إعلان

بالصور.. ''عزبة النخل'' في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية: ''سيبولنا العشش''

07:21 م الجمعة 21 فبراير 2014

بالصور.. ''عزبة النخل'' في اليوم العالمي للعدالة ا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- دعاء الفولي وإشراق أحمد:

تتقدم صفوف الزي ''الميري'' بقيادة توجه دروعها، يكتمل تواجدها أسفل الكوبري المنهار أجزاءه، وبسببه انهار ''آمان'' عشرات الأسر، لحظة سقوطه ومن بعدها، يتخذ البعض مكانه لمنع التجمهر، فالحدث جلل، وآخرين في انتظار إشارة التدخل إذا ما حدث احتكاك حتى يسير عمل ''البلدوزر'' في هدم المنازل والعشش المتواجدة على امتداد البصر بمنطقة ''عزبة النخل'' منذ سنوات في هدوء، وهو ما لم يحدث.

في ذكرى اليوم الذي خصصته الأمم المتحدة كيوم عالمي للعدالة الاجتماعية قبل سبعة أعوام، كان مصراوي هناك يرصد أحوال 450 أسرة تعيش ما بين ركام بيوتهم في انتظار قرار يخبرهم عن حل ينتشلهم من عراء اجتاح الصغار والكبار، الذين لم تكن أيامهم الفائتة أفضل من تلك الأيام.

''فين العدالة الاجتماعية والآدمية اللي بيقولوا عليها؟''، تساءل ''زين العابدين عثمان''، عقب تضرره مما ألم بهم، أصبح الهدف العودة للعشش مرة أخرى، فهو وجزء كبير من السكان كانوا قد دفعوا مقدم لشراء الغرف التي يعيشون بها ''كنا بندفع 10 آلاف جنيه خلو رجل''، ثم يتراوح الإيجار الشهري بين المائة والمائة وعشرين جنيها، حسب مساحة الغرفة، والتي لا تزيد في الغالب عن مترين في مترين ونصف المتر، ورغم أن معاشه بالكاد يكفي ''أنا مش عايز الفلوس خلوا الدولة تاخد المعاش بتاعي بس يجيبولي بداله بيت أسكن فيه''.

الوجه كان شاحبًا جراء قلة النوم، والعين تدمع لا ينضب ماءها، عكازين استخدمتهما ''عزة فتحي'' أحد سكان ''العشش'' ليحملا قدماها ''أنا ست عاجزة ومعايا 3 عيال نروح فين''، لم تحب أم الأولاد الحياة في العشش قبل الهدم على العموم ''إحنا كنا بنشرب مية مجاري وعايشين في أوضة ضيقة وساكتين''، فوجئت بما حدث بعدما عادت من بلد والدتها ومعها الأبناء وبينهم بنت مُصابة بمرض في القلب ''جيت لقيت البيت مهدود الحاجات كلها لسة جوة''، تتحدث بينما تشير بيدها لكوم من الركام، لم تفهم إلا أن أخبرها الجيران المنكوبين بما حدث، ومع ذلك لم تبرح مكانها ''احنا ربنا يعلم بينا بننام بليل ازاي ومعناش حاجة البطاطين ناس جابوهالنا ومش كلنا خدنا''، يحاول السكان إشعال بعض من القمامة الموجودة للتدفئة رغم الخطر ''العيال صدرهم تعبان ولو حريقة قامت مش هنعرف نلمها بس لازم نتدفى المحافظ بيقول شالوا الركام مع إنه لسة موجود''، أما حصر السكان للانتقال فقد جاءها الموظفون كغيرها دون نتيجة حتى الآن ''قالوا اللي معاه عوايد للكهرباء هياخد الشقة قدمنالهم الورق ومفيش حاجة''.

تطور الأمر مع ''سيد محمد'' وبعض السكان للمطالبة بعزل وزير الإسكان ''هو قاعد بيعمل إيه في مكانه وسايبنا في اللي إحنا فيه هنا''.

''البعض كان حظهم أسوأ من الآخر، سقط المنزل ومعه الأثاث والأوراق التي تثبت الملكية كـ''شامة محمد''، السيدة الثلاثينية التي تمكث عند والدتها منذ سقوط البيت، لكنها تأتي لتجلس في الأرض مع البقية طوال اليوم، تحاول كسب عيشها بتنظيف بعض المنازل، كانت في العمل عندما بدأت عملية الهدم، لم يكن في منزلها سوى ''إسراء'' ذات الاثنى عشر عامًا ''لقيتهم داخلين عليا البيت وبيقولولي أطلعي برة هنهد البيت، قعدت أصوت وخفت''، خرجت من المنزل دون أن تُحضر شيئًا معها.

مستندًا على دراجة بخارية، وقف ''محمد صابر''، هكذا يفعل قبل أربعة أيام منذ إزالة منزل أسرته الصغير، ينفث دخان سيجارة وينتظر، يتحدث لأحد الجيران تارة ويصمت أخرى، داخل دفتر احتفظ بجميع الأوراق التي استطاع انقاذها قبل الركام، تلك الحالة التي بات عليها منزل والده المتوفي قبل عام، ينظر له فتحمل كلماته أسى مضاعف، فمهندس الاتصالات أصبح رفيق الطرقات بلا مأوى، يذهب لعمله بالصباح ليأتي إلى الركام لحفظ حقه.

جميع أوراق الملكية الثابتة لحقه بالبيت ذو الطوب الأحمر برفقته، الشاب العشريني الذي صاحب المكان منذ ولادته، وتلقى تعليمه حتى حصوله على بكالوريوس هندسة القاهرة بتقدير جيد، لم يشفع له تعليمه العالي المخالف لكثير من أهالي منازل عزبة النخل في الحصول على سكن ''قدمت في سكن الشباب من2008''، أعوام تلو الأخرى حتى جاءه رد موظف استقبال الطلبات ''إحنا بنسكن حبة وباقي الطلبات بنرميها''.

شهادة إثبات زواجه كانت بين الأوراق التي أنقذها ''صابر'' قبل دقائق الهدم الذي لم ينتظر صغيرا ولا كبير، هى كل ما يحمله الشاب منذ 2012 حيث ''كتب الكتاب''، لم يجتمعا معًا تحت سقف واحد، فالأمر مؤجل حتى الحصول على شقة، ليأتي وفاة والده ومن بعدها تشريد أسرته.

مجيء الحصر للأسر باسم والد ''صابر'' المتوفي، جعلهم من الباقين بين الركام حتى اليوم لأن ''الحصر اللي جاي بتاع 2008'' حسبما قال وليس آخر حصر تم القيام به في 2012، فالوعود بالانتقال تأتي منذ 2008، لكن الرد لم يأتي إلا بعد سقوط الكوبري الذي تم اتهام أصحاب تلك البيوت أنهم السبب به.

''فين بقى كرامة الناس دي'' تقولها من تجلس بجوار الشاب المهندس، الذي لم تعد ذاكرته تحمل تواريخ أو تفاصيل سوى ذلك اليوم و''الإهانة'' التي أبصرها من قبل قوات الأمن ''مركزي وضباط رتب وفرقة شرطة نساء'' للأسر ''الستات كانت بتتشتم بألفاظ ماتتقالش''، فمصير من كان يتمسك بغرفته الصغيرة الخروج بالقوة ''واحد قال للضابط هولع في نفسي لو هديت البيت رماله علبة كبريت وقاله ولع''.

محاولة ''صابر'' رغم 4 أيام لم يذق بها طعم النوم إلا قليلًا لمعرفة الحل بدلًا من سكن الشارع لم يكن له سوى إجابة الضابط ''إحنا سلطة تنفيذية مش بإيدينا حاجة''.

لم تقتصر مأساة ابن السادسة والعشرين على فقد منزله وما احتوى عليه بل ''في حاجات تبع الشغل بحوالي 15 ألف جنية'' أنقذ منها ما تمكنت يداه والباقي ما كان الركام مصيره.

''كل حاجة ضاعت الحمد لله.. طيب أنا شاب وممكن استحمل لكن الناس اللي معاهم أطفال صغيرة تعمل إيه''، متذكرًا كيف آل الأمر لنقل من وقع عليهم الحصر في اتوبيسات وعربات آخرى ''زي بتاعة الزبالة'' لنقل احتياجاتهم المتبقية، مؤكدًا أن ذلك ما ظهر للشاشات بينما كان الطرد والضرب والسب خلف المشهد الذي منع الضباط تصويره فكان مصير من يفعل ذلك مثل الشاب الذي حاول تصوير ''ضربوه ودخلوه المدرعة''، بينما انتظر احتجاز أحدهم فالغضب الكامن في النفوس كان كفيل لإخراجه عن حق حسبما ذكره بينما ''كانوا عارفين بيعملوا أيه'''' حسبما قال.

''لا غنى عن التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية لتحقيق السلام الاجتماعي والأمن وصولهما داخل الدول وفيما بينها وأن لا سبيل بالتالي إلى بلوغها التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية دون أن يسود السلام والأمن ويشيع احترام جميع حقوق الانسان والحريات الاساسية'' مادة أوصت بها الأمم المتحددة في تقرير تخصيص يوم 20 فبراير للعدالة الاجتماعية، الذي حل بالأمس.

كانت تسير فوق الركام المتناثر بتؤدة، في جلباب وغطاء للرأس من اللون الأسود، تتحامل على جسدها الهزيل، تضع يدها فوق بطنها الحامل بطفل لم يرَ الدنيا بعد، كأنما تتأكد من أنه مازال هناك بعد ما حدث. لم تكن ''حنان حسين'' ذات الاثنين وثلاثين عامًا تعلم أن مآلها وأولادها الثلاثة سيكون الشارع، تحاول أن تتعايش مع الوضع الجديد بعد ''الطرد''.

''كنا في البيوت وخرجونا وقالولنا لو مخرجتوش هنهد البيت'' قصتها كباقي سكان العشش، تشتكي نقص الموارد الآدمية، سكن، وطعام، واهتمام صحي ''احنا كنا بنقول العشش وحشة بس أهي كانت أربع حيطان على الأقل''، عندما جاءت القوات لتبدأ عملية إخراج السكان.

كان ''كريم'' الصغير ذو الخمس أعوام معها، دون مقدمات خرج مع والدته، دقائق وبدأت نوبة السعال بسبب التراب الناجم عن هدم العشش، ومع مرضه بعيب خلقي في القلب منذ الولادة؛ أصبح الوضع أكثر سوءًا ''اضطريت أودية مستشفى البكري وأركبله أوكسجين وإلا كان راح فيها''، بينما خرج ''حسين'' الأخ الأكبر ذو الثماني سنوات خلف الوالدة، يعرج بقدم واحدة بعد أن مرضت الأخرى بسبب حادثة سيارة، والوالد ''طه سيد'' يتحاور مع الضباط ''كان بيقول للظابط هنروح فين وبعدين اتنرفز عليهم فكانوا هياخدوه لولا أنا سلكته بالعافية من الخناقة''.

الموت داخل ''العشة'' الصغيرة أهون من النوم في الشارع على حد قولها ''أنا واحدة حامل في الشهور الأخيرة لو جرالي حاجة في الشارع هعمل إيه كانوا موتوني مع العشة وخلاص''، لا تريد سوى ما وُعدت به ''قالولنا قبل كدة في 2012 هيدونا شقق فين دي؟''، إذا تطور الحال للأسوأ فلن ترحل أيضًا ''لو مرضيوش يدونا شقق هنجيب خشب ونبني هنا بيوت''.

''الحكومة تمارس نوع من الوصم الاجتماعي ضد الشعب المصري اللي كتير منه عايش في عشوائيات وتعاملهم باعتبار أنهم بلطجية'' قال ''سامح سمير'' الباحث في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، معلقًا على قرار الحكومة بهدم منازل وعشش ''عزبة النخل'' مع تأكيده على تراجع مصر في مجال العدالة الاجتماعية.

''أوضة إيه يا إرهابية يا بلطجية'' بدموع كالتي التهبت وجنتيها بها يوم أن تحركت قوات الأمن قبل يومين لهدم المنزل الحاوي لغرفتها تذكرت ''زينب السعدي'' الكلمات التي تلقتها من أحد الضباط فور صراخها ووقوفها أمام ''البلدوزر'' لمنعه أو الانتظار حتى إخراج أشياءها وأولادها.

''السعدي'' تستأجر تلك الأوضة مقابل 100 جنيهًا، كحال الكثير ممن لا يمتلكون منزل مستقل منذ 12 عام لذلك لم يأت الحصر لتوزيع شقق المحافظة باسمها ''أصحاب البيت أخدوا الشقق وماسألوش فينا''، هدم الغرفة لم يكن مصاب السيدة الثلاثينية فقط بل المعاملة التي ''طردت'' بها من منزلها ذات الباب الخشبي الآوي لها وطفليها الأكبر سنًا فيهم ''عبد الله'' البالغ عشر سنوات بعد أن طلقها زوجها.

''مش همشي من هنا'' آخر كلماتها قبل أن يتم رفع السلاح وتحريك الأجزاء في وضع الطلق صوب وجهها من قبل أحد الضباط الذي تحفظ ''السعدي'' ملامحه عن ظهر قلب'' أطلعه من بين كل الظباط'' وتتذكر كلماته بأنهم ''خطر على الأمن القومي'' و''بلطجية ديتهم رصاصة'''' لتتساءل حتى اليوم الذي ينضم لسابقيه لم تذهب بهم إلى عملها بإحدى المصانع ليضيع عليها 20 جنية تتحصل عليهم تخصم منها من 600 جنية دخلها من العمل وما كان يكفي احتياجتها قبل الهدم.

تتوالى الأسئلة تطاردها مع دموع ابنتها ''سعاد'' التي ارتعش جسدها جراء الموجة الباردة لولا ''واحدة في الشقق اللي قدامنا إديتها جاكت''، ظلت تقول ''في مسؤول يرضى يبات في الشارع كده.. والله ما غيرت العباية اللي عليا يرضي مين ده''.

وعلى جانب من الركام بينما يظهر على مسافة عدد من النخيل المعبر عن سمت اسم المنطقة ''عزبة النخل''، لكنه تشبع بدخان الخشب المتوالي حرقة منذ الهدم، هناك كان منزل ''عزة أحمد'' لكنها آثرت الانضمام إلى جمع ''المصاب الواحد''، لتحتضن ابنتها الرضيع، تحاول أن تسقيها ما تحصلت عليه من مقهى قريب ''حبة ينسون دفعلي حقهم واحد ومش راضية كمان تشربهم''.

30 عامًا تعرف السيدة العشرينية المطلقة أن المنزل ذات الطوب الأحمر ملك لوالديها المنفصلين، كما تعرف أن بابه هو كل ما يأويها وأبنائها الثلاث الذين اضطرت ترك الكبار منهم لدى الجيران ''عشان مايقولش عايز أكل'' واستبقت على الصغيرة لترضعها.

''غزوة'' الاسم التي منحته السيدة العشرينية لابنتها التي ولدت قبل ثلاثة أشهر، وهو المعنى الذي أصاب الأم ''عزة'' لحظة هدم منزلها، الذي لم تنقذ منه شيء فهمها الأول والاخير الذي هروت من أجله فور سماع الخبر عبر مهاتفة أحد الجيران لها وقت الظهيرة أثناء عملها بإحدى البيوت في منطقة ''الألف مسكن'' وظلت تصرخ به طوال الطريق ''العيال'' الذين تتركهم يوميًا في السابعة صباحًا من أجل الحصول على 30 جنية مقابل ''بخدم في بيت''.

''المصري البسيط في الشارع مش هيفرق معاه المصطلح الأيدولوجي هو عارف أن له حقوق وعارف هى إيه بس المشكلة هو مش عارف يطلبها من مين'' قالها ''سمير''فالشعب المصري وفقًا له رغم كل شيء يريد ''عيشة كريمة''.

''بطاطيني وهدوم عيالي'' صرخت ''عزة'' بعدما أطمئن قلبها على أبنائها الوقوف جوار حطام المنزل الذي كان يأويها، وتنام خلف بابه تتلمس الأمان منذ عامين بعد طلاقها من زوجها الذي لم تجد كلمات تنطلق على أفواه الضباط رغم تأكيد انفصالها عن والد ابنائها ''هو فين طليقك ده''، بينما كل ما يجول بخاطرها ''اروح فين ...أبات فين بالليل'' فاندفعت بصرخة أخرى أعلى ''هدوا البيت عليا هاتوا لي إقرار اكتب لكم فيه أني قولت لكم كده''، فتلك الغرفة ''الأمل اللي سابتهولي أمي'' لا تريد غيره ولو المقابل المبيت في الشارع انتظارًا شقة أكبر سعة وهدمها ما هو إلا ''ضياع كل حاجة''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان