إعلان

غمر الدلتا.. تفاصيل تأثيرات التغيرات المناخية عالميا على مصر

12:53 م الثلاثاء 09 نوفمبر 2021

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد نصار:

"استعدوا لتوديع أحبائكم"، مقولها نطق بها رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، للمرة الثانية، ولكن هذه المرة لم تكن في إطار الحديث عن خطر جائحة كورونا، بينما تعلقت بتأثيرات تغير المناخ على العالم وكيف أن ذلك سيؤدي إلى غرق عدة مدن ساحلية على مستوى العالم ومن بينها الإسكندرية في مصر.

ماذا بعد؟ لعل هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا وبحثا عن إجابة في أذهان العالم والمصريين بشأن تأثيرات التغيرات المناخية والاحترار العالمي المتواصل رغم جهود وقفه ومحاولات تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وإبقاء درجة الاحترار العالمي تحت مستوى 1.5 درجة مئوية.

ولفهم تأثيرات وتداعيات التغيرات المناخية على مصير البشرية علينا أن نعي أولا ماذا حدث لحالة المناخ على سطح كوكب الأرض؟.

الاحترار العالمي.. ماذا حدث في مناخ الأرض؟

الاحترار-العالمي.

ماذا يعني احترار العالم 1.5 درجة؟

أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC)، تقريرا عام 2019 بعنوان: ماذا يعني احترار العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية؟، قالت فيه إن النماذج المناخية تتنبأ باختلافات كبيرة في الخصائص الإقليمية بين الوضع الحالي ووضع يزيد فيه الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية، وبين زيادة الاحترار العالمي بمقدار 1.5 و2 درجة مئوية، وتشمل هذه الاختلافات زيادات في متوسط درجات الحرارة في معظم المناطق البرية ومعظم المحيطات وموجات حرارة متطرفة في معظم المناطق المأهولة وهطول غزير للأمطار في عدة مناطق واحتمالات الجفاف والعجز في هطول الأمطار في بعض المناطق.

وقال التقرير إنه سيستمر مستوى سطح البحر في الارتفاع بعد عام 2100 حتى إذا تم حصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية في القرن الـ 21 فعدم استقرار صحائف الجليد البحري في المنطقة القطبية الجنوبية أو الضياع النهائي لصحائف الجليد في غرين لاند، ويمكن أن يسفر عن ارتفاع مستوى سطح البحر عدة أمتار على مدار مئات الآلاف من السنين، وعدم الاستقرار هذا يمكن أن يبدأ في ظل زيادة الاحترار العالمي بمقدار 1.5 لـ 2 درجة مئوية.

غرق الإسكندرية

قال الدكتور صابر عثمان، خبير التغيرات المناخية، ومدير إدارة التغيرات المناخية السابق بوزارة البيئة، إن أزمة غرق الإسكندرية ليست بجديدة بل هي ضمن دراسة مصرية أجريت عام 1997.

وأضاف صابر، لمصراوي: ما سيحدث هو غمر للشوارع فقط وليس اختفاء كامل للمدينة.. وهذا هو السيناريو الأسوأ إذا لم تتخذ إجراءات لخفض الانبعاثات أو حماية الشواطئ وفي هذه الحالة سيكون ذلك بحلول عام 2100.

وأوضح خبير التغيرات المناخية أن هذه الدراسة منشورة في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وتفيد بأن دلتا مصر وبنجلاديش وفيتنام من أكثر مناطق الدلتا المهددة في العالم.

وصرح الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، بأن الحديث عن اختفاء مدينة الإسكندرية ليس بالوقت القريب كما يتصور البعض، ولكن توجد مدن تسمى بـ"المناطق المنخفضة" مثل بحيرة المنزلة وإدفو ومدن دمياط وبورسعيد، مشيرًا إلى أن ما يحدث في بعض الحالات هو انحسار وامتداد للبحار خاصة وأننا حاليا نعيش في عصر "ما بين الجليدين".

المحافظات الأكثر احتمالية للتأثر بالتغيرات المناخية

33

أشار الدكتور صابر عثمان إلى أن منطقة الدلتا في أي دولة تعد مصبات الأنهار ولذلك تتسم بانخفاض منسوب التربة فيها عن المناطق الأخرى.

