إعلان

عمل 6 سنوات في "بكار".. "غالب" ينشد البهجة من الرسوم المتحركة

03:19 م السبت 01 يونيو 2019

محمد غالب أستاذ الرسوم المتحركة مع الراحلة مخرجة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

قبل 21 عامًا احتفظ محمد غالب بسيرة مميزة وسط عائلته ومعارفه؛ ما إن يتواجد في تجمع يحضره أطفال، حتى يقبلون عليه ويطالبونه بإخبارهم عن "بكار ورشيدة"، تتسع أعينهم بينما يرسم لهم شخصيات كرتونهم المفضل ويحكي عن كيفية تحريكها، تتعالى ابتسامتهم ومعها سعادة عضو فريق التحريك الرئيس في مسلسل "بكار". انقضت السنوات، توقف الكارتون الشهير وأعيد إنتاجه منذ عام 2015 وإلى الآن، أصبح غالب أستاذًا للرسوم المتحركة، يتتلمذ على يديه أجيال، لكن لازال الحنين يعاوده بين الحين والآخر لمسيرته الأولى في فن التحريك والتي لم تتوقف من بعدها.

تتر مسلسل بكار

لم يكن أنهى غالب السنة النهائية في كلية الفنون الجميلة، حين عرضت عليه أستاذته في قسم الرسوم المتحركة منى أبو نصر أن يكون ضمن فريق العمل في الاستوديو الخاص بها، ويشارك معهم في تنفيذ مسلسل للأطفال سيعرض قريبا. ورغم تزامن ذلك مع إعداد مشروع تخرجه، إلا أن المخرجة استجابت لرغبة الطالب وقتها بالانضمام لاحقًا، وأصبح غالب ضمن فريق التحريك الأساسي لبكار بعد تخرجه عام 1997.

أجواء لا ينساها صاحب الخامسة والأربعين ربيعًا؛ نحو 50 شخصًا يشكلون فريق العمل، على مدار العام يعكفون على إخراج 30 حلقة لتعرض طيلة شهر "كنا نشتغل من رمضان لرمضان وبنريح تقريبا في العيد" يقول غالب لمصراوي.

داخل أستوديو "كايرو كارتون" الخاص بالمخرجة الراحلة أبو النصر، يتوزع المشاركون في تنفيذ "بكار" ما بين رسامين ومحركين، ضمن الآخيرين كان غالب "كنت بشارك في تحريك كل الشخصيات في الأول. أعمل مفاتيح تحريك يعني أقول مثلا بكار هيمشي من النقطة أ للنقطة ب في زمن كذا"، ثم يضع الرسامون الشخصيات، ومن بعد اختبار التحريك يأتي عمل المحبرين والتلوين والمونتاج لتركيب الصوت على البناء الكرتوني. يقول غالب "كل فريق فيه مثلا 10 أشخاص مفحوتين عشان يخلصوا 7 حلقات مدة كل واحدة 7 دقائق".

1

خلية نحل لا يتوقف عملها حتى اللحظات الأخيرة "كل حلقة كانت بتتسلم في نفس اليوم قبل العرض. الدكتورة منى تروح للمونتاج تستلم الحلقة وتجري بيها عشان تتعرض". لم يكن العمل في "بكار" مجرد مهنة بالنسبة لغالب، إنما متعة وخبرة حظى بها وهو لم يزل معيدًا في كلية الفنون الجميلة ويخطو خطواته الأولى نحو الرسوم المتحركة، فعلى مدار 6 سنوات انقسم يوم غالب ما بين الذهاب إلى الكلية في الزمالك حتى الثانية عصرا ثم الاتجاه سريعًا إلى مصر الجديدة حيث الاستوديو حتى الثانية فجر اليوم التالي.

ظل غالب يشارك في تحريك كل الشخصيات ثم اُختص بشخصية"حسونة" صديق بكار المشاكس، والماعز "رشيدة"، لسنوات انشغل طالب الفنون الجميلة وقتها بأصدقائه الخياليين، كيف يمنحهم طابعًا وروحًا خاصة؟ كيف يطبق ما تعمله بأن مهمة التحريك ليست نقل الرسم من الورق إلى الشاشة؟

ما من حركة إلا ورآها غالب في نفسه قبل أن ينفذها "كنت أقعد أفكر بكار بيطارد حرامية. طيب هيبقى شكلهم وهم بيجروا إزاي؟"، ثم يجرب. يقف أمام المرآة يشاهد انعكاس الحركة، يتردد على الشوارع يلمم تفاصيل الحركات، يتابع سير عربة "الكارو" وقائدها، وكيف يقطع المحصل التذاكر في الحافلة، ينزل في الأسواق يمعن النظر في العابرين "أقعد أبص لو حد معاه معزة أو خروف. حركة المعزة من الضهر عاملة إزاي. وابص على حركة رجليها من بعديد وقريب". يظل غالب يخزن ما يرى في عقله، حتى يعود لمنزله فيطبقها في زمن خلا من التكنولوجيا الحالية "مكنتش في كمبيوتر وإنترنت عشان افتح اليوتيوب وأقعد اتفرج على الحركة بتبقى إزاي".

2

"الرسوم المتحركة تبدأ من حيث انتهى الواقع" كلمات سمعها غالب من المخرجة الراحلة أبو النصر، حفظها عنها من إحدى المحاضرات وهو في الفرقة الرابعة، ولم يبرحها "دي أول حاجة بقولها للطلبة بتوعي لغاية النهاردة"، يخبرهم ألا يقلدوا الواقع، أن يتفاعلون مع الشخصيات ويضعوا فيها من أرواحهم حتى يخرجوها في شكل كارتوني مبهج، وإلا لكان فعلهم أقرب إلى تصوير فيديو "عادي" وليس كارتون.

استمر عرض مسلسل بكار بنسخته القديمة لنحو تسع سنوات حتى بعد وفاة المخرجة منى أبو النصر عام 2003، فيما عمل غالب لست سنوات ضمن فريق العمل وغادرهم قبل رحيل أبو النصر. وجد أن عليه خوض تجربة جديدة تحمل مزيد من الطموح.

كان على غالب إنهاء رسالته للماجستير عن الصلصال المتحرك، مادته المفضلة التي أراد أن تكون مشروع تخرجه في التسعينيات لكن الإمكانيات لم تكن متاحة وقتها "أصريت أعمل الدراسة عن الصلصال وكانت أول رسالة ماجستير عربيا تتكلم عن التقنية دي" حسب قول غالب.

3

وجد غالب شغفًا أكبر في التعامل مع العرائس المصنوعة بالصلصال وتحريكها "بتفاعل معاها أحركها على المسرح أخلي لها روح وحياة بترقص وتغني وتتكلم وتتنطط". وضع الفنان الأربعيني ما اكتسبه من خبرة التحريك في "بكار" والعمل مع أحمد سعد أستاذ الرسوم المتحركة، صاحب أوبريت "الجوز الخيل والعربية"، وسخرها للمضي قدمًا نحو هذا النوع من الفن.

كرس أستاذ الرسوم المتحركة في كلية الفنون الجميلة رسالته للدكتوراة عن الصلصال المتحرك، وانصبت أبحاثه في الموضوع ذاته، وأصبح يقيم الورش للطلاب، وأدخل الصلصال كمادة للتدريس، حتى حقق ما لم يستطع في التسعينات "بقى في طلاب يعملوا مشاريع تخرج تحريك الصلصال".

لم يكتف غالب بمحدودية الإمكانيات في البدايات، ولا حدود عرض نتاج الورش، منذ نحو عامين قرر أن يعرض أفلامه القصيرة بالصلصال المتحرك على صفحته في فيسبوك. في رمضان الماضي نشر مقطع لمعايدة يقدمها عرائس تدور بالتنورة وتدق الطبول على أنغام مرحب شهر الصوم، وتبعه بعمل صنعه مع طلابه محاكاة لأوبريت "عنبر العقلاء" للفنان إسماعيل ياسين، وأعاد نشرهما الشهر الجاري.

لاقت أفلام أستاذ الفنون ترحيبًا من المتابعين ودهشة، البعض يستعيد ذكرى المسلسل الشهير للأطفال "قصص الأنبياء"، آخر ما تم تقديمه بتقنية الصلصال المتحرك على التليفزيون المصري، فيما كانت أعمال غالب تعود لعام 2004 وما قبله حيث تجاربه الأولى.

يواصل غالب السير على الدرب منذ مسيرته مع "بكار"، يخلق الوسائل كما فعل بالسابق؛ فيستخدم مواد من بيئته لإكمال تفاصيل شخصيات فيلم له عن إفريقيا، ويحول غطاء علبة مربى وأسلاك كهرباء لجيتار، ويذهب إلى صاحب محل دجاج للإستعانة بالريش. لا يعجز أستاذ الفنون الحيل، ورغم ما تستنفده من مجهود لكن كلمات مثل "شغلك مبهج ويبسطتنا" ينفض عنه شعور اعتياد العمل، ويعيده سيرته الأولى حينما كان يستقبل سعادة من يعرفون أنه كان من بين فريق تحريك الكارتون الشهير.

ضغوط الحياة لا تعطي فرصة لغالب كي يستحضر الذكريات كثيرًا، أصبح التواصل مع بعض أفراد فريق "بكار" عبر فيسبوك، فيما يواصل طموحه بتطوير فن الرسوم المتحركة، وأن يكون له "استوديو" خاص به ينفذ فيه التجارب والأفكار التي تخطر له، ويستقبل أجيال أصغر عمرًا ينقل إليهم تعليم الفنون، فلا يتوقف مدد التحريك وما يتبعه من بهجة.

4

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان