فقدت رِجلي

symp

منذ حوالي عشر سنوات ترتدي فاطمة علي ملابس تميل للنمط الرجالي: "عشان محدش يقرّب مني ولا يتحرش بيا"، لم تكن تدري مسمى الأذى الذي نالها منذ المرحلة الابتدائية، ظنّت أن التعامل كالجنس الآخر سيحميها، لكنه لم ينجح؛ طيلة نحو 6 أشهر كلما نظرت فاطمة لقدمها اليمنى تذكرت، تتحاشى التفاصيل ولا تنسى أن "معاكسة" تسببت لها في "عاهة مستديمة"، وتعليق سنتها النهائية في الجامعة حتى أداء 3 امتحانات متبقية لها.

في الثامن من يوليو المنصرف، بميدان الرضوانية في أسوان، والساعة تشير إلى السابعة صباحًا، بينما الشوارع هادئة لتزامن ذلك مع رابع أيام عيد الفطر، فيما كان ذلك أول أيام امتحانات الفرقة الرابعة لقسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية. رفقة ثلاثٍ من صديقاتها ذهبت فاطمة لاستقلال ميكروباص كعادتهن، وأثناء انتظارهن لاحقتهن مجموعة من الشباب العشريني بسيارة، طالوهن بالإشارات والتحرش اللفظي، أخبرت فاطمة صديقاتها أن يتجاهلن الأمر، لكن ثمة ألم سكن نفسها، خاصة بعدما رحلوا بشارع جانبي، فحدثت زميلاتها "حاسة إنهم مش هيسيبونا في حالنا"، وقد كان.

عاد الشباب بسياراتهم المرسيدس، كرروا فعلهم لكن هذه المرة بقيادة مسرعة نحو الفتيات، همت فاطمة بوضع قدمها على الرصيف للتفادي لكن: "فجأة الدنيا اسودت" كما تصف. سقطت الطالبات الأربع أرضًا بعدما صدمتهن السيارة ثم فرت هاربة، اثنتان أصابتهما الكدمات، وأخرى تمزق في الأربطة، أما فاطمة فغرقت في دمائها "كنت فايقة لقيت رجلي مهروسة مقطوعة قدامي".

أصيبت فاطمة بقطع في غضروف ومشط القدم، إلى جانب كسر مضاعف تطلب تركيب مفاصل للساق. لازمت الطالبة مستشفى أسيوط الجامعي لنحو شهرين ونصف، أجرت خلاها 7 عمليات، وفي انتظار إجراء عمليتين أخريين بعد نحو شهر.

تحلت فاطمة بقوة لم تعهدها، كانت تهدئ من روع زميلاتها، وأدت 3 امتحانات وهى بالمشفى، أحدها بعد يومين من الواقعة، لكن ما إن أغلق عليها باب الحجرة انتكست: "قعدت فترة مبتكلمش.. مش قادرة من الألم الجسدي ولا إني أصدق إني مش عارفة أتحرك".

حتى أكتوبر المنصرف تملكت الصدمة من نفس فاطمة، خاصة بعدما نال المتهمون جزاءً تعتبره هينًا: "القضية جنحة واللي كان سايق وخبطني أخد سنة ولسه بيستأنف، واتنين طلعوا بكفالة، وواحد أخد 3 سنين عشان كان شارب". غاصت فاطمة في الحزن لكنها رفضت الاستسلام، حدثت نفسها يومًا: "لا مش هفضل كده.. مش هخلي حاجة تأثر على حياتي"، وجدت الطالبة دعمًا من والدتها وزميلاتها وآخرين لم تعرفهم إلا أنهم سمعوا بقصتها، وحدث موقف جعلها أكثر تمسكًا بقرارها؛ فقبل شهرين زارها أهل المتهم في المنزل لمحاولة تسوية الأمر، كانت وما زالت فاطمة طريحة الفراش، دبت الرهبة فيها لوقت: "كنت خايفة منهم لأحسن يعملوا فيا حاجة فغطيت وشي بالبطانية"، لكن بحديثهم عن تعويضها ماديًا، أزاحت عنها الغطاء وجلست تواجههم: "أنتم مش عارفين ابنكم عمل فيا إيه.. أنا بقيت عاجزة؟"، ورفضت التنازل عن القضية.

بدلت الواقعة من فاطمة، ترى أنها صارت أقوى، لم تعد تخشى الطالبة شيئًا، كانت ترتدي يومها زيًا على طراز الستينيات فصلته خصيصًا للعيد وأداء امتحانات السنة النهائية، كان مختلفًا عن نمطها، تتذكر سعادتها به، لهذا قررت ألا تتوقف عن تكرار الأمر وفعل ما تريد: "هكمل امتحاناتي وآخد دبلومة في علم النفس وعمري ما هسكت بعد كده عن أي حاجة تحصل، ومش لازم أي بنت تسكت على حد أذاها في الشارع".

فاطمة علي

أسوان 2019

%22 من حالات التحرش اُرتكبت من قبل شخصين أو أكثر (تحرش جماعي). مسح أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وهيئة الأمم المتحدة على 20 ألف سيدة.

القصة التالية
➱(معرفش اتعافيت ولا لأ؟)