لم يعدْ صدرُ الحبيبِ موطني.. لا ولا أرضُ الهوى مهدٌ لأرضي
مانع سعد العتيبة
حدث الأمر سريعًا، لا يدري محمود القاسم كيف انجذب لزميلته سلوى. قابلها أول يوم في الجامعة بمدينة الموصل عام 2006، الشاب العراقي من خارج محافظة نينوى، والحرب الأهلية كانت مستعرة بين عدة أطراف "وقتها كان الناس ماكو (لا يستطيعون) يسألوا بعضهم عن الدين أو الطائفة"، اعتقد الشاب أن حكايته مع سلوى قد تصل لنهاية سعيدة، لكن اختلاف طائفتهما فرض العكس.
كان عام 2006 مشتعلًا، بدأ بتفجير في ضريح العسكريين في مدينة سامراء ذات الأغلبية الشيعية، وعلى مدار العام حدثت مئات التفجيرات في مناطق شيعية وسنية أدت لإزهاق آلاف الأرواح "وكانت الموصل الأكثر تأثرًا بذلك ومحافظة نينوى كونها تضم كافة الاتجاهات الطائفية والقومية والدينية والثقافية بالعراق" يقول القاسم.

القاسم من الطائفة الشيعية الجعفرية، وهي أقلية مذهبية في الموصل، لذا جعل علاقاته في الجامعة محدودة، لكن افتتانه بسلوى- التابعة لمذهب مختلف- لم يتغير "كنت أراها ممكن مرة بالأسبوع في الكلية"، لم تُتح له الفرصة ليداوم على المحاضرات "بسبب الدخول والخروج للموصل.. كنت أتعطل بسبب التفجيرات والحرب"، لم يتبادل الطالب وقتها الكلام مع سلوى إلا قليلًا، ظلا كذلك أربعة أعوام وفي السنة الأخيرة أخبرها أنه يُريد التقدم لها بشكل رسمي والارتباط بها.
لم تُبد سلوى رفضًا، طلبت منه إمهالها بعض الوقت، انقطع حبل التواصل بينهما مع نهاية الكلية ولم يصله الرد "خمّنت إنها سألت على طائفتي وبيصير صعب نرتبط لأن عائلتها قد ترفضني"، إلا أن الشاب لم يفقد الأمل، خاصة بعد انطفاء نيران الحرب الأهلية والهدوء الحذر، الذي ما لبث أن تحول إلى جحيم في 2011، حين بزغ اسم تنظيم ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
قُبيل سيطرة داعش الإرهابية على الموصل بشكل كامل في 2014 "كنت أعمل.. أبني نفسي وأبحث عن أي وسيلة لإنجاح قصتي مع سلوى رغم مرور 3 سنوات"، خلال تلك الفترة رآها بضعة مرات في الكُلية عقب التخرج "كنا نجتمع أكثر من مرة مع بقية الدُفعة"، اطمأن القلب أنها مازالت تميل له، لكنه لم يعرف رد عائلتها، لذا حينما استقر بعمل جيد في العاصمة بغداد، حاول الوصول لمكان عائلتها في الموصل، بينما بدا السفر مستحيلًا.
"كان الأمر متدهور.. مجموعات داعش المُسلحة يقتلون على الهوية.. يمنعون الأقليات من الدخول للموصل"، يتذكر القاسم اجتياح داعش للمدينة، بات رُعبه مُضاعفًا؛ فلا هو يعرف شيئا عن سلوى ولا يستطيع الذهاب لها "كانت وسائل الاتصال مُغلقة تمامًا.."، انتقلت العدوى لبعض مُدن العراق "لا تليفون لا تليفزيون لا انترنت.. كلها حرام تدخين ماكو سينما جامعة ماكو مدارس ماكو.. اللي مو ويايا إذن هو ضدي فيُقتل"، حتى أن عائلة القاسم خرجت للحدود واستقرت بإقليم كردستان.

لم ييأس الشاب، بحث عمّن يُعرفه مكان سلوى، طرق أبواب وزارة الخارجية العراقية، سأل عن اسم عائلتها إن غادروا البلاد فلم يُفده أحد، كرر نفس الأمر بالجهات المختصة بالهجرة والنتيجة صفر.
كاد عقل خريج الهندسة يجن، قرر أكثر من مرة المغامرة ومحاولة دخول الموصل "لكن منعني أصدقائي.. كأني أذهب لألقى حتفي"، في تلك الفترة أرسل طلب صداقة عبر موقع فيسبوك لصديقة سلوى "لم ترد علي إلا عقب عام ونصف.. نهاية 2016"، كأنها طوق للنجاة؛ تحدث القاسم معها، سألها عن الفتاة التي انقطعت أخبارها منذ حوالي العامين، ماطلت الصديقة التي تعرف قصتهما في البداية، وأخبرته فيما بعد أن سلوى تزوجت بأحد أبناء عمومتها بعد ضغط وإجبار من الأهل.
انهارت أحلام القاسم، دمّرته الحرب الأهلية، اختطفت داعش سنوات شبابه التي قضاها خائفا على عائلته "وبالنهاية فقدت حبيبتي".
سنوات مرت ولم يفارق الفقد قلب القاسم، لكنه رغم الحزن "كليش فرحان، لأنها انتظرتني زي ما صديقتها قالت لي.. لكن الحمد لله شافت حياتها وأنا سعيد إنها كوّنت عائلة"، يضحك الشاب بسخرية مريرة، متذكرا أنه نذر نذرُا بالذهاب للموصل عقب تحريرها من أيدي داعش، ولما حدث ذلك في 2017 لم يستطع الذهاب لئلا يراها ولو صُدفة.
يحاول القاسم تناسي ما حدث، يتعافى بالعمل وبعائلته، مازال يعيش في بغداد، يلتقي فتيات أخريات "لكن لسة مو قابل واحدة غيرها".
2006..
عام الأزمات الطائفية في العراق









