إعلان

ريفيو- رحلة فتى أسود يبحث عن نفسه تحت "ضوء القمر"

08:06 م الأحد 26 فبراير 2017

رحلة فتى أسود يبحث عن نفسه

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

يظلّ قلب المرء على جمر، إن لم يُنجز ما يُرضيه، بعدما ضرب الأولاد الفتى "شايرون"، وتفجّر وجهه بالدم، قرر ألا يكون خانعًا كما هيئته، في اليوم التالي كسر الكُرسي على ظهر خصمه بالمدرسة، ومنذ ذلك الحين غيّر جلده تمامًا.

لم يكن الفيلم المرشح لنيل ثمان جوائز أوسكار، "ضوء القمر" أوmoonlight"، مُجرد عمل سينمائي، يُشاهده محبو الأفلام، بل إعادة خلق بين مخرجه وكاتب العمل المسرحي المقتبس عنه، لينتج عنه أناسًا من لحم ودم، وبطلًا وضعا فيه كل حيرتهما وتساؤلاتهما.

مع بداية الفيلم، المقتبس عن العمل المسرحي "في ضوء القمر يبدو الأولاد السود زُرق"، يرى المشاهد سيارة زرقاء يركبها موزع المخدرات خوان "الممثل مارشالا علي"، وهو شخصية مقتبسة من والد مؤلف العمل "تاريل ماكرلي"، الذي يُصادف ولد صغير، حجمه قليل وهشّ، يُطارده زملائه، فيختبأ بإحدى الشقق الخالية.

1

حتى يُنقذه خوان ويصحبه بعيدًا، يُحاول الاستفسار منه عن اسمه وبيته، لكنه يصمت نهائيًا، لا يسمع أحد صوته سوى بعد مرور تسع دقائق منذ بداية الأحداث، فيقول "اسمي شايرون، لكن الجميع يُطلق عليّ "ليتل" أي صغير".

2

ليتل ثُم شايرون ثم بلاك، هم أسماء المراحل الثلاثة التي انقسم إليها الفيلم، وأدى أدوارها ثلاث، كل مرحلة تُرينا كيف تطوّر الصغير، وإلى ماذا صار، منذ البداية نعرف أن الصبي تُربيه أمه باولا المدمنة، التي تُشبه والدتا ماكارني وجينكينز.

هو طفل يفتقد إلى الأمان، الذي يجده في خوان، حيث يأويه إلى بيت صديقته اللطيفة، ويُعلّمه موزع المخدرات السباحة التي تكون أشبه بـ "مشهد المعمودية"، كما قال علي في إحدى الحوارات.

3

يبدو أن الفيلم يستلهم من عنوانه ألوانه الخاصة، حيث تظهر كثير من مشاهد الفيلم باللون الأزرق، كما رُشّح العمل لنيل جائزة أحسن تصوير للمصور "جيمس لاكستون"، فضوء القمر حينما يُطل على مياه البحر يُصبح أزرق.

4

وأشهر الملامح بميامي، موطن الفيلم وصناع العمل، هو البحر، الذي يكون جزء أصيل من العمل السينمائي. يستخدم المُخرج عدد من العناصر التي تزيد من زرقة الفيلم، كما كان لون حقيبة "ليتل"، وأبواب المدرسة التي يتعلم بها، كذلك سيارة خوان، والضوء النيون الضارب بلون أزرق.

التساؤل كان المحور الخاص بفصل "ليتل"، يسأل خوان ماذا يعني "لوطي"، وهي الكلمة التي يستخدمها زملائه في المدرسة للسخرية منه، يُجيبه خوان أنها كلمة سيئة وعليه ألا يدع أحدًا يناديه بهذا اللقب. أما في فصل "شايرون"، وهي مرحلة المراهقة، كانت رد عن ميوله الجنسية، وتجربته الأولى التي جعلته يعرف أنه مثلي الجنس.

5

يُصوّر الفيلم دومًا "شايرون" وهو بعيد عن الجماعة، نشأته وتكوين شخصيته جعلاه لا ينتمي لأي مجموعة، مُتردد في بدء علاقاته سواء الصداقة أو غيرها، لذا كان محور عنف زملائه بالمدرسة، لم يجد صديقًا له سوى "كيفن"، ويُصبح بجانب خوان مصدر الأمان بالنسبة له، حيث لا يستقيم لسانه في الحديث سوى معه.

تمكّن الثلاثة ممثلين لشخصية "شايرون" من أداء أدوارهم، "ترافنتي رودس" و"أشتون ساندرز" و"أليكس هيبرت"، والتعبير عن حالة البحث عن الذات التي ظهر بها بطل القصة، ولم يتعرف أي من الممثلين على بعضهم سوى بعد الانتهاء من الفيلم، فجاء الأداء طبيعيًا إلى حد كبير.

6

كان لخوان تأثيره القوي على شايرون، حيث قرر شايرون إنهاء حالة الضعف التي تحاصره في مرحلته الثانية، ربما ترددت كلمته التي قالها لها في الفصل الأول، حيث قال خوان "سيأتي عليك وقت تقرر فيها ماذا تريد بنفسك".

7

تأثير خوان امتد إلى حماية شايرون لنفسه، وأن يُشبه مُعلمه موزع المخدرات، فلم يكن نفسه كما يجب، بنى صورة قوية له، غير أن زيغ عينيه دلل به على صدقه كما في حواره الأخير مع "كيفن" الذي سأله "من أنت؟"، احتار شايرون بالإجابة، إلا أن مُخرج العمل استطاع الردّ على ذلك السؤال في إحدى الحوارات، حيث قال "أعرف شباب نشأوا بمثل هذا الشكل، أناس لم يكونوا جيدين أو أشرار، هم صنعوا خيارات سيئة فحسب".

8

غلّفت الموسيقى التصويرية الفيلم بحالة شاعرية، مدّت خيطًا يرافق شايرون في رحلته، ما بين الهدوء الذي ظلل أجزاء من العمل، تُشبه تساؤلات الفتى التي تعتمر داخل نفسه دون الغليان، ثُم التوتر والسرعة التي تقوم بأدائها آلات وترية مع الحالة المستعرة بنفسه أثناء اتخاذه قرار يفصل ما بين مرحلتين في حياته.

يُعتبر الفيلم هو ثاني أعمال جينكيز بعد مرور وقت طويل عن آخر فيلم له أثار ضجة، إلا أنه صنع هذه المرة عملًا حقيقيًا، فاستطاع به العودة على الساحة مُجددًا. لم ينتهي "مونلايت" بشكل مأساوي.

بل ترك الباب مفتوحًا لشايرون، هل سيأخذ خيارات سيئة أخرى، أم سيتمكن هذه المرة من العودة إلى نفسه الحقيقية، بعد أن ظلّ طيلة أعوام قوته لا يعبر عن هويته، يقول جينكيز في حوار له عن فيلمه "أحيانًا يستغرقك ثمان سنوات للوصول، وأحيانًا أخرى يستغرقك العمر كله".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان