إعلان

"حياة جديدة".. حكاية "محمود سمير" مع السمنة المفرطة من اليأس إلى العلاج (صور وفيديو)

08:00 م الأربعاء 04 نوفمبر 2020

تصميم- أحمد مولا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد شعبان:

فيديو- عمر هشام:

عاش "محمود سمير" شهوراً صعبة بسبب سمنته. عجز عن الحركة، وهو الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، فيما صار جسده عبئاً، عليه وعلى من حوله، غمر اليأس حياته، يلخّصها بجملة واحدة "كنت عايش زي الميّت"، تسلل إليها الحزن والإحباط وملأ رداءها، إلى أن ظهر شعاع ضوء أخرجه من عتمته، ومنحه بصيص أمل.

قبل 4 سنوات، كانت حياة محمود تسير بإيقاع طبيعي. يذهب صباحاً إلى عمله في أحد أفران الخبز البلدي، وما إن ينتهي حتى يعود إلى زوجته وأولاده الثلاثة، يتناول الغداء معهم، يأخذ قسطاً من الراحة، قبل أن يذهب إلى أحد المقاهي ليجلس رفقة أصدقائه ومعارفه، لكنّ ذلك كله تبدّل بعدما صار الفرن آلياً، استغنى عنه صاحب العمل "قالي أنت جسمك تقل ومشّاني. وأنا معرفش شُغلة غيرها"، ليجد محمود نفسه أسيراً للجلوس في المنزل.

1

كان وزن محمود وقتها أكثر من 100 كيلو جرام، مرت الأيام على وتيرة واحدة تقريباً، إفراط في تناول الطعام فيما لا يحرك الجسم ساكناً، إلا في مساحة المنزل الضيقة، حسبما يقول لمصراوي، مع الوقت زاد وزنه، وصل إلى 180 كيلو جراماً، زيادة مفرطة في الوزن، صاحبها تورم في القدمين "كانت مفتوحة وفيها جلطات ومليانة مشاكل"، لم يعد ابن مدينة المحلة الكبرى وقتها قادراً على الحركة، أو ارتداء ملابسه بنفسه، بات يحتاج لمن يساعده في احتياجاته المعيشية اليومية البسيطة.

حينها لم يكن بدّ من بدء رحلة علاج، اصطحبته زوجته آية لعيادات أطباء أوعية دموية، لم يكن يملك محمود كلفتها "كانت مصاريفها كتيرة بس ولاد الحلال مكانوش سايبيني"، يحكي محمود، فيما تردد لاحقاً على أطباء تخسيس وتعذية، اتبع نظاماً غذائياً لإنقاص الوزن، تناول أدوية، استعمل أدوات تخسيس، لكن دون جدوى. كانت حالته تزداد سوءاً يوما بعد آخر، صار محمود يعاني من سمنة ثلاثية، وهي أعلى درجة في مستويات السمنة المفرطة، وصل وزنه إلى 275 كيلوجراماً، رفض الأطباء إجراء عملية جراحية له لخطورة حالته، خاصة أن زيادة الوزن سبّبت لمحمود مشاكل في الرئة والتنفس، لكن حسب الدكتور خالد جودت، أستاذ ورئيس قسم جراحات السمنة المفرطة بطب عين شمس فإن العلاج الناجح لحالة محمود يتمثّل في خضوعه لعملية جراحية. لكن محمود لا يقدر على تكلفتها الكبيرة "قعدنا وبقينا نكشف عند الدكاترة وياخد العلاج وخلاص"، تقول الزوجة.

2

تعلّقت الأسرة بآمال العلاج على نفقة الدولة. كان مستشفى المنصورة الجامعي وجههم قبل نحو 3 سنوات "قالولنا إن عمليات السمنة ملهاش علاقة بالعلاج على نفقة الدولة"، تحكي الزوجة، لكن محمود حُجز بالمستشفى لعلاج قدميه المتورمتين، فيما ظلّت آمال الأسرة معلّقة بأن يخضع الشاب الثلاثيني لعملية جراحية، تنقذه من مصير كارثي، تخفف عنه شيئاً من ثقل الأيام التي عاشها، تعوض أسرته بعضاً مما فقدته بعجزه عن الحركة، الذي صاحبه عجز عن تلبية احتياجاتها، بعدما فقد محمود مصدر رزقه، ولزم بيته مُجبراً، وهو أب لثلاثة أبناء أكبرهم لم يتجاوز العاشرة.

كثيراً ما شعر محمود ناحية صغاره بالعجز، حين يطلبون منه أن يصطحبهم للخروج في مناسبة هنا أو هناك، أو لشراء شيء ما "كانوا ابني يقولوا يا بابا تعالى طلعنا، أقولهم مينفعش أطلعك عشان الناس كانت بتضحك وتتريق عليا فالولاد كانوا يعيطوا"، كانت تحاول الأم القيام بما يريده الصغار، فيما الألم يعتصر قلب محمود، فيبكي متحسراً على حاله.

3

كان ذلك قبل أن يُفتح لمحمود باب أمل، في أواخر شهر أغسطس الماضي.

نُشرت قصته في صحيفة يومية، تبعها استجابة من رئيس الجمهورية لعلاجه على نفقة الدولة، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي توجيهاته لوزارة الصحة، فتواصل مسئولو الوزارة مع محمود "لقينا الدكتورة هالة زايد ومتحدث الوزارة وهيئة الإسعاف اتصلوا بيا وبعتولي إسعاف وجاتلي هنا وودوني مستشفى دار الشفاء في العباسية"، وصل محمود، رفقة زوجته، إلى المستشفى بعد منتصف الليل، تغمرهما غبطة لا مثيل لها، لحظة فارقة في حياة الأسرة تُضفي أملاً بعد سنوات من الإحباط واليأس "مكنّاش مصدقين إن فيه حد في الدولة سمع شكوانا واستجاب، كنت بقول لمحمود هو احنا بنحلم؟! هو ده بجد؟ّ!"، تتذكر الزوجة بفرح.

4

على رأس الطاقم المُكلّف بمتابعة حالة محمود، كان الدكتور خالد جودت، استقبل مريضه، وظلّ رفقة فريق طبي، لنحو أسبوع يعدون محمود لإجراء العملية الجراحية، خضع لفحوصات وتحاليل، كذا بدأ الفريق الطبي بالمستشفى خطواته لإنقاص وزن محمود، تفادياً لخطورة التخدير قبل إجراء العملية "كنا متخيلين إنه هياخد فترة طويلة لإنقاص الوزن، لكنه استجاب سريعاً ونزل 10 كيلو في أول أسبوع، بالإضافة إلى إن حركته بقت أحسن والتنفس كذلك"، وقد كان ذلك حافزاً ومشجّعاً للفريق المعالج لإجراء العملية وتوقع نجاحها، على ما يوضّح دكتور جودت.

يتابع الطبيب: "رغم وزن محمود الفائق، قررنا أن تجرى العملية على مرحلة واحدة، لا مرحلتين كما العادة عند التعامل مع حالات سمنة عديدة، وخضع محمود لأقوى عملية في جراحات السمنة اللي هي اسمها تحويل المعدة المعدّل"، تضمن تلك العملية تحقيق نتائج جيدة ويتبعها نقص في الوزن على المدى القصير والبعيد مقارنةً بأي عملية سمنة أخرى.

حين أتي موعد العملية "مكنش عندي خوف كنت سايبها لربنا دعيت وقلت يارب أنا ونصيبي"، يقول محمود، بينما ملأت الرهبة قلب زوجته، إلى أن خرج من غرفة العمليات، حينها سقطت مغشياً عليها فرحاً بينما رأته خارجاً بسلام "اطمئنان كبير مقدرتش أتحمله، مكنتش مصدّقة، والموضوع كله من أول تدخل الرئيس لغاية ما عمل العملية حصل بسرعة كإنه حلقات متواصلة وملحقتش حتى أستوعب الموقف"، تقول آية، زوجة محمود.

فقد محمود نحو 70 كيلوجراماً بعد العملية، وزنه الآن 200 كيلوجرام، بات قادراً على الحركة بمفرده، يحمل امتناناً وشكراً غير محدود لكل من كان سبباً في إجرائها، عاد إليه الأمل من جديد "كنت عايش زي الميت، وربنا يخلي سيادة الرئيس وكل الناس اللي وقفت جنبي لأنهم حيوني من تاني وأنقذوا أسرة كاملة من إنها تتحطم"، فيما يحمل امتناناً وتقديراً كبيرين لزوجته، تلمع في عينيه دمعة حين يحكي كيف عانت وتحملت أعباء كبرى لتوفير مصاريف المعيشة للأسرة "مفيش واحدة تشيل جوزها كده وتعمل اللي عملته، بنت أصول شالتني وشالت البيت كله فوق دماغها".

5

كانت المسؤولية كبيرة على عاتق الزوجة، عملت في الخياطة وتنظيف الملابس ومساعدة الآخرين في أعمالهم المنزلية، لتوفير ما يحتاجه البيت "كان لازم أوفّر فلوس الدروس ومصاريف الأولاد، وأكلهم اللي هو مش لحمة ولا فراخ بس الحاجات العادية"، تقول آية.

قبل إجراء العملية كانت الأسرة محرومة من البهجة، لا فسح أو خروج في المناسبات، فالأب لم يكن قادراً على الحركة "مكنش ينفع أخد الأولاد بره وأفسحهم، ومحمود قاعد في البيت محروم من ده، كنت أقوله تعالى ننزل، كان يقولي سيبيني لله"، تحكي الزوجة، فيما كانت تصطحبهم لزيارة أحد أقاربهم "وكان أحياناً محمود ييجي معانا، نجبله توكتوك ينقله، الحياة مكنش فيها فرح أو لذة وكنا محرومين من كل حاجة".

6

لم يكن محمود يحب الخروج من المنزل، عانى كثيراً من التنمّر والسخرية من وزنه الزائد "الناس كانت بتضحك ويتريقوا عليا"، تكونت لديه عقدة نفسية من جسده، حتى إنه لم يعد يقف أمام المرآة "كنت بزعل لما بشوف نفسي"، وكثيراً ما كان يطير النوم من عينيه ويقضي ليلاً ثقيلاً كلما تذكّر حاله وما آل إليه ونظرة الآخرين إليه وعجزه عن إعالة أسرته، لينفجر ليلاً في البكاء، فيما يناجي ربّه "كنت بقعد أدعي وأقول يا رب ماليش غيرك، عشان عيالي اللي هيبهدلوا ومراتي اللي متبهدلة في الشوارع والبيوت، والحمد لله ربنا استجاب لدعائي"، يتذكر ذلك كله ويبكي.

7

محمود الآن يبكي فرحاً لا حزناً، بات أخف وزناً عن ذي قبل، ينظر في المرآة فترتسم البسمة على وجهه، يصطحب أولاده للخروج إلى الشارع، يلعب معهم، يوزع التحية على جيرانه ومعارفه، صار قادراً على الحركة، حتى وإن لم يقدر بعد على العمل، حيث يخضع لبرنامج علاج لإنقاص المزيد من وزنه، بحيث يصل إلى 100 كيلوجرام خلال 6 شهور، فيما يأمل أن يستجيب الرئيس والمسؤولون بطلبه لنقل زوجته، التي حصلت بعد توجيهات الرئاسة بعلاج محمود، على وظيفة رائدة ريفية في صحة بنها، إلى محافظة الغربية، بسبب ما تعانيه خلال رحلتها التي تبدأ من الخروج في الخامسة صباحاً حتى تلحق القطار "محمود هو اللي بيفضل مع الولاد طول اليوم لغاية ما أرجع العصر، وبيتعبوه لأنه لسه هياخد وقت على ما يقدر يتحرك أكتر، ومحتاجة أكون قريبة عشان البيت والولاد وحالة محمود".

ينتظر محمود استجابة المسئولين لنقل الزوجة، وإتمام رحلة علاجه حتى يستطيع العمل من جديد، لتزول معاناة الأسرة التي باتت تعيش على أمل لا حد له، بعد نجاح العملية.

ويمضي الدكتور جودت قائلاً: "كنا قلقين من أن يُصعّب وزن محمود إجراء العملية، لكن لما دخلنا أوضة العمليات، لم تستغرق العملية سوى ساعة وده رقم بنعمله في الحالات العادية اللي أقل وزناً من محمود، فربنا كان مسهّل"، وفق ما يوضح الطبيب المعالج.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان