الأم تتنــبـــــأ

1976

عند ذهاب رمضان محمود حجازي مع أسرته إلى بيتها ليطلبها للزواج، وهي أصغر إخوتها الأربعة ولم تنل حظها من التعليم، وافقت على الفور، فلم يكن الرجل أسمر اللون ذو الأصول الصعيدية في صورة "فتى الأحلام" كما تخيلت، لكنها – كما تقول – فكرت منذ ذلك الوقت في مستقبل أطفالها فيما بعد؛ لأنه رغم أن رمضان وعائلته كانوا جيرانها في مدينة طنطا، فإنه كان يعمل في القاهرة؛ لذلك قررت أن تتزوجه؛ لتعيش معه هناك ويتربى أولادها ويتعلموا في مكان أفضل. سكنوا منطقة القصبجي بحي المنيب، وأنجبت محمود وعمرها 17 عامًا ثم إيمان بعده بثلاث سنوات، أرادت أن تكتفي بهما قبل أن تتراجع وتقرر بعد 8 سنوات إنجاب طفلها الثالث "محمد" في 23 مايو 1988.

مرضت الأم بعد ولادة طفلها الأخير ولم تستطع إرضاعه، كاد يمرض هو الآخر إن لم تتولَ جارتهم "أم روماني" تلك المهمة، فابنها روماني كان يكبر محمد بشهرين، ومنذ هذا الوقت وتربى الولدان معًا.

عملت "أم محمود" – كما كان لقبها -خياطة، خصصت الدور الأرضي من بيتهم المكون من أربعة أدوار لعمل ورشتها، واستعانت بثماني فتيات لتلبي طلبات زبائنها من أصحاب المحال وسيدات المنطقة. كان أقل ربح يومي لها هو 500 جنيه، فتمكنت بما تكسبه إلى جانب عمل زوجها سائقًا خاصًا لعدد من الشخصيات الثرية، أن تربي أولادها جيدًا، تشتري لهم ملابس من محال كبرى، وتنفق على تعليمهم دون أن يحتاج أحدهم إلى العمل وهو يدرس.

لم يكن محمد قد أتم عامين ونصف العام تقريبًا من عمره إلا وبدا مختلفًا عن إخوته محمود وإيمان؛ فعندما يوافقان على ارتداء ملابس البيت التي تصنعها لهما والدتهما، يرفضها هو ويبدي لأمه رغبته في ملابس أخرى مميزة عنهما.

أدخلته مدرسة الحرية الابتدائية مع صديقه روماني. كان مجتهدًا، مطيعًا، مداومًا على الصلاة منذ أن كان بالصف الرابع، محبًا لكرة القدم بشدة، ولم تبخل الأم على طفلها المدلل بإعطائه مصروفا كبيرا عن زملائه، وأوصته منذ ذلك الوقت بأنه إذا خرج مع زميل له لا يجعله يدفع.

مرت سنوات، وانتقل محمد مع رفيقه إلى مدرسة طه حسين الإعدادية بمنطقة "المدبح" بالمنيب، وقتها؛ كان يقضي أطول وقته يقرأ ويلعب على الكمبيوتر، يرفض النزول من شقتهما إلى الدور الأرضي أثناء وجود سيدات في ورشة والدته، ويأخذ طعامه منها وهو بعيد. ملأ حائط غرفته بصور السيارات الفارهة، وصورٍ أخرى لعبدالحليم وأم كلثوم، اللذين اعتاد سماع أغانيهما، إلى جانب صور لممثلي هوليود ومحمد علي كلاي.

لم يدع جلسة مع أصدقائه إلا ويقلد لهم المدرسين والشخصيات التي يصادفها ويكرر عليهم عبارات للفنان عادل أدهم بنفس صوته، ويختار من بين الألعاب لعبة الأفلام دائمًا، بل كان يجعل جاره وصديقه الراحل "شادي" يؤدي دور علاء ولي الدين في فيلم الناظر لتشابه وزنهما، على أن يؤدي هو وأصدقاؤه دور طلاب المدرسة. ولم يترك فرحًا بالمنطقة إلا وصعد على مسرحه ليقلد الفنانين حتى أن أحد الفرق التي تحيي الأفراح طلبت منه أن ينضم إليها. وفيما كان يفعل كل ذلك، ذهب توقعه وتوقع الجميع له -رغم اعترافهم بموهبته – إلى أنه سيصير لاعب كرة محترفًا خاصة بعدما قُيد اسمه في نادي الزمالك.

إعلان

إعلان

تلك الفترة كانت شاهدة على جانب أخر من شخصيته، وهو الجانب الثوري، ففي صباح يوم دراسي عام 2003 وقت الغزو الأمريكي للعراق، أحضر قماشة بيضاء وقلمًا ورسم علم إسرائيل ومعه صورة الرئيس الأمريكي جورج بوش، وحرض أصدقاءه ومنهم روماني على الخروج بمظاهرة، واستجابوا له خاصة وأنه كان شخصية محبوبة ولها مكانة بينهم. خرج الطلاب رافعين محمد على أكتفاهم من باب المدرسة قبل ثلاث ساعات من انتهاء اليوم، مرددين هتافات معادية لأمريكا، ثم أحرقوا العلم والصورة.

رغم ذلك، يعرف "أهل المنيب" محمد شخصًا هادئًا مسالمًا مرحًا لا يميل إلى العنف ولا الشجار أبدًا. ويعرفه روماني صديقًا ملتزمًا، يرفض التدخين أو مغازلة البنات في المدرسة التي كانت خلف مدرستيهما مثلما كان يفعل بعض زملائهما، ولا يفضل الجلوس على المقاهي، فيوم شم النسيم اعتادا الذهاب معًا إلى دير أبوسيفين بالجيزة، ويوم عيد الفطر أو الأضحى إلى حديقة الحيوانات أو الفسطاط.

أتاحت له منطقته الشعبية أن يعايش بلطجية ومظلومين، يشاهد مشاجرات يومية في وقت كانت فيه المنطقة مسرحًا لذلك قبل أن يحكم الأمن قبضته عليها.

تغيرت حياته تمامًا بعد أن ذهب إلى المدرسة السعيدية الثانوية، هنا افترق عن روماني لأول مرة لأن الأخير التحق بالثانوية الصناعية. اشترك محمد في مسرحيات مدرسته بعد أن اكتشف مدرس اللغة العربية موهبته في التقليد وأخذه إلى مسرحها، ثم حصل على جائزة أحسن موهوب لمدة ثلاث سنوات. تابعته والدته ومعها والده وإخوته، ولاحظوا كيف كان بإمكانه أن ينتزع ضحكات الجمهور ويجعله يتفاعل معه، لكنها كانت أكثرهم إيمانًا به وقالت له ذات مرة بعد أحد العروض: "واثقة إنك ستصبح نجمًا كبيرًا".

يناير 2019

الآن الساعة الحادية عشرة مساءً.

وصل محمد رمضان إلى مكتبه بمنطقة الدقي، كان في انتظاره محمود، الأخ الأكبر الذي أصبح مديرًا لأعماله، ومساعداه هشام وسعيد. دخل رمضان إلى غرفة المكتب ذات الأنوار الخافتة، طلب قهوته التي لا بد وأن تلازم سجائره؛ خاصة إذا كان يفكر في عمل جديد، فيزيد من طلبها. مر وقت، ثم جاء إليه مخرج كليبه الأخير، ياسر سامي. فتلك الساعة المتأخرة وحتى الفجر هي أوقات عمل المكتب المعتادة يوميًا. بدأ جلسته مع سامي والباب مغلق عليهما، يعرف رجاله الثلاثة الموجودون في الخارج ومنهم أخوه أنه ليس من الحكمة أن يقاطعوه وهو في جلسة عمل أو إذا كان يقرأ سيناريو جديدًا إلا إذا كان هناك أمر مهم.

هذه الأيام، أجواء المكتب لم تكن هادئة إلى حد ما بالنسبة لهم بسبب أعمال التجديدات التي تُجرى بالشقة وتسبب لهم إزعاجا. هذه الشقة كانت مملوكة لابنة عمر سليمان، مدير المخابرات العامة الراحل قبل أن يؤجرها رمضان منها عام 2013 لمدة عام ثم يشتريها، لكنها بالتأكيد تغيرت تمامًا؛ أصبحت معرضا لصوره وجوائزه ورسومات معجبيه التي يهدونها إليه، إلى جانب بنرات مسرحيته "أهلا رمضان"، وفيلم "شد أجزاء"، ومسلسل "ابن حلال"، الذي يميزه في ركن خاص بالمكتب مثلما يحظى بمكانة خاصة عنده، فهو بطولته الدرامية الأولى، كما أنه يحب أن يُلقب باسمه من بين كل الألقاب التي جلبتها له أعماله.






خارج جدران هذا المكان، تثار الضجة حول ما يخرج منه: إعجابا ورفضا، تأييدا وهجوما. لكن داخله لا شيء غير العمل. لا يقبل رمضان أن ينظر خلفه أو أن يضيع وقته في الحديث عمن يهاجمه أو أن يعطله أحد، كـ"حصان السبق" -كما يصفه محمود. لكنه في نفس الوقت يتابع كل ما يكتب ويقال عنه داخل عالم السوشيال ميديا، يمسك بهاتفه دائمًا، يستقبل ما يرسله المعجبون، ويضخ من محتواه "ستورز stories " على حسابه بموقع الصور "إنستجرام"، الذي يديره بنفسه مع حسابه الشخصي على "فيسبوك"، يعيد إرسال ما يلفت نظره ويعجبه لمحمود أو معداوي، مساعده المسؤول عن صفحته الرسمية على فيسبوك وقناته على يوتيوب، وقد يتدخل هو في كتابة بعض المنشورات بصفحته.

5 ملايين مشترك

7 ملايين متابع

6 ملايين ونصف المليون متابع

إعلان

إعلان




يتعامل رمضان مع فريق قوامه 7 أشخاص، يبدو عليهم بالفعل كما قالها أخوه محمود: "رجال محمد رمضان". يضع جميعهم صورهم معه وصوره على حساباتهم بـ"فيسبوك"، يجتمعون يوميًا في المكتب ليكونوا مستعدين لتلقي المهام، وقد يقضون يومًا أو يومين بلا نوم: سعيد يقود له السيارة أحيانًا أو يذهب بوالدته إلى أحد المشاوير، دهب يحضر له القهوة أو يجهز له ملابسه الخاصة بالعمل والتي يظهر جزء منها على الأريكة الموجودة بمكتبه، ذلك بالتبادل مع هشام الذي يميزه اختياره للإكسسوارات وشرائها، حجاج يذهب معه إلى تكريم أو عرض ليصوره صورًا خاصة، ليأتي بها إلى معداوي وفريقه ليبدأوا نشرها على موقعه أو صفحته، فلبيني، كوافيره الخاص، يمكن أن يأتي له في أي وقت يطلبه فيه لتجهيزه، كذلك تامر دهب، الماكيير، أما سيد عبدالهادي، فهو أقدم رجاله ويرافقه دائمًا.






كان سيد عبدالهادي الحاصل على دبلوم تجارة، جار ا لمحمد في المنيب، لم يكونا أصدقاء، لكنه عمل معه مساعدًا بعدما أوصت والدته محمد عليه قبل وفاتها. لكن سبقه في هذا الدور هشام عبدالله (32 سنة) والذي يعمل حاليًا موظفا في مطعم. كان هشام جاره أيضًا بل وصديقًا مقربًا منه، لذلك يقول بثقة إنه "الشاهد على المعاناة التي عاشها رمضان" بعدما أنهى دراسته الثانوية.





يدخل الشاب الأسمر، صغير السن، نحيل الجسم، ممسكًا في يديه صفحة من جريدة الجمهورية، التي تحمل خبرًا عن فوزه بجائزة أحسن موهوب ثلاث مرات متتالية، إلى قهوة "بعره" التي تشتهر كونها ملتقى الريجسيرات والكومبارسات، ويبدأ، وإلى جانبه صديقه هشام، في تعريف نفسه: "أنا اسمي محمد رمضان، واخد جائزة أحسن موهوب 3 سنين، وعملت أكتر من مسرحية في المدرسة، وحابب أمثل". يردون عليه – وهي أفضل استجابة وجدها وقتها – "اترك صورتك ورقمًا للتواصل وسنتصل بك إن احتجناك".




تكرر ذلك الأمر في مكاتب مخرجين وريجسيرات دون جدوى، وهناك مخرجون كبار طردوه -يتحفظ هشام على ذكر أسمائهم بناءً على طلب محمد – حتى استطاع أن يأخذ دورًا صغيرًا في مسرحية "قاعدين ليه؟" بعدما أقنع بطلها الفنان الراحل سعيد صالح بموهبته.

يحكي بعد سنوات عن ذلك بأحد لقاءاته التليفزيونية: "فضلت مستخبي ورا كشك مستني رجل الأمن يبص في ساعته عشان أدخل المسرح من وراه. دخلت قبل الستارة ما تفتح بـ 5 دقائق على غرفة الملابس الخاصة بأستاذ سعيد. قلت له أنا ممثل وكل ما أروح حتة يقولوا لي سيب صورتك وأنا مش عنيا خضرا عشان يجيبوني، وبدأت أمثل قصاده أكثر من شخصية، راح قال للموجودين عليا الطلاق الواد ده هيمثل معايا النهار دة في المسرحية، وبعدين قال لي لو عجبت الناس هتكمل معايا. وأداني مشهد في محطة أتوبيس أرتجل فيه ومثلت ولدًا جاي من الصعيد وعايز يروح معهد التمثيل وخدت شبشب من عامل النظافة في المسرح وطلعت وعجبت الناس".




لم تكن الخمسون جنيها التي يتقاضاها في اليوم الواحد تكفي لشراء ملابس للدور، فاحتاج إلى بدلة سائق، وقتها ذهب إلى "أم روماني" ليطلب منها بدلة زوجها الذي كان يعمل سائقًا في هيئة النقل العام، وأعطتها له، وظل يقول لصديقه روماني إنه "لن ينسى أن أول دو ر في حياته كان ببدلة عم جرجس".

إعلان

إعلان



تقدم لاختبارات معهد الفنون المسرحية بعد إنهاء دراسته الثانوية، لم يقنعهم أداء رمضان، ورُفض مرتين. كان حينها مشحونًا بالمشاعر، كاد يقترب من اليأس. تقول والدته إنها لم تره حزينا مثل هذا اليوم. حاولت هي أن تتماسك أمامه وتسنده وتؤكد أنه موهوب وأفضل من الذين يرفضونه، لكنها بكت فور خروجها من غرفته دون أن يراها. اضطر أن يبحث عن بديل والتحق بمعهد نظم ومعلومات في قرية شبرامنت بمحافظة الجيزة، لكنه لم يكمل مدة دراسته به، لم يجد نفسه في هذا المكان أبدًا.

جاء العام 2006 وانفرجت الأمور تدريجيًا، أدى دورين في مسلسلين الأول أولاد الشوارع مع حنان ترك بعد أن رأته مخرجة المسلسل في المسرحية، والثاني دور أحمد زكي في مسلسل السندريلا مع منى زكي، وأخذ مقابل كل دور 4 آلاف جنيه. حينها بدأ هشام العمل معه مساعدًا رسميًا وليس مجرد صديق مقابل مبلغ رمزي. أما والدته فلم تقبل أن يكون ابنها أقل مظهرًا من الذين يتعامل معهم، فاشترت له ملابس جديدة، أجرت له سيارة "لانسر" بـ3 آلاف جنيه شهريًا، ليذهب فيها إلى موقع التصوير، وكانت تعطيه 100 جنيه في اليوم لتكفي مصاريفه من شحن الموبايل له ولمساعده، لكن توصيه بألا يصرف أكثر منها لأن هذا آخر ما يمكنها تحمله.




وجد رمضان فرصته الكبرى عندما حصل على دور في مسلسل الفنان الراحل عمر الشريف "حنان وحنين"، والذي أثنى على موهبته في أحد البرامج قائلًا "إنه سيصبح أحسن ممثل في مصر"، وهو ما جعله يبكي.

فيما كان هذا المسلسل بداية خلاف بين رمضان وهشام حول الأمور المادية، فقرر الأخير أن يعود مرة أخرى لدوره صديقًا وليس مساعدًا، وأكمل سيد عبدالهادي المسيرة معه.




وقف رمضان بجانب سيد، الذي يكبره بـ3 سنوات، عند زواجه قبل سنوات طويلة، وفعل نفس الشيء مع من تزوج من فريقه. رمضان الذي يتعامل مع مساعديه كأصدقاء له، يستشيرهم، ويضع لهم في مكتبه طاولة بلياردو وبلاي ستيشن، لا يستخدمها هو إلا نادرًا عندما يريد أن يرتاح، هو نفسه الذي يكون في أشد درجات غضبه وانزعاجه حين يقصر أحدهم في المهمة الموكلة له.





محمود، الأخ الأكبر الذي يشارك رمضان نفس الملامح والأداء وأحيانًا الأقوال، هو من يدير هذا الفريق، ويدبر مواعيد ومقابلات رمضان، ويتولى الجزء المالي بالكامل. يقول محمود إنه "لم يشقَ مع رمضان، بدأ معه مع النجومية"، حينها ترك محمود، خريج كلية الآداب، عمله مندوبًا في إحدى شركات الأدوية، التي كان خاله مديرًا فيها، ليعمل مديرًا لأعمال أخيه منذ يناير 2013.





يرن هاتف محمود بأغنية "مافيا".

يجيب، فتكن على الجهة الأخرى فتاة تنتسب لعائلة "ذات شأن"، تسأله عما في استطاعته فعله لتأخذ دورًا صغيرًا بمسلسل رمضان الجديد، فيرد عليها محمود بأن المخرج هو من يختار وليس رمضان.

هاتف محمود لا يهدأ أبدًا، والأوراق الصغيرة التي يضعها المساعدون على مكتبه لا تنتهي، فضلا عن أنه كان ينجز لرمضان أوراقًا تخص خدمته العسكرية، التي انتهت مدتها في 1 مارس الماضي.



يحاول محمود أن يجنب أخاه كل ما يزعجه، يدعمه في قراراته التي يكون لتفكير رمضان الجزء الأكبر فيها، يكون بجانبه عند كتابة ورقة "السلبيات والإيجابيات" وهى الورقة المعتادة عند رمضان قبل الشروع في أي عمل أو اتخاذ قرار جديد، فحين قرر أن ينتج كليبه الأول "نمبر وان" بعد نجاح أغنية إعلان "أقوى كارت في مصر"، -والذي كلفه مليونًا و200 ألف جنيه واشترى كلماته من بين ثلاث أغاني-، دلته هذه الورقة على الهجوم الذي سينفجر في وجهه من فنانين ونقاد وجزء من الجمهور ربما يكون كبيرا، لكن في الوقت نفسه كانت خانة الإيجابيات مغرية بالنسبة له: ماذا لو وثقت لنفسك أنك نمبر وان وفقا لأرقام السوق؟ أليس شيئًا جيدًا أن يرتبط اسمك في محركات البحث بنمبر وان؟ سيقتدي بك شباب وسيكررون أغاني كلماتك. سترد على من أحبطوك ورفضوك يومًا، وستدشن لونا جديدا تختلف به عن السائد. هكذا كان تفكير رمضان وقتها، وعليه اتخذ قراره، وصور الكليب في ستديو الأهرام يوم وقفة العيد، ولم يقضياه مع أسرتيهما حتى نهاية يومه الأول. وافقه أخوه على كل ذلك بل وأخذ وكرر جملة قالها رمضان في برنامج تليفزيوني ذات مرة: "إذا لم توثق لنفسك لن يوثق لك أحد".

ولم تكن هذه الأغنية نفسها أو ما غناه بعدها مجرد أغانٍ، فهي شخصيته، وكلماته، ومشاعره، وثقته الكبيرة، ورسائله، وتعبيره عن نفسه الذي يراه مناسبًا.



أنا. في الساحة. واقف لوحدي. وأنت وصحابك. ليا باصين

أنا. جمهوري. واقف في ضهري. نمبر وان وأنتوا عارفين

القمة هي طموحي واختياري. والنجاح بيحب يدق داري

جريوا لما سمعوا صوت عياري. إياك تفكر تسبق الفيراري







يغادر محمود المكتب في ساعات الصباح الأولى، يستقل عربته "الجيب" التي يضع بداخلها الوسادة والغطاء، استعدادا لأيام التصوير، يذهب إلى بيته وهو ليس بعيدًا عن المكتب لينم طوال النهار ويستيقظ في الليل ليبدأوا عملهم. اعتادت أسرته المكونة من زوجته جهاد، وابنته إنجي (15 سنة)، وابنه محمد (10 سنوات) على ذلك. ابنا محمود أخذ كل منهما شيئًا من عمهما، فإنجي تقلد كل الشخصيات التي تقابلها، لذلك شاركت في دور صغير بمسلسل الأسطورة، أما محمد، فلم يشاركه نفس الاسم وحسب؛ إنما حبه لكرة القدم، حيث يذهب كل يوم إلى التمرين في نادي الزمالك ويتمنى أن يصبح لاعبًا كبيرًا.




يتمتع محمود بمحبة واحترام جيرانه في منطقته الجديدة كما كان الوضع في المنيب أيضًا، يشعر الجميع بفخره بأخيه وبما ينجزاه معًا، فتجده ينادي على حارس عقاره في يوم ليريه كليبا جديدًا. ذلك العقار الذي سكنه محمود وأسرته منذ عامين تقريبًا، لم يشاهد أحد رمضان قد جاء إليه سوى مرتين مع زوجته، كان يقود عربته الحمراء بنفسه، التف حوله الموجودون يلتقطون صورًا معه، رغم أنه أمر مألوف عليهم رؤية فنانين في هذه المنطقة، لكن عندما يأتي رمضان يكون الوضع مختلفًا.

المشهد يتكرر يوميا أمام عقار مكتبه، فينتظره أشخاص بالساعات، بعضهم يأتي من محافظات أخرى، رغبة في التقاط الصور أو طلبًا للمساعدة، حتى أن الأمر تطور قبل شهر ونصف الشهر تقريبا، وتردد شخص على العقار، لم يرغب في مساعدة أو أخذ صورة، يردد فقط: "عايز محمد رمضان"، وزاد الأمر بتكسيره سياراتٍ مسببًا إزعاجًا لأمن العقار وساكنيه حتى جاءت الشرطة وأخذته في نهاية الأمر، ثم عرفه الناس باسم "مجنون رمضان".

اعتاد حراس العقار على مواقف غريبة عند استقبال مريدي رمضان مثلما اعتادوا أن يروه جادًا عند إلقائه السلام، وألا يرتدي نمطًا معينًا في ملابسه – التي يختارها بنفسه – لكن في الأغلب يكون "كاجوال"، ومرات يهتم بالإكسسوارات وأخرى يأتي دونها مكتفيًا بساعة يد، لكن شيئًا واحدًا هو الذي لا يفارقه.

الرجوع للرئيسية
إلى الحلقة الثانية

قصة: مارينا ميلاد

تصميم: أحمد ياسين

تنفيذ: محمد عزت

إشراف عام: علاء الغطريفي