاستثمار في الهند. خبر رائع، فها هي مليار دولار إضافية تدخل إلى الهند من الخارج، لتخلق فرص عمل جديدة في مجال التسويق والتوزيع ونقل البضائع. لكن أصحاب المتاجر في الهند يقاومون دخول أمازون إلى أسواق بلدهم، ويعتبرون جيف بيزوس، مالك شركة أمازون، إرهابيًا من نوع خاص، فهو إرهابي اقتصادي يغتال المتاجر الصغيرة التي لا تقوى على منافسته. يقول التجار الهنود إن أمازون تقدم مزايا عديدة للموردين والمستهلكين، وهو ما لا يمكن للتجار منافستها فيه، ومارست الغرف التجارية في الهند الضغوط على السلطات، ورفعت القضايا أمام المحاكم لمنع أمازون من الدخول إلى سوق بلدهم. المؤكد أن التجار سيتضررون من دخول أمازون السوق الهندي؛ لكن المؤكد أيضا أن المستهلكين سيربحون من وراء هذه الخطوة، فماذا تفعل لو كنت مكان الحكومة في الهند. هل ترحب باستثمارات أمازون، أم ترفضها؟

عندنا، وفي كل بلاد العالم، توجد قضية مشابهة يثيرها نشاط شركة أوبر. فالشركة تقدم خدمة متميزة أفضل وأرخص مما يقدمه التاكسي المحلي التقليدي. زبائن أوبر راضون عن الشركة التي أعفتهم من متاعب التاكسي والسائقين. لكن ماذا عن آلاف السائقين وأصحاب التاكسي المتضررين، وهم ببساطة مستثمرون ومهنيون بسطاء تكفي أموالهم بالكاد لتوفير حياة مستورة، وليس بإمكانهم منافسة الشركة العملاقة. يقول السائقون إنه لا بد من حماية أرزقاهم؛ ويقول زبائن أوبر إن السائقين يستغلوننا، وإننا وجدنا الملاذ في أوبر؛ ويقول المتفائلون وأنصار الحلول الوسط إن وجود أوبر في السوق سيجبر أصحاب التاكسي التقليدي على تحسين الخدمة والحد من الجشع وابتزاز الزبائن.

موقف مشابه يحدث في بلادنا في كل مرة تنخفض فيها أسعار الحديد المستورد عن الحديد المنتج محليا، فيطالب أصحاب مصانع الحديد برفع الجمارك على الحديد المستورد، حتى يمكنهم منافسته سعريا؛ حتى لو أضر ذلك بمصلحة الآلاف من مستهلكي الحديد، ومن المواطنين البسطاء الساعين لشراء منزل جديد بسعر مناسب. لاحظ أن أصحاب مصانع الحديد لا يتحدثون عن خسائر مالية تلحق بهم بسبب عجزهم عن منافسة المستورد، لكنهم يتحدثون عن آلاف العمال الذين قد يخسرون وظائفهم لو عجزت الشركات المحلية عن مواصلة العمل. وبينما يتجاهل أصحاب مصانع الحديد مصالح الآلاف من المواطنين الذين لهم مصلحة في الحصول على منزل رخيص، فإنهم يوجهون سهام النقد للمستوردين الأغنياء الذين يربحون الملايين على حساب أرزاق العمال البسطاء في شركات الحديد.

كيف تتصرف الحكومة عندما ينشب صراع من هذا النوع، هل تنحاز للمستهلكين المستفيدين من الشركات الجديدة، أم تنحاز لأصحاب الأعمال القدامى، ومن بينهم الكثيرون من صغار المستثمرين، مثل أصحاب الدكاكين وسائقي التاكسي؟ السؤال ليس سهلا، خاصة وأن انحياز الحكومة لمصلحة صغار المستهلكين، يعني في نفس الوقت أخذ جانب نوع آخر من أصحاب الأموال، هم المستثمرون الجدد القادمون بأفكار جديدة، وأموال كثيرة، أو للمستوردين الذين يدخلون للأسواق سلعا منافسة للمنتجات المحلية، فهل تتدخل الحكومة لحماية المنتجات المحلية، أم تتدخل لحماية المستهلكين المحليين. للقضية إذا أطراف أربعة: أصحاب أموال قدامى، وآخرون جدد، ومستهلكون، وعمال، وعلى الحكومة أن توزان بين مصالح الأطراف الأربعة، وهو أمر قد لا يكون ممكنا طوال الوقت.

إعلان

إعلان

إعلان