وتابع خبير التغيرات المناخية: داخل دلتا النيل في مصر توجد أكثر من محافظة ومنها مدينة الإسكندرية، وفكرة الغرق مرتبط بارتفاع مستوى منسوب سطح البحر ومع ارتفاع درجات الحرارة يزداد ذوبان جليد القطبين.

وواصل خبير التغيرات المناخية: التأثير الثاني هو ارتفاع درجة حرارة المياه مع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي ونتيجة لذلك سيحدث تمدد في المياه، ولذلك نحن أمام تأثيرين، الأول زيادة المياه والثاني تمددها، ويؤدي إلى ارتفاع الأمواج ونحر الشواطئ، وتوجد احتمالية لغرق بعض المناطق.

وأضاف: في الوقت الحالي وفقا للدراسات فإن المياه ارتفعت بحوالي 20 سم وأرض الدلتا تهبط سنويا بمقدار 2 مللي نتيجة لتأثيرات السد العالي.

سواحل مصر

استعرض تقرير مصر الوطني المحدث كل عامين والصادر عام 2018 تفاصيل المناطق الساحلية في مصر وغمر الدلتا.

وبين التقرير الرسمي أن السواحل المصرية تمتد بطول 3500 كم منها 1200 كم على البحر المتوسط و2300 كم على البحر الأحمر.

وبحسب التقرير فإنه يعيش نحو 15% من مجموع سكان مصر في المناطق الساحلية، ومن المتوقع أن يكون تغير المناخ مصدرا للضغط على المناطق الساحلية ولاسيما مع تأثير ارتفاع منسوب سطح البحر على الأراضي المنخفضة وتكرار العواصف الشديدة والظواهر المناخية المتطرفة.

خريطة بأماكن محتمل تعرضها لخطر الفيضانات

غذاء العالم في خطر

قالت الأمم المتحدة إنه يسبب تغير المناخ انتشر الجوع، كما يساهم الاستخدام غير المستدام للأراضي والتربة والمياه والطاقة من أجل إنتاج الغذاء في انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب ارتفاع درجات الحرارة، وبدوره يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الموارد المستخدمة لإنتاج الغذاء، وفي عام 2020، تعرض ما يصل إلى 811 مليون شخص للجوع في العالم بزيادة 161 مليونا عن عام 2019.

وتولد أنظمة إنتاج الأغذية وتعبئتها وتوزيعها ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة وتسبب فقدان ما يصل إلى 80% من التنوع البيولوجي، وفي حالة عدم التدخل من المرجح أن تزيد انبعاثات النظام الغذائي بنسبة تصل إلى 40% بحلول عام 2050 نظرًا لزيادة الطلب من السكان وزيادة الدخل والتغيرات الغذائية، ويسبب النظام الغذائي حاليًا حوالي 30% من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم، ولا تزال معظم الطاقة تُنتَج باستخدام الوقود الأحفوري الذي يولد الانبعاثات.

وتمتص المحيطات أكثر من 90% من الحرارة الزائدة في نظام المناخ، مما يجعلها أكثر حمضية وأقل إنتاجية، وإلى جانب ذلك، فإن الممارسات مثل الإفراط في صيد الأسماك تهدد الموارد البحرية التي توفر الغذاء لـ 3.2 مليار شخص.

مستقبل الزراعة في مصر

تواجه الزراعة في مصر العديد من التحديات المتنوعة الخاصة بتغير المناخ ومنها تملح التربة وموجات الحرارة العنيفة التي تضر بالإنتاج.

أكثر المحاصيل المعرضة للضرر

تشير الدراسات -بحسب صابر عثمان خبير التغيرات المناخية- إلى انخفاض إنتاجية معظم المحاصيل ما عدا محصول القطن الذي يشهد ازدهارًا في ظل هذه الظروف وحال حدوث موجات حرارية عنيفة.

في حين قال الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة، إن كل المناطق الزراعية في مصر معرضة لمعظم المظاهر الأخرى بخلاف التملح ومنها الحرارة الشديدة أو الأمطار الغزيرة أو البرودة والصقيع في توقيتات حرجة كالصيف المبكر أو الشتاء المتأخر أو الأمطار الخريفية المتقطعة أو الكثيفة في مناطق معينة أو قد تصل إلى مناطق لم تكن فيها من قبل.

