إعلان

بالفيديو: في العريش.. مدرسة تُدرب طلابها على الهروب من الانفجار والنيران

06:13 م السبت 11 مارس 2017

مدرسة تُدرب طلابها على الهروب من الانفجار والنيران

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

بمجرد خروج ولديها يوميا إلى المدرسة، تضع كريمة إسماعيل (اسم مستعار) يدها على قلبها. لم يعد وضع مدينة العريش، حيث تقطن السيدة، مستقرا. تفجيرات وإطلاق رصاص واشتباكات جعلت العملية التعليمية أكثر تعقيدا، وفيما تُدرب مدارس الجمهورية طُلابها على خطط الطوارئ المتضمنة الكوارث الطبيعية أو الحرائق، أضافت مدرسة الكنانة للغات جزءً جديدا؛ ألا وهو تدريب التلاميذ على التصرف في حالات الانفجار أو إطلاق النيران أو ما شابههما.

عدة صور ومقطع فيديو نشرته مدرسة الكنانة على صفحتها بموقع فيسبوك منذ أيام، يتحرك فيه التلاميذ بخفة للهروب تحت إشراف المدرسين. ورغم استحسان الخطوة عموما، غير أن بعض أولياء الأمور غمرهم الضيق، وكتب أحدهم على صفحته "وصل بينا الحال في العريش إن ولادنا بيتعلموا يهربوا من القذائف".
1

الأسبوع قبل الماضي، اجتمع مُعلمو المدرسة الواقعة على الطريق الدائري بالمدينة، لبحث التدريبات التي ينبغي توفيرها للطلاب، حسبما تقول إنجي أبو الليل، سكرتير المدرسة، لمصراوي. موضحة أن التدريبات تأتي ضمن سعيهم للحصول على الاعتماد من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد "والخطة بتتضمن التدريبات الروتينية للهروب من الزلازل أو غيرها وعشان الوضع في العريش مختلف فبنعلّمهم التعامل مع ضرب النار أو القذائف".

2

منذ 3 سنوات اُفتتحت مدرسة الكنانة، برئاسة المهندس رفعت شاكر بدوي. حينها نقلت إسماعيل ابنتها الأكبر مريم (7 سنوات) إليها "مدارس وسط البلد أعدادها كبيرة والتعليم فيها مش كويس". تقبّلت السيدة العشرينية المخاطرة مقابل توفير قدر أفضل من المعرفة لولديها، حيث يستغرق وقت الوصول للمدرسة حوالي ساعة.



"مريم من كام يوم قالتلي إنهم اتدربوا على استخدام طفاية الحريق وكانت مبسوطة".. لكن الطفلة لم تكن حاضرة في أيام التدريب ضد النيران، إذ تضطر الأم أحيانا لإبقاءها في المنزل بسبب الظروف الأمنية.

اشتعال الأوضاع أو هدوءها في المدينة الحدودية يحدث دون مُقدمات "لما الليلة بتبدأ بطيران ولا انفجار بنبقى عارفين إن اليومين الجايين هيبقى فيهم مشاكل وساعتها مبوديش ولادي". تتفهم المدرسة في المقابل أزمة الغياب، تقول أبو الليل، سكرتير المدرسة، إن إعادة التدريبات واردة في ظل عدم اكتمال الطلاب البالغ عددهم 200 تلميذ من مرحلة ما قبل المدرسة (كي جي) وإلى الصف الخامس الابتدائي.

3
عند حدوث إطلاق نيران في منطقة قريبة، يتم إنزال الأطفال أسفل المكاتب الدراسية في الفصل، إبعادهم عن النوافذ، والاتصال بالحماية المدنية؛ هذا ما يفعله مُعلمو "الكنانة" عادة. أما في حالة الانفجار القريب، فيجمع المُدرسون التلاميذ في فصل واحد، يحاولون إلهائهم. وفيما يبكي بعض الأطفال، يبدأ الكبار في الغناء "واحدة بواحدة بيبدأوا يبتسموا.. وبنهزر معاهم ونتصور لحد ما الأزمة تعدي ونفعّل خطة الإخلاء". 


تذكر إسماعيل أحد الأيام التي وقع فيها انفجارا قريبا من المدرسة، إذ كان ولداها في المنزل، فاتصلت بإحدى الوالدات لتعرف واجبات اليوم "فقالتلي عاللي حصل وإن الولاد مخدوش حاجة ومشيوا بدري من المدرسة"، تقول السيدة فيما تتمتم بكلمات الحمد على قرارها الصباحي بعدم خروجهما.

