إعلان

السياحة.. ضحية السيادية أم السادية!

السياحة.. ضحية السيادية أم السادية!

10:46 ص الخميس 19 مارس 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

في وقت يحتفل فيه جميع المصريين بانتصار اقتصادي طموح وجاد سيحسب بالطبع للقيادة السياسية، يتلقى قطاع السياحة طعنة مباشرة مجهولة الهدف لكن معلومة المصدر.! فبعد فترة عصيبة شابها الكثير من التوتر والعصبية، واعتراها ما اعتراها من محاولات افساد وتشويش بائت جميعها بالفشل، لا لشيء إلا لأنها قررت السير عكس التيار الشعبي الجامح في دولة لا تعترف إلا بطعم النصر، جاءت تلك الطعنة في توقيت مدهش كالعادة..

الرئيس تحدث عن احتياج الدولة إلى حوالي ثلاثمائة مليار دولار تكلفة إعادة بناء ما أفسده حكام الماضي القريب، ولم يشطح الرجل بخياله بعيداً، وتحدث صراحة عن نمو اقتصادي مستهدف بنسبة ستة بالمائة خلال خمس سنوات قادمة، وخفض للبطالة بنسبة عشرة بالمائة، وهو حديث مشروع ومقبول شريطة الجهد واليقظة والعمل الجاد من الجميع..! ومن منا لا يعرف كيف ومن أين ستأتي تلك الدولارات فإليه بعض الحقائق الرقمية.. نصيب قطاع السياحة من تعظيم احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي مثل نسبة 20 بالمائة، وساهم بنسبة 6.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في العام 2010.

تتداخل صناعة السياحة مع العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية تزيد عن 70 صناعة داعمة، بدرجة تستوعب حوالي 13 بالمائة من سوق العمالة بواقع 200 ألف فرصة عمل لكل مليون سائح، كما أن السياحة ساهمت في تغطية العجز التجاري بنسب تتراوح بين 42 و 50 بالمائة في الأعوام 2003 إلى 2010، وحققت حوالي 50 بالمائة من إجمالي التحصيلات الخدمية حينها..! ما وددت أن أسمعه ولم أسمعه في المقابل هو وجوب الانتباه والتشديد على أن هناك جانب شديد الأهمية والخطورة، وهو جانب التسهيل على المستثمرين واسقاط كافة العقبات التي قد تعترض الخطط الاستثمارية الطموحة التي استهدفها مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي.

الأروقة الحكومية الرسمية مازالت تعج مع الأسف بأصحاب الأدراج المفتوحة، ومازالت هناك أعشاش وثيرة تقطنها طيور ظلام وعصابات من المنتفعين كفيلين بمنع شمس التحرر والانفتاح من الاشراق، ولهؤلاء قدرات اعجازية وتعجيزية على طمس تلك الشمس بقرارات ما أنزل الله بها من سلطان تحمل خاتم قاتم اللون عنوانه "ممنوع بأمر جهات سيادية"..! لنتفق جميعاً أن للتقدم والتنمية ثمن لابد وأن نتحمله جميعاً، كما اتفقنا في الماضي القريب أنه لاستعادة الأمن والانضباط ثمن باهظ مازلنا نسدده من دماء وأرواح بريئة، وبنية تحتية مستهدفة وغير ذلك الكثير..

فجأة خرج عن الخارجية المصرية منذ عدة أيام تسريب تناولته بعض المواقع والصفحات الالكترونية الخاصة، يفيد بإلغاء أحقية حصول السائحين المسافرين بشكل فردي على تأشيرات الدخول السياحية في موانئ ومنافذ الوصول بجمهورية مصر العربية..لم يصدر أي تصريح رسمي لمسؤول من وزارة الخارجية لتوضيح الأمر، واهتم بالخبر فقط المتابعون للشأن السياحي والعاملين بالقطاع، لما في ذلك من تأثير شديد السلبية على الحركة السياحية الوافدة لمصر، وأيضاً لتعارضه بصورة واضحة مع مساعي الدولة لاستعادة هذا القطاع عافيته بعد فترة من الركود أثرت بشدة على اقتصاديات الدولة، وبالتبعية على الدخل القومي..ناهيك عما قد يترتب عليه من تذبذب لسمعة مصر كمقصد سياحي في العديد من الأسواق الواعدة، وربما عزوف الوكلاء السياحيين في الخارج عن إدراج مصر في برامجهم التسويقية والبحث عن بدائل أخرى..!.

لم تخرج التكهنات عن ارتباط هذا القرار بالشأن الأمني، ومازال يشوبه وآليات تنفيذه الكثير من الغموض، فالقرار أجاز لشركات السياحة الوطنية امكانية الحصول على تأشيرات الدخول السياحية للمجموعات السياحية فقط وليس للإفراد، وهنا لم يحدد القرار ماهية المجموعة السياحية من حيث العدد ومن حيث البرنامج السياحي، ومن حيث الجنسية أيضاً..!؟ كلها أمور ماتزال غامضة وربما لن تحسمها التكهنات..! لا يوجد أي دليل على توافر تلك المعلومات لدى وزارة السياحة أو هيئة تنشيط السياحة أو غرفة شركات ووكلاء السياحة، وهي الجهات الرسمية المنوطة بتمثيل العاملين في قطاع السياحة أمام أجهزة الدولة.

والحق أنني لا أجد أي مبرر لهذا المسلسل السخيف من الإخفاقات في حق قطاع هو الأهم من حيث تمثيل مصر والترويج لها دولياً.. لنتذكر فترة صعود العصابة الإخوانية للحكم، ومحاولة التيارات الدينية المتشددة اسقاط هذا العنصر الاقتصادي الحيوي من حسابات الدولة.

لن أخوض في الشأن الديني والأخلاقي كما خاض هؤلاء، فالأمر هنا اقتصادي بحت.. لكن وجب التنبيه أن هناك بالفعل خلايا نائمة من بقايا العهد البائد تتحصن داخل جهات سيادية ممنوع الاقتراب منها، وربما تستفيد تلك الخلايا من توجيه اصابات مباشرة لحركة السياحة الوافدة، أو قد تكون هي نفسها أطراف مستفيدة بصورة مباشرة من تلك القرارات، تماماً كما حاول بعض قراصنة العصابة الإخوانية احتكار الطيران العارض من احدى الدول الواعدة في السوق السياحي حينها، وكما حاول بعضهم افتعال أزمات حول بعض الفنادق الشهيرة بوسط العاصمة لإجبار أصحابها على تصفيتها وبيعها لهم بأثمان بخسة..!

لن يعترض أصحاب المصلحة من العاملين بقطاع السياحة على أي قرارات من شأنها الحفاظ على الأمن الوطني وحماية الدولة وسلامة أراضيها، فمن البديهي أنهم جميعاً يمثلون المتضرر الأول من تدني الأوضاع الأمنية، لكن هل يحقق هذا القرار بالفعل السيطرة على هذا الهاجس المتمثل في مسألة منح التأشيرات السياحية لأفراد..؟ ماذا لو اندس بعض المخربين داخل مجموعة سياحية ببيانات حقيقية أو مزورة..؟ وأين ستنحصر المسئولية عن هذا..؟ وهل ستكتفي الجهات المسئولة بخطاب ضمان من الشركة السياحية الوطنية يفيد بمسئوليتها عن تنفيذ البرامج وعن وصول ومغادرة المجموعة السياحية..؟.

والسؤال الأكثر أهمية وأظنه بلا إجابة: إذا كانت بعثات مصر الدبلوماسية في الخارج تعتمد على نفس قاعدة البيانات التي تستخدمها موانئ ومنافذ الوصول في مصر في إصدار التأشيرات، وإذا كان من حق سلطات الدولة التحري عن مستندات السفر وفحصها، ورفض دخول أي شخص غير مرغوب فيه وترحيله فوراً إذا ما تبين أنه يشكل خطورة ما، أسوة بما يحدث في كل دول العالم..! فما الداعي لتحميل مشقة زائدة على الزوار الوافدين لمصر كمقصد سياحي بصورة فردية من دول كثيرة قد تستغرق اجراءات الحصول على تأشيرة فيها شهوراً نظراً لطبيعتها الجغرافية مترامية الأطراف، أو لعدم وجود بعثة دبلوماسية تمثل مصر فيها..!؟

أي مسمى يصح هنا.. ممارسة سيادية أم مهاترات سادية..!؟

الاراء الواردة في هذا المقال تعبر عن الكاتب ولا تعبر عن موقع مصراوي.

إعلان

إعلان

إعلان