..وانقطعت الخدمات الصحية

على مدار سنوات، عانت صباح (اسم مستعار) من مرض الفشل الكلوي، وكانت تتردد على المستشفى الجمهوري للقيام بجلسات غسيل كلوي، والذي لم يبعد عن منزلها سوى مسافة لا تتجاوز نصف الساعة، حتى ضاعف الحصار معاناتها، وبات يشكل تهديدًا كبيرًا على حياتها واستقرار عائلتها، وحوّل الرحلة القصيرة إلى عملية مليئة بالمشقة تستغرق أكثر من ٦ ساعات.

زاد الخناق الذي فرضه الحوثيون على المنطقة صعوبة الانتقال والحصول على العلاج؛ إذ حددت إدارة المستشفى مواعيد خاصة بالجلسات وإذا تأخرت على أحدها تضطر إلى تحديد موعد جديد، فأصبح من الممكن أن تتدهور حالتها في أي وقت.

بعد مضي نحو سبع سنوات من اندلاع الحرب في اليمن، بات الوضع الصحي هشًا إلى أقصى درجة ويعاني من أضرار وخيمة، وتشير التقديرات- حسب منظمة أطباء بلا حدود- إلى أن حوالي نصف المرافق الصحية خرجت عن العمل بصورة جزئية أو كلية، إلى وهو ما يرجع إلى عدم دفع رواتب الطاقم الطبي إما جزئيًا أو كليًا، وإلى نقص الإمدادات والتجهيزات الطبية والموارد المالية والأوكسجين والوقود اللازم للمولدات.

تعيش صباح -اسم مستعار- وعائلتها في ريف تعز، ومنذ بدء الحصار لم يعد متوفراً لديهم بالمنطقة أي نوع من الخدمات الصحية، ومع استمرار محاصرة المدينة وغلق الطرق الرئيسية، اضطر الزوجان إلى بدء رحلتهما في الليل كي يتمكنا من الوصول قبل موعد الجلسة بساعات، ولم يجدا أمامهما غير طرق صعبة ووعرة، وفي بعض الأحيان كانا مجبرين على المبيت في الشارع حتى يحين موعدهما في المستشفى، فلا تسمح لهما ظروفهما المادية باستئجار غرفة لقضاء ليلتهما بها، فأمسى الشارع ملجأهما الوحيد.

الوضع الطبي حرج في تعز، حسب تيلا محمد، رئيس بعثة أطباء بلا حدود في اليمن، مُضيفًا: "ونشهد كل يوم مصابين بحالات طبية مختلفة في المستشفيات تسبّب بها النزاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة"، ونتيجة إلى تفاقم الأزمة الصحية في اليمن، يتعرض الآلاف من اليمنيين إلى خطر الموت والمرض بصورة متزايدة.

يتأثر جميع الناس تقريبًا بالوضع، إلا أن العبء يزداد على الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية المتخصصة من بينهم صباح، خاصة وأن خطوط المواجهة تقطع الطرق المؤدية إلى خدمات الرعاية الصحية أمام السكان على كلا الجانبين.

خلق الحصار فجوة كبيرة في توفير الرعاية الصحية للنساء والأطفال، كما أن هناك خطر انتشار الأمراض المعدية، كتفشي الحصبة والعنف وكوفيد-19 والكوليرا وغيرها، حسب تيلا محمد، موضحًا أن المنظمة تعاني في تعز من نقص في الأدوية بصورة منتظمة بسبب التأخيرات الجمركية على الميناء عند الدخول إلى البلد وعلى نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلد؛ ما يجبر الأطباء والعاملين في المجال الصحي على ترشيد استهلاكهم للأدوية ضمن المستشفيات التي تديرها المنظمة أو تدعمها وعلى تأمين بدائل للإمدادات، والتي غالبًا ما تأتي بتكلفة أعلى، وتصل خلال فترة أطول، علاوة على ذلك لا تتوفر بعض الإمدادات التي يحتاجها المرضى.

ونظرًا للانهيار الذي أصاب خدمات الصحة العامة في اليمن وتدمّر البنى التحتية للمياه والصرف الصحي، عادت بعض الأمراض المميتة بقوة، بالتزامن مع معاناة المستشفيات القليلة التي مازالت تعمل في تعز من نقص الأدوية والإمدادات الضرورية، فيما يعمل ما تبقى من موظفين على مدار الساعة في ظروف صعبة وغيرآمنة، حسب أطباء بلاد حدود.

بعد انتهاء الجلسة، تجد صباح نفسها في حالة يُرثى لها، وينصحها أطباؤها بالراحة عدة ساعات، ولكنها لا تجد طريقة للقيام بذلك؛ إذ تخوض رفقة زوجها نفس الرحلة الشاقة كي يتمكنا من العودة إلى أطفالهما، فتعود إلى البيت في حالة إعياء شديدة تجبرها على البقاء في سريرها لعدة أيام، قبل أن تعيد الكَرَّة من جديد.

القصة التالية