هنا تعز المحاصرة
هنا تعز المحاصرة
لا يمر يوم على اليمني أحمد علي صالح، في منطقة الزهراء الحدودية المحاصرة بتعز، إلا وهو يتمنى الموت ليريحه من مأساته التي بدأت قبل حوالي ستة أعوام وتستمر إلى الآن، مع غياب أي حلول قريبة لإنهائها.
فرض الحوثيون، في بداية ٢٠١٥، حصارًا على المدينة- ثالث أكبر المدن في البلاد- بعد عمليات عسكرية ومعارك عنيفة، واجهت فيها المليشيات المسلحة قوات الجيش والمقاومة الشعبية، ورغم نجاح القوات الحكومية في ٢٠١٦ من كسر الحصار جزئيًا من الجهة الجنوبية الغربية للمدينة، وتأمين الطرق التي تربطها بالمحافظات الجنوبية، إلا أن السكان يعيشون معاناة حقيقية تزداد يوميًا، ما أحدث كارثة إنسانية تتفاقم مع مرور الوقت.
عدم تحرير المدينة بأكملها خلق شعورًا بالغضب داخل نفوس الحوثيين، صبوا ضيقهم على المدنيين حتى الشيوخ والنساء والأطفال. يقول الدكتور عبدالإله الزبيدي- ناشط يمني في تعز- إن الجميع يعاني من الفقر عدم وجود المياه، الكهرباء، "لا نستطيع شراء حبة التفاح، أو البرتقال، وكافة المواد الغذائية".
تستولى عصابات النهب، التابعة للحوثيين، على ممتلكات المدنيين، البيوت، موتور رفع المياه والكهرباء، ويضعون أيديهم على المساعدات والمواد الإغاثية التي كانت تقدمها لهم المنظمات مثل برنامج الأغذية العالمي.
الحذر والترقب يسيطران على أهالي تعز طوال الوقت، بالإضافة إلى محاولاتهم لتفادي رصاص قناصة الحوثيين الموجودين في كل مكان ويقتلون حتى الأطفال، حسب شهادات أبناء المنطقة، لم يجدوا أمامهم – بعد إغلاق المعابر- سوى طريق وعر استحدثوه، عبارة عن ١٢ كيلومتراً في منطقة جبلية ترابية، "لا يستطيع الحمير أو الدجاج السير فيه" حسب عبدالإله الزبيدي، وبالتالي أصبحت المسافة التي كانوا يقطعونها في السابق في غضون دقائق تتطلب ثماني ساعات على الأقل.
ومع استمرار الحصار، لم يجد أهالي المناطق المحاصرة في تعز من الحوثيين سوى وحشية التعامل والقسوة الشديدة، والتهديدات المستمرة مع الضغط عليهم بإيذاء أطفالهم وتدمير بيوتهم، "يتعاملون معنا كعبيد وأسرى ويتحكمون بنا"، حسب أحمد علي صالح، وزاد اختناقهم في ظل عدم السماح لهم بالخروج إلا ساعة واحدة يوميًا، لجلب قوت يومهم، إن وُجد.
لعل أكثر ما يعاني منه أهالي تعز الآن هو غلاء المعيشة، وتأخر حصولهم على المستلزمات اليومية للعيش، كما الطعام والماء، "نحصل على المياه إذا رحمنا الله ونزل علينا المطر ويمكن من المستنقعات"، يقول أحمد علي صالح، الذي تعرض منزله لقصف الحوثيين، ولكنه تمكن من النجاة هو وأبنائه.
ومن أجل شراء احتياجاتهم اليومية يحتاج مواطنو تعز إلى الذهاب إلى المدينة، أحيانًا يستغرق الأمر أسبوعاً و"أحيانًا أخرى لا نتمكن من الوصول إلى هناك، لذلك إذا لم نحصل عليها، نتبادل الأشياء فيما بيننا".
خلال فترة الحصار، أي منذ بداية عام ٢٠١٥، اعتمد أهالي المنطقة اليمنية، التي كانت يومًا ما مركزاً صناعياً وثقافياً لمواطنيها وأهالي البلد بأكمله، على التكافل وتبادل الطعام والشراب فيما بينهم، "هذا ما ساعدنا على النجاة حتى هذا اليوم" يقول أحمد علي صالح.
ألقت الحرب بأثقالها على الأطفال، الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس نظرًا لضيق الحالة المادية وخطورة الأوضاع الأمنية، علاوة على ذلك حوّل الحوثيون بعض المدارس الموجودة في المنطقة- كان هناك أربع أو خمس مدارس- إلى ثكنات عسكرية، فيما انهارت أخرى تمامًا جراء القصف المستمر.
ورغم ذلك لا مأوى لأهالي تعز إلا مكانهم، يقول عبدالرؤوف عبدالسلام، المتواجد على الحدود الغربية لتعز: "لا مكان لنا إلا هنا، بسبب الظروف المادية، المعيشية، السكن، وفي ظل غياب الدولة، إلى أين الواحد يذهب، والشكوى لله."
البحث عن نقطة مياه
المأساة تطال الجميع هنا في تعز، الآلاف شردوا من ديارهم، القتلى والجرحى في كل مكان، شح المياه كانت المعاناة الأكثر صعوبة من الرصاص، "ندرة المياه" في تعز مشكلة قديمة، فاليمن تعتبر من أفقر 10 بلدان مائية.
قبل الحرب كان سكان تعز يحصلون على أقل من ربع احتياجاتهم من مياه الشرب من الشبكات العمومية، الباقي توفرها الآبار، لكن بعد الحرب أصبح الحصول على المياه أكثر تعقيدا بل مميتًا، المواطنون يمكن أن يمكثوا لساعات طويلة في طوابير من أجل الحصول على نحو 20 لترا أو 10 لترات من المياه تكفيهم لأيام.