إعلان

الحياة ثمن وجبة| وقائع الموت في غزة لأجل الطعام (تقرير مدعوم بالبيانات)

11:55 ص السبت 30 مارس 2024

طائرة أردنية تسقط مساعدات فوق قطاع غزة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير- مارينا ميلاد:

كان البحر هائجًا ومضطربًا في شمال غرب مدينة غزة حين سقطت فيه مظلات تحمل صناديق الطعام. لدقائق، رافقتها أعين الشباب الواقفين بانتظار المساعدات على الشاطئ. فركضوا نحوها دون تفكير للحظة واحدة في أنهم لا يجيدون السباحة.. فكان الجوع يفتك بهم ويحركهم.

"عَلَق هؤلاء في حبال مظلات طرود المساعدات التي ألقتها الطائرات". كما ذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فابتلع البحر 12 شخصًا منهم قبل أن يحصلوا على أي شئ (وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة).

وفي أقل من شهر، راح نحو 158 شخصًا ضحية المساعدات الآتية برًا أو الملقاه جوًا، وذلك وفقًا لما تم رصدناه خلال خمس وقائع مُعلنة وموثقة فقط.

في أواخر فبراير الماضي، ترقب أحمد أبو الفول (40 عامًا)، أحد ساكني مخيم جباليا (شمال غزة) الطائرات العسكرية التي تُحلّق فوقهم، فعلى خلاف أصوات الطائرات المخيفة التي اعتادوا عليها خلال هذه الحرب الممتدة 6 أشهر، فهذه تلقي صناديق المساعدات. جَرى ناحيتها كبقية سكان الشمال "وهم على شفا مجاعة" – بوصف الأمم المتحدة – لعله يلحق بوجبات لنفسه ولما تبقى من أطفاله.

فقد بدأت تلك الطائرات التابعة لدول مختلفة - أولاها مصر - مهمتها في إسقاط مساعداتها على قطاع غزة، تحديدًا المناطق الشمالية التي لا تصلها المساعدات الإنسانية القادمة من معبر رفح.

يقول أحمد: "شعرنا بحالنا مثل البط، نركض وراء الطعام".

لكن لم يكن أمام الرجل حل آخر، فقد حاول الحصول على طحين الليلة الماضية وفَشل، بل وعاد بصدمة وفزع.

حينها، انتظر عند منطقة "دوار النابلسي" وصول شاحنات المساعدات لأكثر من 12 ساعة. كان مع "نحو 15 ألف شخص على مسافة قريبة من حاجز القوات الإسرائيلية. ولما وصلت المساعدات، أطلقت الدبابة النيران على الجميع حتى صار الطحين مغمز بالدماء"، كما يحكي.

ولأنه مسعف، فساعد "أحمد" في نقل المصابين إلى المستشفيات، ورأى "أن الإصابات جميعها كانت إطلاق نار في المناطق العلوية كالصدر والرأس"، لذا ينفي تمامًا الادعاء الإسرائيلي بأن "هؤلاء ماتوا بسبب التدافع".

لذا كانت المساعدات الملقاة من الطائرات "الأمل الباقي له ليحصل على طعام وشراب"، حسب وصفه.

وفي كلمته خلال إحدى المناسبات، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، "إن معبر رفح البري لم يُغلق نهائيًا من الجانب المصري منذ اندلاع الحرب. لكن ثمة تحديات وصعوبات من الجانب الآخر حالت دون دخول المساعدات. لذا قامت مصر بعمليات الإنزال الجوي".


وفي أفضل الأحوال، إذا دخلت المساعدات من المعبر، فيحتاج إرسالها إلى الشمال إلى موافقات يومية من السلطات الإسرائيلية. ولو تمكنت من العبور، فتتعرض إلى عمليات النهب والسرقة على طول الطريق الشمالي الصعب، وفي أغلب الأحيان يتم إعادتها، بحسب شهادات السكان وبرنامج الأغذية العالمي.

لذا يصف أحمد أبو الفول الوضع في الشمال بأنه "بائس جدا والجوع يداهم كل بيت". ويوميًا، يرى أناسا حوله تحاول الذهاب إلى المنطقة الجنوبية عن طريق البحر حتى يجدوا أي طعام.

فتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية لهؤلاء السكان "يتطلب دخول ما لا يقل عن 300 شاحنة يوميا إلى غزة"، حسب تقدير برنامج الأغذية العالمي. فتقول سيندي ماكين (المديرة التنفيذية للبرنامج) "الناس في غزة يتضورون جوعا حتى الموت الآن. إن السرعة التي انتشرت بها أزمة الجوع وسوء التغذية- التي هي من صنع البشر- في غزة أمر مرعب".

حتى الشاحنات القليلة التي تمكنت من الوصول إلى الشمال أو الطائرات التي حلقت فوقه، فخلفوا ضحايا جدداً، بخلاف 31 ألف شخص قضت تلك الحرب على حياتهم.


وبعد الواقعة الأخيرة، دعا المكتب الإعلامي الحكومي الذي تديره حركة حماس في غزة إلى وقف عمليات الإنزال الجوي، ووصفها بأنها "خاطئة وعديمة الفائدة". ويقول برنامج الأغذية العالمي "إن عمليات الإنزال الجوي أكثر تكلفة بسبع مرات مقارنة بالمساعدات الأرضية، بسبب التكاليف المتعلقة بالطائرات والوقود والأفراد".

رغم ذلك كثفت الطائرات إلقاء المساعدات خلال أيام شهر رمضان. فأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية، الأربعاء الماضي، عن تنفيذ أكبر عملية إنزال جوي للمساعدات بالتعاون مع الجيش المصري. وذكرت الوزارة، في بيان عبر منصة "إكس"، "أن العملية الـ16 حملت 90 طنا، وجرت فوق المناطق المعزولة التي يتعذر الوصول إليها شمال غزة".

لكن شعر أحمد أبو الفول، الذي يواصل بحثه كل يوم عن طعام للفطور أو السحور بالأسواق، أن "تلك المساعدات القادمة بهذه الطريقة لا تفيده ولا يحصل منها على شئ"، حسب حديثه.

فيقول: "المساعدات التي ينزل بعض منها قريبًا منا، يتجمع حولها عشرات الناس، فيحدث تدافع وضرب وإصابات.. لذلك البلطجية هم فقط الذين يأخذون ويأكلون"، يصمت "أحمد" قليلا ثم يضيف: "القوى فقط من يأكل عندنا".

من ناحية أخرى، لم يستطع "أحمد" شراء أي وجبة بسبب الأسعار المرتفعة بالأسواق. فعلبة الفول إن وجدها فبلغت 30 شيكل (8 دولارات)، وكيلو الطحين وصل إلى 60 شيكل (16 دولار)، فيما زاد كيلو الارز إلى 120 شيكل (32 دولارا)، حسب قائمة الأسعار التي أرسلها لنا.

يقول الرجل وهو عائد إلى بيته المقصوف بأيادٍ فارغة، "لا نجد طعامنا لكن في نفس الوقت لا نريد طعاما وشرابا بهذه الطريقة، نريد طريقة أكثر احتراما لنا، والأهم من كل ذلك هو وقف إطلاق النار".

وقبل أيام، وافق مجلس الأمن على مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق نار فوري في غزة. ونص مشروع القانون على "وقف نار إنساني فوري لشهر رمضان يقود إلى وقف إطلاق نار دائم"، وهو القرار الذي نجح فيه مجلس الأمن للمرة الأولى منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.

فيما قال أنطونيو غوتيريش (الأمين العام للأمم المتحدة): "علينا أن نتحرك الآن لمنع ما لا يمكن تصوره، ولا قبوله، ولا تبريره".

اقرأ أيضا:
صيام إجباري.. "رمضان لم يأت" في غزة (بودكاست)

أيام الموت.. عِش تجربة نزوح أسرة في غزة (قصة تفاعلية)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان