إعلان

محمد سعد ووهم البطولة المنفردة

د. أمل الجمل

محمد سعد ووهم البطولة المنفردة

د. أمل الجمل
09:00 م السبت 22 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في أحد حواراتها، قالت الممثلة الموهوبة حنان مطاوع: "حلم البطولة مش شاغلني. المهم يكون الدور اللي بعمله حلو، والناس تحس بيه، وتقدَّر شغلي عليه".

الكلمات السابقة المعجونة بالوعي لحنان- القادمة من عائلة فنية مثقفة، والتي نشأت في وسط يعرف قيمة الفن الحقيقي وفن الأداء على أصوله- تشرح ببساطة المعنى الحقيقي للبطولة في أي عمل فني.

نموذج آخر قدمه الفنان فتحي عبدالوهاب الذي يُؤكد في كل عمل جديد له نجوميته في فن الأداء، مثلما نشعر أنه غير منشغل بتصدر الإيرادات ولا البطولة المنفردة، فعندما شاهد لقطات من مسلسل «رحيم» بطولة صديقه ياسر جلال، اتصل به فتحي قائلا: «نفسي أعمل معاك مشهد واحد بالمسلسل»، وبالفعل قدم مشهدًا، مؤكدًا من خلاله، وفي تصريح لاحق: «إن الجهد الذي بذله لهذا المشهد هو نفس الجهد الذي كان يبذله لدور مساحته كبيرة».

لماذا؟! لأن الموضوع متعلق بشخصية درامية لها تكوينها النفسي والاجتماعي، ولا بد من فهمها وامتلاكها حتى تقنع الناس بها.

ما سبق من كلام عن تجربة حنان وفتحي لا ينفي أن حلم النجومية وتصدر إيرادات الشباك حلمٌ مشروع، وطموح يجب عدم مصادرته، ما دام صاحبه قادرًا عليه، ويُوفر له التربة الخصبة، والمناخ الصح، بدءًا من السيناريو الذي يرفعه للصدارة، وصولا للبوستر وقاعة العرض.

لكن، أيضا، من المهم ألا يُصبح الحلم فخًا يُودي بحياة صاحبه! أتذكر زميلًا لنا في العمل كان يحلم بشراء سيارة. كانت له مكافآت عديدة في أماكن عمله بحكم أنه مدير إضاءة.
وافق على أن يبيعها لآخرين بنسبة ٦٠٪ من قيمتها الحقيقية. أي أنه خسر من أمواله ٤٠٪ ليحصل على سيولة مالية. ثم استدان ليُكمل باقي سعر السيارة. بعد أسبوعين كان زملينا راقدًا في أحد المستشفيات يصرخ من الكسور بكل أجزاء جسمه بعد وقوع حادث له بالسيارة الجديدة التي كان سيصاب بالجنون ليشتريها.

أعادني بوستر فيلم «محمد حسين» للممثل محمد سعد لفكرة الطموح الذي يقتل صاحبه، أو على الأقل يُؤذيه. وعندما شاهدت الفيلم تأكد إحساسي. فكرة التكرار والاستنساخ لرأس محمد سعد ووجهه في البوستر، ولا شيء آخر، حتى لو لم تكن فكرة البطل، فمجرد موافقته عليها هي دلالة على رغبته العميقة في استعادة تربعه على عرش الشباك.

لن نصادر على حلم سعد أو طموحه، ولن نقول له إن هذا أصبح وهمًا؛ لأن تاريخ السينما العالمية والمصرية به حكايات مشابهة عن نجوم شباك تحولوا إلى ذيل قائمة الإيرادات. هذا أمر وارد جدا. هناك قانون عرض وطلب. هناك جماهير كلما زاد عددهم أو انخفض تحدد مصير النجم وموقعه. لكن أيضا كان منهم فنانون أعادوا التفكير والحسابات.

الفنان نور الشريف لأنه كان فنانا مثقفا ومتصالحا مع نفسه كان يعترف بأنه لن يشعر بحساسية أو ضيق لو سبق اسمَه- بكل تاريخه الطويل- اسمُ أحد الشباب، ما دام هذا الفنان الشباب له جمهور عريض. ولم يكن يرفض أن يشارك الشبابَ في أعمالهم.

لكن الفنان محمد سعد يبدو أنه غير قادر على التصالح مع نفسه؛ يبدو أنه لا يزال يتخيل قدرته على تصدر شباك التذاكر بمفرده! ألذلك قام بتخفيض أجره بفيلمه الأخير «محمد حسين»؟

محمد سعد بعد تجاربه السينمائية التي فشلت في تحقيق إيرادات وافق على أن يكون ضمن عمل يقوم على العزف الجماعي، فشارك في «الكنز» الجزء الأول، وكذلك الثاني الذي سيعرض بعيد الأضحى.
صحيح قدم سعد بالجزء الأول دورا جيدا، وحقق الفيلم إيرادات جيدة. لكن هل نجاح العمل يمكن أن تنسبه إلى محمد سعد وحده؟ لا، بالطبع. فالسيناريو من توقيع عبدالرحيم كمال، والمخرج بقامة وقيمة شريف عرفة. وهناك بطولة جماعية لنجوم كبار.

في تقديري أن محمد سعد أهدر ما حققه من مكاسب في «الكنز»، وعليه أن يقنع بالبطولة الجماعية؛ لأنها لا تنتقص من قيمته كممثل وكفنان. بل تمنحه فرصة للتمثيل.

لن أقول إن زمن البطولات الفردية بالأفلام ولّى. لكني مؤمنة بأن كتابة سيناريو لبطل واحد، والعزف المنفرد يحتاج مؤلفًا عبقريا ومؤديا عبقريا قادرا على الاحتفاظ بجمهور ملول بطبعه.

تأملوا- مثلا- فيلم «الممر» المتصدر الإيرادات، البداية من السيناريو، والإخراج، ثم كم الأبطال الموجودين بالعمل.

تأملوا تجربة «كازابلانكا»، رغم الأكشن والإثارة وكل المشهيات الموجودة بالفيلم، لكنه أيضا يعتمد على التنوع الكبير في الأبطال والنجوم، منهم فنانون كانوا يحاولون أن يكونوا نجوم شباك، نجحوا لبعض البعض، لكن لما التجارب التالية خذلتهم، وفهموا لعبة السوق شاركوا في البطولة الجماعية.«

كازابلانكا» أضاف شيئا آخر ذكيا، رغم أنه لم يكن بحاجة ماسة إليه، لأنه أصلاً فيه نجوم متنوعون لهم جاذبية عند الجمهور- الذي يتشكل في أغلبه من المراهقين بالمناسبة، ولهم ذوق محدد يحكم معيار السوق- مثل أمير كرارة، وغادة عادل، وعمرو عبدالجليل، وإياد نصار، وأحمد داش.
وفي تقديري أن النجم التركي خالد أرغنتش لم يكن لوجوده أثرٌ كبير، لكن المخرج قدم عددا آخر من النجوم كضيوف شرف؛ ففي البداية قدم مشهدًا بأداء مصطفى شعبان.

وفي النهاية قدم مشهدًا لأحمد فهمي، وفي المنتصف قدم مشهدين آخرين لنيللي كريم وبيومي فؤاد.

أعتقد أنكم تتذكرون «فيلم ثقافي» للسيناريست والمخرج محمد أمين. الفيلم قام ببطولته وجوه شباب، كان أغلبهم تقريبا وقتها غير معروف للجمهور، فكيف تصرف المخرج؟!

حاول إقناع عدد من الممثلين الكبار بأن يُؤدي كل واحد مشهدًا، كضيف شرف، ومنهم يسرا، وسامي العدل وآخرين. ثم وزع تواجد هؤلاء النجوم على مدار الفيلم ليُرضي الجانب السيكولوجي عند الجمهور، رغم أن السيناريو لوحده فيه قوة دفع رباعية، ولا يزال حتى اليوم أحد أهم الأعمال في تاريخ السينما المصرية.

فهل يتعلم محمد سعد الدرس من تجارب الآخرين؟!

إعلان