4

على عكس كريمة إسماعيل، فالمسافة التي تقطعها حسناء الشايب (اسم مستعار) من منزلها للمدرسة لا تتعدى الـ500 متر "بس لازم أتوبيس برضو ينقل ابني زيادة أمان". لا تجنح الأم العاملة في التربية والتعليم بالعريش لتغييب صغيرها (5 سنوات) عن المدرسة. تعوّل على قُرب عملها ومنزلها منه "أقدر أروحله في أي وقت"، وتوقن أن الانفجار الذي قد يؤذي "الكنانة" سيصل أثره للمنزل والعكس.

تلك التدريبات التي قدمتها المدرسة لم تكن الأولى. تلقّى ابن السيدة حسناء تعليمات شبيهة في الفصل الدراسي الأول، وما يزيدها طُمأنينة حاليا "إن مدرسة الكنانة إزاز الشبابيك بتاعها كله فايبر ودة لما بيتكسر مبيئذيش". تأمين الأولاد وخطة الجودة هما جزء من محاولات المدرسة لتوفير بيئة صحية للتلاميذ "نظام التعليم عندنا متطور ومعتمد على السبورات الذكية.. من حق الولاد يتعلموا كويس أيا ما كانت الظروف" حسبما توضح أبو الليل.

5

ربما يكون حظ "الكنانة" أفضل من مُنشآت تعليمية أخرى "فيه مدرسة عندنا وقع دانة في الحوش بتاعها والحمد لله مأذتش حد" تقول إسماعيل إن تلك الوقائع تجعل قرار تعليم طفليها أصعب، فيما تُضيف الشايب أن مدرسة أخرى تحطم زجاج معظم نوافذها بفعل انفجار قريب، ما أدى لتدافع التلاميذ للخارج وحالة من الذعر.

يبلغ طاقم عمل مدرسة اللغات خمسون مُعلما، يهيئون الأطفال لما قد يقع في أي لحظة، ويساعدهم الآباء "ولادي لسة متعودوش على صوت الضرب..لما بيسألوني بقولهم إن دي حاجة مؤقتة".. تعلم إسماعيل أن ذهاب أبنائها للمدرسة ومقابلة أصدقائهم واللعب يُهون عليهم، إلا أن وليدها آدم ذو الخمس سنوات ما عاد يبتسم حين يرى المدرعات أو الدبابات "ابني عارف إن الحاجات دي معناها إن فيه انفجار أو رصاص أو موت قريب".

6

تُثمن إسماعيل التدريبات التي يحصل عليها تلاميذ المدرسة، لكنها تخاف من وقت التنفيذ "أنا لما كنت باخد تدريبات الزلزال وأنا صغيرة كنت بقول إن وقت الزلزال مش هعرف اتصرف وهموت مكاني". تشعر السيدة العشرينية أن ما يمر به أطفال العريش يفوق طاقتهم، تُشاركها الشايب في رأيها. فيما تضيف سكرتيرة المدرسة "معرفش المدارس الحكومية في العريش فيها التدريبات دي ولا لأ. بس لو مفهاش لازم الوزارة توفرها".

تستعد "الكنانة" حاليا لتنظيم أيام ترفيهية للأطفال "هيبقى ثابت كل خميس نلعب ونعمل مسابقات وندي جوايز عشان حالة الولاد النفسية. أول إمبارح مثلا عملنا يوم رياضي".

يبدو ترك العريش أمرا غير مطروحا أمام الوالدتين "المحافظات التانية بالنسبة لي مكان بزوره بس مبعرفش أتنفس كويس غير في العريش" حسبما تقول إسماعيل، تصمت قليلا ثم تستطرد "عندنا مثل بيقول الرصاصة اللي تموتك مش هتسمع صوتها.. خلينا قاعدين لحد ما نشوف هيحصل إيه".

أما حسناء الشايب فلها سبب آخر لعدم الرحيل "هحس إني مشيت وسيبت البلد للمسلحين يتحكموا فيها ودة اللي هما عايزينه"، غير أنها تُعاني من أسئلة ابنها المُتكررة "ساعات يقولي انتي هتوديني المدرسة عشان أموت؟ وساعات يقولي هو بابا هيروح الشغل ومش هيرجع؟". وفي المقابل لا يبقى أمام أهالي تلاميذ "الكنانة"، سوى استطلاع الأحوال قبل إخراج أولادهم، من خلال تواصلهم الدائم عبر تطبيق الواتس أب.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان