إعلان

محاربة الفساد بحُسن اختيار القيادات

محاربة الفساد بحُسن اختيار القيادات

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 15 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

فرحة المصريين بكل قضية فساد تقوم هيئة الرقابة الإدارية بالكشف عنها، والقبض على مسئولين كبار في الجهاز الحكومي، كوزير الزراعة الأسبق الدكتور صلاح هلال، ونائب رئيس مجلس الدولة المستشار وائل شلبي، ومدير المشتريات بالمجلس جمال اللبان، ونائبة محافظ الإسكندرية الدكتورة سعاد الخولي، وسكرتير عام محافظة السويس اللواء شكري سرحان، يعادل فرحتهم بنصر عسكري وتحرير أرض مصرية محتلة.

وبالفعل فمنظومة الفساد في مصر التي تكونت عبر العقود الأخيرة، أصبحت دولة موازية تحتل قطاعات كبيرة من دولتنا وتظلم شعبنا وتستنزف خيرات وثروات ومؤسسات البلاد، وتبدد جهود التنمية، وتنشر اليأس من الإصلاح في نفوس الناس، ولهذا فإن الفساد الإداري هو أخطر على مصر والمصريين من أي عدو خارجي.

ولكن هذا الفرح لا يمنعنا من القول، بأن للفساد في مؤسساتنا تجلياتٍ كثيرة، أبسطها الرشوة وسرقة المال العام، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والتربح من الوظيفة العامة بطرق غير قانونية، والمحاباة والمحسوبية، وأكثرها جرمًا – من وجهة نظري – هو تولية إدارة الشأن العام وبعض المؤسسات لغير الجديرين بهذا التكليف، وبدون معايير رقابية صارمة؛ لأننا بهذا الاختيار الخاطئ نُخرِّب المؤسسات من الداخل، ونفتح الباب لكل أشكال الفساد، ونُهدر الإمكانيات وفرص الإصلاح والتطوير، ونعطي فرصة لمن لا يملك موهبة ولا فكر ولا رؤية، ولا نزاهة وإخلاص «لتدوير» مؤسسات الدولة بما يخدم ذاته، ويخدم جماعة المصالح المرتبطة به.

وكذلك لأن اختيار العناصر التي هي دون المستوى المهني والشخصي في مواضع القيادة، وبمعايير ذاتية وشخصية بحتة، يُفسد حاضر المصريين ويصادر مستقبلهم، ويؤدي إلى انتشار ثقافة الفهلوة واللعب بالبيضة والحجر والشلالية، ويجعل الشباب الواعد المجتهد يشعر باليأس وعدم جدوى الاجتهاد والعمل، فتتماس عندهم البدايات بالنهايات، وتشيع بينهم تجليات الرؤية العبثية، فيهاجروا للخارج أو للداخل عبر التطرف والأمراض النفسية، بعد أن صارت الأوطان بالنسبة لهم بيئة غير عادلة أو صالحة للأحلام.

وبالتالي فإن الخطوة الأولى في إصلاح المؤسسات ومحاربة الفساد، هي حُسن اختيار القيادات قبل القبض على بعضها بتهمة الفساد.
مع العلم بأن إرث الفساد في قطاعات ومؤسسات ونخب الدولة المصرية، أكبر مما يمكن تصوّره، وقد تشكل عبر عقود طويلة ماضية، تم فيها إسناد الأمر في أغلب القطاعات إلى أسوأ العناصر، ليسهل السيطرة عليهم، وتسيير الأمور من خلالهم، حتى تحولت مؤسسات الدولة إلى شبه إقطاعيات خاصة وعائلية، يديرها وفق هواه، من يظن أنه رب المؤسسة الأعلى، وكل خيرها يجري من تحته، ليختص به لنفسه، ولأصحاب الولاء والمصالح من حوله.

وتفكيك تلك الشبكات العنقودية الفاسدة معركة مصيرية تحتاج إلى حكمة ودهاء وشجاعة. وهي معركة لا تقل أهمية عن معاركنا في مواجهة التطرف الفكري والإرهاب، ولابد وأن تخوضها مؤسسة الرئاسة عبر تقوية الأجهزة الرقابية التابعة للدولة، وبخاصة هيئة الرقابة الإدارية، ومنحها سلطات أكبر في التقييم والمراقبة والمحاسبة.

ولعل من دواعي الاطمئنان إلى حرص مؤسسة الرئاسة على الاستمرار في محاربة الفساد واستئصال جذوره السرطانية من مؤسسات الدولة، هو ثناءها الدائم على شخص وأداء اللواء محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وعلى جهود ضباط الهيئة في كشف قضايا كثيرة مؤخرًا. ومع ذلك لا بُدَّ من إجراء عملية مراجعة وتقييم كبرى لكافة قيادات مؤسسات الدولة، واستبعاد أصحاب الشبهات والولاءات غير الوطنية، وفقراء الفكر والرؤية، وضعاف الرأي وناقصي الشجاعة والإرادة، وتمكين قيادات جديدة نظيفة اليد والغرض، وصاحبة وعي وطني وسياسي متقدم، وفكر ورؤية وهمة وإخلاص، وقدرة على العمل والإنجاز، وتحمل المسئولية في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ بلادنا.

إعلان