إعلان

أبو خرج.. فلسطيني الأصل وسوري الجنسية وأخيرا محتجز في ماليزيا

07:53 م الثلاثاء 29 سبتمبر 2015

dth

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - إشراق أحمد:

قبل أكثر من 50 عاما خرجت عائلة "أبو خرج"، فروا حال مئات العائلات الفلسطينية، من بطش احتلال لم يتوان في سلب الأرض والعرض، رمقوا موطنهم النظرة الأخيرة على أمل العودة، ولووا شطر سوريا، نسجوا من روح فلسطين حياتهم بمخيم اليرموك، ارتضوا قسرا أن يُحرّم الوطن عليهم، وجدوا العزاء في أرض يحمل بها الأبناء والأحفاد جنسية تزين هويتهم المرابطة، لكن كأن الشتات رفيق كُتب على الفلسطينيين أينما ذهبوا؛ أعادتهم الحرب في سوريا لنقطة البداية، لمحاولات الفرار، وألم الهجرة، ليذوق الحفيد "إبراهيم" مرار ما عاناه الأجداد، رغم أنه لم يبصر فلسطين قط بل غرسها وطنا في القلب، فاليوم هو العشرين لاحتجاز إبراهيم أبو خرج في مطار كوالالمبور –ماليزيا، وبقاءه على شفا إعادته لسوريا، وهو ما يعد حكما بالإعدام على الشاب العشريني، الذي غادر البلد المنكوب منذ نحو عامين، فرارا من الحصار والقصف، ورعبا من الالتحاق بالجيش السوري "النظامي".

بين أربعة جدران لغرفة تجاور مكتب الأمن بمطار كوالالمبور، يمكث "إبراهيم" منتظرا المصير، مفكرا في كل وسيلة تحول بينه والعودة إلى سوريا، يقضي اليوم 12 لإضرابه عن الطعام، اعتراضا على ما يلقاه من تعنت السلطات الماليزية، رغم إخبارهم بكافة تفاصيل قصة لجوئه إلى ماليزيا، ومحاولة مغادرتها بعد عامين من الإقامة بها، من أجل حياة أفضل أرادها بأوروبا.

انقطعت السبل بـ"إبراهيم"؛ غلو المعيشة، صعوبة الحصول على إقامة "دخول ماليزيا شهر واحد واجدد لو خالفت بدفع 100 دولار وما ينفع أطلع على أي دولة"، كذلك انقطاع الشاب عن عائلته إلا مِن مكالمات هاتفية، لا تشفى ألم الفراق منذ غادر سوريا.. كلها أشياء دفعته للبحث عن الحياة في بلد أخر؛ لذا اتفق مع صديق له أن يستخرج جواز سفر أوروبي، يخرج به إلى "كامبوديا" -بلد صغير قريب من ماليزيا، كان المخطط أن يقيم به نحو 5 أيام، ينطلق بعدها منه إلى ألمانيا، غير أن ذلك لم يحدث.

ما هّم ابن مخيم اليرموك في صعود الطائرة، حتى استوقفه الأمن على الباب، بدا لـ"إبراهيم" أنهم كانوا على علم بما يخطط له "قالوا لي أعطيهم جواز سفري الحقيقي"، بعد التحقيق ولأنه يحمل هوية "فلسطينية-سورية"، لم يتم ترحيل الشاب على الفور بل خُير بين السفر إلى لبنان أو سوريا، أخبرهم الشاب بقصته، أوضح لهم صعوبة ذلك الخيار الذي لا يعني سوى جهة واحدة فقط، ألا وهي سوريا أو "الموت" كما يقول، "لبنان منذ 2014 وهي لا تستقبل الأشخاص الحاملين للهوية الفلسطينية/ السورية إلا لـ24 ساعة يطلعوا بعدها على أي دولة"، وأما البلد الآتي منه لا يمكن دخوله.

منذ ديسمبر 2012 وبات مخيم اليرموك في عداد المناطق المنكوبة في سوريا "نحنا نقطة تماس بين الجيش السوري والجيش الحر" قالها "إبراهيم"، القصف لا يخطأ سكان المخيم وكذلك الموت، الذي زاد بالحصار المفروض، البادئ بمنع دخول الطعام قبل فرضه بشكل كامل عام 2013، غير أن ذلك لم يكن السبب الوحيد لفرار الشاب العشريني، فميلاده على أرض سوريا، وحمله لهويتها، التي كانت مصدر راحة يوما ما، بدت سببا في جعله مطلوبا للتجنيد في الجيش السوري النظامي، الذي يدك بيوت المخيم القاطن به، ما كان "إبراهيم" أن يقبل بالأمر "ده متل الحكم بالإعدام"، لا خيار أخر به عن الموت، لذا قرر الفرار.

قبل نحو عامين استطاع "إبراهيم" الهرب من سوريا، والسفر إلى لبنان، نزح مثل كثير غيره "قعدنا عند أحد الأقارب"، غير أن غلو المعيشة مقابل فرص العمل الضئيلة، دفعته للبحث عن وجهة أخرى بعيدا عن الدول العربية، لكن ما معه من أموال لا تؤهله للسفر إلى أوروبا، التي يعلم الشاب أنها الأفضل للحياة، إلا أن ذلك ليس العائق الوحيد، فالفرص المتاحة له، ليست كغيره من السوريين "أنا فلسطيني/ سوري مش كل البلدان تقبل تستقبلني"، فانحصرت خياراته بين الدول ذات تأشيرة الدخول الأرخص، والمستقبلة لمَن مثله، فكانت ماليزيا الوجهة الأنسب "الفيزا بها سهلة مقابل 7 دولار وخلال ساعتين أخدها".

قضى "إبراهيم" أيامه في ماليزيا كمحاسب بإحدى الشركات "كان بدي أعين أهلي"، فهو الابن الكبير لأسرته بين شقيقتين وصغيرين أخرين، لذا اكتفى بهذا الهدف وانقطع عن الدراسة التي لم يستطع مواصلتها منذ غادر سوريا "أخدت التوجيهي وكنت بدرس إدارة أعمال"، لكن الحرب أحالت بينه واستكمال تعليمه، الذي حاول مواصلته في لبنان، رغم تكاليف الجامعات المرتفعة "كنت أدرس دراسة حرة تبع الأمم المتحدة"، وهو ما أهله للعمل بعد السفر إلى ماليزيا.

ظن "إبراهيم" أن الوضع في البلد الأسيوي سيكون أفضل، لم يعلم أنه سيدفع ثمن الانتماء إلى بلدين أحدهما محتل، والأخر منكوب، فكل فلسطيني/ سوري لا يلقى بسهولة مساعدة مفوضية اللاجئين في ماليزيا حسب قول الشاب وكذلك محاولة مساعدته للجوء إلى دولة أخرى يستنزف الكثير من الوقت "كل 5 أو 6 سنين يعملوا مقابلة لحدا ويمكن يوافقوا أو لأ.. في ناس بتضل على الوضع لسنوات طويلة بدون رد على طلبها"، ورغم أن أول ما حرص عليه ابن مخيم اليرموك حين وطأت قداماه ماليزيا هو إخطار المفوضية، وتسجيله كلاجئ، غير أنه لم يتلق سوى الاعتذار عن مساعدته بعد إخبارهم باحتجازه وحاجته للمساندة حتى لا يعود لسوريا "قالوا لي طلعت بدون ما تخبرنا أحنا ما نقدر نعمل لك شيء".

جاء رد المفوضية كالصاعقة على نفس صاحب الهوية الفلسطينية/ السورية، اغلقت الأبواب في وجهه، حتى ذاك الطلب بترحيله إلى السودان لم يلق القبول، وبات بين شقي رحى الأمن الماليزي المحتجز لجواز سفره، وتلك الجدران الصلدة، التي لا يستطيع مغادرتها إلا بعد عناء للذهاب إلى دورة المياه، فيما عدا ذلك فممنوع عليه الخروج حتى لإحضار الطعام "كل ما أطلع يحاكوني جبت حق التذكرة ويمنعوني لأني ما معي جواز سفر رغم أنه معهم"، ومع توالي أيام مكوثه بالمطار، وتوقف شركة الطيران على إحضار طعام إليه، قرر الشاب الدخول في الإضراب مجبرا.

لم يجد "إبراهيم" خلال تلك الفترة سبيل سوى التواصل مع السفارة الفلسطينية، التي ظل في انتظار ردها حتى قبل يومين من عيد الأضحى "قالوا لي ممكن أطلع على سيرلانكا إذا حصلت على جواز السلطة الفلسطينية"، ورغم بُعد تلك الوجهة عن أوروبا، وعدم اختلاف الحياة بها عن ماليزيا في الغلو، غير أنها حتى الأن البديل الوحيد.

بين جنبات تلك الحجرة الخالية إلا من متاع الشاب، لا سبيل لـ"إبراهيم" إلا هاتف ينشر خلاله استغاثته، يتحدث عبره إلى أهله، يتلمس صوتهم، والاطمئنان عليهم بعد عدوتهم إلى سوريا، بعد أن فاض بهم الكيل في أرض الجبل "تحت القصف أرحم من أنه العيش بلبنان"، ولولا حكم "الموت" هذا المفروض عليه، وأنه المعيل لعائلته بعد والده المسن، لربما عاد هو الآخر معهم، بدلا من نيران الانتظار المشتعلة في نفس الشاب، وهو يبصر 4 وافدين إلى الحجرة ذاتها -اثنين من السوريين وأحدهم لبناني، والآخر مصري- وقد رُحل الجميع على الفور إلى بلادهم، فيما تقف الهوية "الفلسطينية" شوكة في حلق أمن المطار، فحصوله على جواز السفر الفلسطيني هو المنقذ الوحيد لابن آل "أبو خرج" من يد الموت المحقق في سوريا.

12037805_1685601098341339_1879341614_o

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان