إعلان

فرق الموت" بجيش إسرائيل.. من هم "المستعربون" منفذو عملية "ابن سينا"؟"

04:19 م الخميس 01 فبراير 2024

الهجوم على مستشفى ابن سينا في جنين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير - مارينا ميلاد:

في نهار اليوم الـ116 لحرب غزة، وعلى بعد نحو مائة كيلو متر منها.. كانت الحركة بمستشفى ابن سيناء في مدينة جنين بالضفة الغربية تبدو عادية ولا تُنبئ بأي خطر، ذلك حتى دخلها 12 شخصًا بلباس مدني فلسطيني وآخر طبي، وصعدوا إلى طابقها الثالث ليشهروا أسلحتهم ويعلنوا هويتهم الحقيقية التي تخالف الزي واللغة والملامح.

هؤلاء فرقة "المستعربين" وجاءوا ليباشروا تنفيذ مهمتهم الجديدة: قتل ثلاثة فلسطينيين وصفهم الجيش الإسرائيلي لاحقًا بـ"إرهابيين تابعين لحركة حماس".

وعلى نحو معتاد في عملهم، لم يكن هناك دوي لإطلاقهم النار، فاستخدموا كواتم الصوت لمنعه.. لكن الدماء المتناثرة على جدران الغرفة، ثم المشاهد التي وثقتها كاميرات المستشفى قد أحدثتا الدوي هذه المرة، وأعلنتا عن عملية أخرى تفعلها "فرق الموت التي تقتل في صمت".

فمن هم "المستعربون" وما تاريخهم وأبرز عملياتهم؟

إبريل – 1988، توقفت شاحنة محلية تقل أشخاص يبدو عليهم من سكان المكان أمام دكان جزار يخص عائلة الكردي في غزة. وفي لحظة، اخرجوا رشاشات وأطلقوا الرصاص، فقتلوا ثلاثة من أسرة الكردي. ثم أعلن الجيش الإسرائيلي بعدها أن الضحايا الثلاث "هاجموا جنود الدورية بسكين جزار، فتم التعامل معهم".

جَرى ذلك خلال الشهر الرابع للانتفاضة الفلسطينية الأولى، ثم لحقه أعمال أخرى أبرزها كان في مارس عام 1992 حين دخل أربعة جنود، متنكرين بسترات سوداء وسراويل "جينز"، ملعباً بلدياً لكرة القدم في طولكرم (شمال غرب الضفة الغربية) خلال مباراة بين فريقين محلّيين. وانتقلوا من لاعب إلى آخر، إلى أن توقفوا قرب اللاعب جمال غانم. ومن دون إنذار، أطلق الرجال النار عليه فسقط أرضاً. وجاء في بيان الجيش الإسرائيلي أن "جمال قد تم التعرف عليه من جانب قوة من الجيش طلبت منه التوقف، وعندما رفض ذلك وحاول الهرب؛ أطلقت النار عليه".

باختصار، ذلك هو عمل الوحدات الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلي، والتي اعتادت التنكر لتنفيذ عملياتها وعُرفت باسم "المستعربين". هؤلاء الجنود والضباط مختارين من ذوي الأصول أو الملامح الشرقية، يتقنون اللغة العربية، ويحفظون القرآن الكريم. كما يدركون تمامًا الثقافة والعادات الفلسطينية والعربية.

أول فرقة منهم ظهرت عام 1942 كجزء من تنظيم "بلماح"، أي قبل تأسيس إسرائيل بست سنوات. حينها جندت القيادات الصهيونية جزء من يهود الشرق، وحملوا اسم "الدائرة أو الفصيلة العربية"، ليعملوا في التجسس وتنفيذ عمليات تخريبية.

انضم أفراد الوحدة للجيش الإسرائيلي بعد تأسيس دولته. ومنذ ذلك الوقت، اختفت فرق وظهرت أخرى. ودوما كانت المهام الوظيفية لهم ثابتة: جمع معلومات أمنية واستخباراتية، ومطاردة فلسطينيين، وتفريق تظاهرات، والتحريض، والاغتيال.

ينشط "المستعربون" - الموزعون في صفوف الجيش والمخابرات والشرطة – في مناطق الضفة الغربية ثم غزة، ويخضعون إلى اختبارات نفسية وتدريبات شاقة في معهد خاص. وعادة ما تكون تدريبهم من 12 إلى 15 شهرًا.

وتلزمهم إسرائيل بالحفاظ على سريّة عملهم، وعدم نشر صور لهم، حتى أن عائلتهم من المفترض ألا تعلم عن طبيعة عملهم شيئًا.

وللحفاظ أكثر على غطائهم، تزوج بعضهم من نساء فلسطينيات غير مدركات لهويتهن، كما أنجبوا أطفالاً منهن. وعندما عرفت بعض النساء بالحقيقة، اضطر أغلبهن إلى الذهاب إلى إسرائيل وتربية أطفالهن كيهود.

كما عمل بعضهم في دول عربية أخرى خارج فلسطين. وأشهرهم إيلي كوهين، الذي ولد في مصر لأبوين يهوديين سوريين، ثم تسلل إلى المجتمع السوري تحت اسم "كمال أمين ثابت" لجمع معلومات استخباراتية عن الحكومة والجيش لصالح الموساد.

ويقول أحد أفراد الوحدات، خلال مقابلة صحفية "أن تكون مستعرباً أمر لا يقدر عليه أي شخص؛ فهو يحتاج إلى سنوات من التدريب والخبرة للاندماج في مجتمعهم.. وبالطبع تحتاج إلى حاسة سادسة بدونها يمكن أن تدفع حياتك ثمناً لخطأ صغير".

وفي إحدى عملياتهم بالضفة الغربية أكتوبر 2015، وقف ستة ملثمين، يرتدي أحدهم شال الانتفاضة، ليواجهوا جنود إسرائيليين بالحجارة في مشهد مألوف لدى الفلسطينيين.. وفي ثوانِ انقلب هؤلاء على من معهم في المظاهرة ورفعوا الأسلحة، ثم انهالوا بالضرب على أحد الفلسطينيين.

لكن تلك العمليات ربما تخيفهم أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما أشارت إليه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حين نشرت شهادات لجنود عرب دروز، ممّن يؤدّون خدمتهم في صفوف وحدات "المستعربين"، مشيرة إلى أنّهم "مطاردون" حتى بعد انتهاء خدمتهم العسكريّة المستمرة 3 سنوات، ويخشون من الانتقام.

فيقول أحدهم وأسمته "ج": "دائماً أفكر في أنّ أحداً سيعرفني وسيقتلني. تلاحقني هذه الشكوك إلى كلّ مكان أذهب إليه.. أنام بين 3 و4 ساعات في الليل فقط وعندما أسير في الشارع، ألتفت دائماً من حولي".

فيما يروي آخر: "في غزة يكتبون كثيراً عن المستعربين. وأنت ترى أحياناً صوراً لأصدقاء لك في الوحدة.. فعندما تقوم بالعمليّة تكون عادةً مكشوفاً. وتظلّ خائفاً من أن يكون أحدهم قد عرفك من الصورة".

ومنذ السابع من أكتوبر، تشن إسرائيل حرباً على قطاع غزة المحاصر إثر تنفيذ حركة حماس هجوماً عليها. قتلت إسرائيل خلاله أكثر من 26 ألف فلسطيني – حتى الآن. وامتدت آثاره إلى الضفة الغربية، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى مقتل 380 فلسطينياً إما برصاص الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين. ودخلت وحدات "المستعربين" على خط الحرب – بشكل معلن - من خلال آخر عملياتها التي قتلت فيها ثلاثة فلسطينيين بمستشفى ابن سينا في جنين.

ويعتبر حقوقيون "أن استخدام إسرائيل لقوات خاصة متخفية بهدف قتل الشبان الفلسطينيين جريمة حرب وعمل يتنافى مع كل المواثيق الدولية"، بحسب ما نقلته عنهم وكالة الآنباء الفلسطينية (وفا). يقول شعوان جبارين (مدير مؤسسة الحق): " هذه إعدامات خارج نطاق القانون، والقانون الدولي يعتبر القتل بعد التخفي هو بمثابة الغدر، وهذا ما يسمى جرائم حرب".

لا تتحدث إسرائيل عن عمل وحداتها السرية، ولا إحصاء رسمي دقيق لعدد الملتحقين بها أو عدد ضحاياهم. لكن ثمة مسلسل درامي إسرائيلي باسم "فوضى" يحكي عن عمل تلك الوحدات من خلال قصة مطاردة أحد أكبر شخصيات حركة حماس في الضفة الغربية من "مستعربين".

ألّف هذا المسلسل كل من الصحفي الإسرائيلي آفي يسخاروف بالاشتراك مع الممثل الإسرائيلي ليئور راز٬ والذي يؤدي أيضاً دور البطل "دورون". وقد خدم الآثنان معاً في الجيش الإسرائيلي. ويقول عنه أحد قناصي وحدة "ي. م. س" في مقابلة صحفية: "الواقع يتجاوز كل الخيال المعروض في المسلسل".

فيما لخصت كلمات قائد الوحدة خلال المقابلة نفسها ما يدور بعالمهم وعملهم: "أن تحوم كالفراشة وتلدغ كالنحلة. تدخل وتخرج بأسرع ما يمكن ولا تترك أثراً".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

- مجلة الدراسات الفلسطينية - الحصاد الدامي لـ "فرق الموت" الإسرائيلية.

- المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار".

- صندوق القدس للثقافة والتنمية الاجتماعية (مؤسسة مستقلة تهدف إلى تعريف المجتمع الأمريكي والعالم بتاريخ فلسطين).

- تقارير صحفية.

فيديو قد يعجبك: