إعلان

 إنسان ذو تاريخ

د. أحمد عمر

إنسان ذو تاريخ

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الإثنين 16 سبتمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مَن لا يقرأ التاريخ ويفهم أحداثه ومؤامراته، وحياة البشر ومصائر الدول والحكام والشعوب فيه، ويُدرك مغزاه، ويأخذ منه العبرة والدرس- فهو مُهدد بالوقوع في نفس الأخطاء التي ارتكبها من سبقوه، ومهدد- أيضاً- بإعادة إنتاج الماضي بكل مشكلاته وأحداثه ونتائجه وفشله.

ولهذا قال الراحل الأستاذ أحمد بهاء الدين في مقدمة كتابه القيم "أيام لها تاريخ"، إن أحدث التعريفات التي قدمها المتخصصون للإنسان أنه "إنسان ذو تاريخ".

وهذا التعريف يعني أن الميزة الأولى التي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات أن كل جيل من البشر يعرف تجارب الجيل التي سبقه، ويستفيد منها، وبهذا يتطور ويتقدم؛ فالإنسان يعرف ما أصاب أسلافه بالأمس، ومنذ سنة، ومنذ آلاف السنين، وهو قادر على الاستفادة من تجاربهم، وتجنب زلاتهم، والإضافة إلى اكتشافاتهم، وبالتالي لا يبدأ كل جيل من جديد، ولكن يبني على ما تركه أسلافه.

وأضاف الأستاذ أحمد بهاء الدين أن الحيون على النقيض من الإنسان، فالحيوان ليس له تاريخ؛ فالأسد أو القط أو الكلب أو الفأر، الذي كان يعيش على الأرض منذ ألف سنة، لا يمكن أن يختلف عن سلالته التي نراها اليوم في الصفات والطباع ونوع الحياة، ولهذا فأنت تستطيع الآن أن تصطاد الفأر الذي في بيتك بنفس الطريقة التي كان يتم اصطياده بها منذ زمن قديم بمصيدة وقطعة جبن.

ولو كان في بيتك عشرة فئران، لاستطعت أن تصيدها واحدًا تلو الآخر، ويومًا بعد يوم بنفس المصيدة وقطعة الجبن؛ لأن الفئران ليس لها تاريخ، ولا تستفيد من التجربة، وهي لا تعرف أن بالأمس دخل فأر ليأكل الجبنة، فأغلقت عليه المصيدة. وحتى لو عرفت ذلك، فإنها لا تدرك المغزى والخطر، ولا تتحاشى أبدًا قطعة الجبن، فتقع مثل أسلافها في المصيدة، وتدفع حياتها ثمنًا لغفلتها وعدم امتلاكها وعيًا تاريخيًا.

إذن، فالتاريخ- كما قال الأستاذ أحمد بهاء الدين- هو الفرق بين الإنسان الواعي وغير الواعي؛ فالإنسان غير الواعي لا يرى إلا قطعة الجبن، ولكن الإنسان الواعي القارئ للتاريح، المُدرك لمغزاه- يرى قطعة الجبن، ويرى المصيدة، ويحسب جيدًا حساب المخاطر ومآلات خطواته.

والإنسان لا يولد وهو كائن تاريخي، ولا بد له أن يقرأ، ويتعلم، وبالقراءة والتعلم يستطيع امتلاك الوعي التاريخ، وأخذ الدرس والعبرة؛ فيعرف ما سوف يحدث، وما لا يمكن أن يعود، فلا يقع في الأوهام، ولا يهدر عمره فيما لا طائل منه.

وفي النهاية، فإذا كان الوعي التاريخي أمرًا مهمًا للإنسان العادي في كل زمان ومكان، لأنه يجنبه الكثير من المخاطر، ويُعظم فرص نجاحه، ويجعله يستفيد من تجارب غيره، فهو إلى جانب التفكير الاستراتيجي والرؤية المستقبلية غاية الأهمية للسياسي ورجل الدولة، والنخب المثقفة، وكل المهمومين بشئون أوطانهم، وحاضرها ومستقبلها، وبدونها يفقدون الرؤية الشاملة والبوصلة والبصيرة، والقدرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تستهدفهم.

إعلان