وشدد فهيم على أن كل المحاصيل تتأثر بدرجات متفاوتة فإذا حدثت ارتفاعات في الحرارة تكون النباتات بحاجة إلى مزيد من الماء وفي حال عدم القدرة على توفيره تحدث مشكلات في النمو والإنتاجية، كما أن موجات الصقيع تؤثر على بعض المحاصيل مثل المانجو والموز والجوافة كونها محاصيل حساسة جدا للصقيع.

ولفت إلى أن الأمطار إذا أتت في توقيتات غير المعهودة لها ربما تؤدي إلى فشل الإخصاب لأن المطر يؤثر على حبوب اللقاح، وربما يحدث وقت الربيع بما يؤثر على محصول القمح وتحدث مشكلة تتعلق بالإنتاجية.

غمر وملوحة شمالا وحرارة شديدة جنوبا

أكبر الأماكن المعرضة للضرر نتيجة الموجات الحارة هي المناطق الجنوبية، وأكثر المناطق المعرضة للضرر نتيجة تملح التربة هي منطقة الدلتا، ورغم الإجراءات التي تتخذها الدولة لمواجهة ذلك إلا أن هذه الإجراءات بحسب الدكتور صابر عثمان لن تستطيع حماية جميع المناطق من خطر تملح التربة.

في حين أشار الدكتور محمد فهيم إلى أن مناطق الظهير الصحراوي أو جنوب الصعيد معرضة لموجات شديدة الحرارة والتي تنتج عن رياح الخماسين الساخنة، في حين تتعرض مناطق من المحافظات الساحلية لخطر ارتفاع منسوب المياه وزيادة نسبة تملح التربة.

وبين فهيم أن التأثيرات تكون على حسب المظهر فارتفاع مستوى سطح البحر وتملح التربة يؤثر على مساحات ليست قليلة من شمال الدلتا وهي مناطق زراعية بما قد يسبب مشكلات في الخصوبة وبالتالي ينعكس على الإنتاجية من الحاصلات.

ما الأمر؟

قال الدكتور محمد فهيم، إنه لفهم موضوع التغيرات المناخية وتأثيرها على خريطة الزراعة في مصر يجب معرفة 3 أمور وهي: مظاهر التغير المناخي، والمناطق المعرضة، والمحاصيل المعرضة.

وشرح فهيم، لمصراوي، موضوع التغيرات المناخية في مصر، قائلا: هي عبارة عن تقلبات في ظروف الضغط الجوي والتي تكون دائما وأبدا خارج المعدلات، بمعنى أنه توجد في الصيف موجات حارة أو شديدة الحرارة وبشكل متلاحق أو العكس في الشتاء عبر وجود برودة شديدة وصقيع، أو ربما توجد رياح خماسين ساخنة محملة بالرمال والأتربة، أو توجد أمطار غير اعتيادية سواء في الكمية أو المناطق التي تسقط فيها، والمظهر الأخير هو ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تملح التربة في شمال الدلتا بالمناطق القريبة من البحر، ومنها بعض مناطق شمال بحيرة البرلس ورشيد، وغرب بورسعيد، وغرب الإسكندرية وبالقرب من بحيرة مريوط، وهذه المناطق هي الأكثر احتمالية للتعرض لخطر زيادة ملوحة التربة وبالتالي توجد مشكلات في الزراعات القائمة فيها.

إنقاذ سلة غذاء مصر

رأى الدكتور محمد فهيم، أنه يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تحد من التأثيرات الخاصة بالتغيرات المناخية مثل استنباط أصناف قادرة على تحمل الملوحة أو مبكرة النضج أو قليلة الاحتياج المائي أو أكثر قدرة على تحمل الحرارة.

في حين قال الدكتور صابر عثمان، إنه ربما تستخدم هذه المناطق كمزارع سمكية أو في زراعة الأرز وتطوير بعض المحاصيل القادرة على تحمل ملوحة التربة المرتفعة، موضحا أن كفرالشيخ هي المحافظة الأعلى في نسب التملح.

جهود التصدي

اتفق جميع الخبراء في هذا التقرير على أن مستويات تأثير التغيرات المناخية على مختلف أوجه الحياة في مصر والعالم يتوقف على التدخلات والتعهدات التي تتم من أجل مواجهة آثار تغير المناخ والحد من الانبعاثات.

ماذا تفعل الري؟

قال الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، إن بعض المناطق معرضة لمخاطر تغير المناخ، موضحًا أن الدولة استطاعت تأمين 118 كم ويتم العمل الآن على تأمين 118 كم أخرى.

وأضاف عبدالعاطي، في تصريحات تلفزيونية، أن التغيرات المناخية تتسبب في مشكلات من الممكن أن تحدث في محافظة الإسكندرية، موضحًا أن الوزارة لديها استعدادات لكل ذلك.

وعلق وزير الري على التصريحات المتعلقة بغرق الإسكندرية، قائلًا: "هذا لن يحدث حاليًا، بل من الممكن أن يحدث في عام 2100، ولكن بتحركات الدولة لن يحدث غرق".

وأوضح أن الوزارة قاربت على الانتهاء من 60% من أعمال حماية الشواطئ، مؤكدًا أن تأثيرات التغيرات المناخية تُسبب تداخلًا بين مياه البحر والمياه الجوفية وتزيد من ملوحتها.

وتابع: هناك مشروعات يتم تنفيذها على سواحل مصر الشمالية لحماية الشواطئ للحد من ارتفاع سطح البحر وبالتالي حماية الدلتا من الغرق في 5 محافظات تشمل (بورسعيد – دمياط – الدقهلية – كفرالشيخ – البحيرة) بإجمالي طول يصل إلى 70 كم، كما تم وضع خطة رصد وطني وإنذار مبكر مرتبط بعناصر التغيرات المناخية وارتفاع منسوب البحر.

البيئة تستعد بخريطة التغيرات المناخية

بدأت مصر العمل على نموذج خاص بها لإعداد خريطة كاملة للتهديدات التي تحيط بالدولة المصرية، وجزء منها يتعلق بالموارد المائية على حوض نهر النيل، وهذا النموذج، بحسب وزارة البيئة، سيمكن المسئولين من تحديد مدى تأثر مياه النيل بالتغيرات المناخية، وسيكون عبارة عن خريطة بنظام الـ GIS يمكنها حساب تأثر منسوب مياه البحر أو مياه النيل بشكل مستمر، وما هي المناطق الأكثر خطورة وتأثرًا بما يسهل وضع خطط محكمة للتعامل مع هذه المخاطر، كما ستمكن هذه الخريطة من تحديد أماكن الظواهر الجوية العنيفة.

وبحسب الدكتور صابر عثمان، خبير التغيرات المناخية، فإنه يمكن الاستفادة من هذه الخريطة عبر عدة محاور منها تحديد الأنشطة الزراعية المناسبة في كل منطقة من مناطق الدولة وفقًا لطبيعة المناخ في هذه المنطقة، أو زراعة الغابات والحواجز الشجرية كصدادات للأتربة، أو تصميم البنية الأساسية بما يتناسب مع التغيرات المحتمل حدوثها، فضلا عن تطوير واستنباط محاصيل أكثر تحملًا للحرارة والملوحة.

خطوط العالم العريضة لوقف التدهور المناخي

يبحث العالم عن مجموعة من الحلول العاجلة التي يمكنها أن تنقذ الوضع وتخفف من التأثيرات السيئة المتوقعة، وبحسب منظمة الأمم المتحدة فإن الخطوط العريضة التي يجب الاهتمام بها والعمل عليها تتمثل في التالي:

5 حلول عاجلة.. كيف نوقف الاحترار العالمي؟

5

جرس إنذار.. التغيرات قد تفاجئنا

حذر الدكتور صابر عثمان من استمرار زيادة وتيرة عنف الظواهر الجوية نتيجة التغيرات المناخية، موضحا أن سبب وضع خريطة التغيرات المناخية الوطنية هو العمل على وضع رؤية كاملة لما يمكن أن تتعرض له مصر من تغيرات مناخية وتأثيراتها على مدار 100 عام مقبلة وبالتالي وضع خطط التحرك المناسبة للتعامل مع أي أزمة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان