أَمّا الفِراقُ فَقَد عاصَيتُهُ فَأَبى وَطالَتِ الحَربُ إِلّا أَنَّهُ غَلَبا
ابن حيوس
هُناك من يرَى الحبَّ حيَاة، وهُنَاك منْ يَراه كذِبة، فيما يرى أبو غياث السوري الحب وقت الحرب مغامرة بكل شيء، قلبه وعقله وفكره.
التقى الشاب الذي عمل مُراسلاً صحفيًا بحبيبته ليلى، زميلته في العمل، في عام ٢٠١٨، وتعرفا عبر الفضاء الإلكتروني، وتطورت العلاقة وتحول الود إلى الحب، وصاحبته أحلام بالزواج وتأسيس عائلة، لكن الصراع البادئ في سوريا منذ أكثر من عشرة أعوام كان أقوى منهما.
بدأت علاقة أبو غياث وليلى في وقت ساد فيه بمدينة إدلب، شمال غرب سوريا، هدوء نسبي، ولكن الأمور لم تدم طويلًا على هذا النحو، اشتدت حدة القصف في ريف المدينة الجنوبي، وكانت فتاته من سكان المنطقة التي تعرضت للقصف بصورة مستمرة، "كنت في حالة قلق دائم بسلامتها وسلامة أهلها وسلامة أصدقائي"، وزاد القلق بعدما فقدا القدرة على التواصل مع انقطاع شبكات الإنترنت وضعف خدمات الاتصال.

اتقدت مشاعرهما، فيما بات اللقاء مستحيلاً؛ فهي مُحتجزة في إدلب، مع استمرار القصف وحصار قوات النظام السوري المدعومة من روسيا للمدينة التي تعد آخر معاقل المعارضة، بينما يعجز هو عن الوصول إليها لأنه مطلوب أمنيًا، وينتمي إلى أقلية تتعرض لاضطهاد من قبل المُتشددين الذين يسيطرون على أماكن في المنطقة، ما سلبه حرية التحرك والانتقال.
وكما كثيرين من مواطني إدلب، احتمت ليلى وعائلتها بالأقبية في إدلب، نزلوا أسفل المباني السكنية لتقليل حجم الأضرار الناجمة عن القصف المستمر، ولم يكن أمام الحبيبين سوى دقائق معدودة للتواصل: "كانت تحكيني وتقولي أنا سامعة صوت الطيارة ع السريع وتنزل، وتحمل حالها وتنزل وأنا قلبي يضل بإيدي لحد ترجع تبعتلي".

خلال الحرب السورية، ومع اشتداد القصف عمل بعض الأشخاص كـ"مراصد" انطوت مهام عملهم على مراقبة الطيران، وتحديد جهة الطائرات الحربية، وإبلاغ المواطنين عبر تطبيقات إلكترونية كان بالإمكان تنزيلها على الهواتف الذكية، لجأ إليها أبو غياث السوري كي يطمئن قلبه على حبيبته ليلى، يتذكر أنه "أغلب الأحيان طول ما أنا فايق حاطط السماعات في أذني ومشغل البرنامج عشان أعرف وين بيتم القصف".
كان أبو غياث يشعر كأنه يموت ببطء عندما يخبره التطبيق عن استهداف الطائرات لقرية حبيبته، وفي النهاية تعقدت الأمور، واضطرت ليلى إلى النزوح.
علم الشاب السوري بنزوحها عبر رسالة نصية "بتذكر إنها قالتلي (احنا طالعين.. بحبك كتير)".
لم ييأس أبو غياث، حاول الوصول إلى إدلب، التي تنافست عليها تركيا وقوات الأسد حينها، فتواصل مع مُهربين كي يساعدوه على التسلسل إلى الدخل، ولكنهم طلبوا "مبالغ خيالية وصلت إلى 10 آلاف دولار".
مخاطر التواجد في إدلب عديدة والأوضاع هناك غير مُطمئنة، لذا لم يكن أمام الشاب السوري سوى الهروب إلى لبنان في أواخر 2018، أملاً في الوصول إلى تركيا القريبة من حدود إدلب، وإخراج حبيبته ليلى، ولكن القدر لم يقف جوارهما كذلك، فلم يكن بحوزتها جواز سفر.
حسم أبوغياث الموقف، وأنهى هذه المعادلة الصعبة بإنهاء العلاقة "ما كان فيا خليها تنطرني أكتر من هيك، أنا بلبنان ما معي أوراق ممكن يمسكوني بأي وقت، ويرحلوني لسوريا ويسلموني لأجهزة الأمن".
وبعد انقضاء عام على غربته في لبنان، علم أبوغياث بنبأ ارتباط حبيبته عاطفيًا واستعدادها للزواج، ورغم قسوة هذا الموقف يقول إنه يدعو لها دائمًا "الله يسعدها ويهنيها".
الأوضاع الإنسانية في سوريا
المصدر- الأمم المتحدة ومنظمات مجتمع مدني