إعلان

زوّار "كنيسة مسطرد" يتحدّون الخوف: "فرحتنا فرحتين.. والعدرا بتحمينا"

04:43 م الأحد 12 أغسطس 2018

موقع حادث انتحاري مسطرد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - مها صلاح الدين وأحمد شعبان:

على الضفة الغربية لترعة الإسماعيلية، كانت أسرة "غطاس فايز" قد انتهت للتو من زيارتها لكنيسة العذراء بمنطقة مسطرد التابعة لمحافظة القليوبية.

في مثل هذه الأيام من كل عام، تأتي الأسرة للتبرك بما تبقى من خطى العائلة المقدسة، وشيدت على أثر ذلك تلك الكنيسة الأثرية لتكون مزارًا وتذكارًا.

غادرت الأسرة أبواب الكنيسة التي تقع في أحد الشوارع الجانبية خلف مسجد مسطرد الكبير، وما إن وصلت إلى الشارع الرئيسي إلا ودوى انفجار عنيف، تقول الابنة "الناس قالت ده كاوتش عربية فرقع، وبعد كدة قالوا إنه فيه واحد حاول يدخل الكنيسة، وفجر نفسه ومقسوم نصين عند الكوبري".

للحظات تملك الرعب غطاس وابنتيه، تشبثت يده براحتي الصغيرة، لكنه أخذ يردد "إحنا جايين علشان العدرا اللي سترتنا وهي اللي هتحمينا"، كانوا قبل الحادث قرروا أن يغادروا مبكرًا لظروف خاصة، لكن بعد وقوع الحادث، ورغم أن الأمن قد أخلى الكنيسة من الزائرين، إلا أنهم آثروا البقاء.

يقول الأب: "إحنا ربنا نجانا وأم النور هي اللي خلصتنا"، التقطت ابنته أطراف الحديث "إحنا بنستنى شهر 8 من السنة للسنة عشان نيجي المولد، بالنسبة لنا زي العيد ومش هنغير عادتنا".

ليس من سمع كمن رأى، على الضفة الشرقية من ترعة المحمودية، كان مسؤول الأمن الصناعي بإحدى شركات البترول المنتشرة على امتداد الطريق يجلس داخل غرفته الخشبية، في مواجهة الكوبري الذي شهد الحادث، "ده بعد بداية راحة العمال بربع ساعة، لما سمعنا الصوت جرينا على برة، لقينا الانتحاري مرمى على الأرض على بعد 10 خطوات من الكشك اللي على طرف الكوبري".

كان هناك شاب يرتدي جاكت "فسفوري"، وخوذة، تمامًا كزي العمال في الموقع، لكنه لم يتعرف إليه، لا يستطيع مسؤول الأمن الصناعي تحديد إذا كان الانتحاري حقًا من العمال أم لا، فعلى هذا الصف توجد 80 شركة عاملة في المشروع، لديهم 11 ألف عامل، يرتدون نفس الزي.

2018_8_12_16_45_2_838

"كان لا يزال حيًا يحرك رأسه يمينا ويسارًا، لكن الجزء الأسفل من جسده كان منتهيًا"، هكذا يروي مدير الأمن ما رآه بعد أن هرول نحو جثة الانتحاري قبل مجيء الشرطة، لم يكن هناك أحدًا على الكوبري، سوى أحد الأشخاص الذي أصيب إصابة بسيطة، وبائعة "شرابات" على الجهة الأخرى، هربت في فزع فور وقوع الانفجار، وحضرت الشرطة بعد دقائق، شكلت كردونا أمنيًا حول الجثة، ومنعت أي شخص من الاقتراب منها.

وعلى الفور جاءته التعليمات من إدارة الشركة بعدم خروج العمال من الشركة فور عودتهم من ساعة الراحة حتى ينتهي كل شيء.

2018_8_12_16_45_14_932

على بعد 300 متر، كان أحد العمال يُدعى أحمد خارجًا للتو من بوابة 2 للشركة المواجهة لكوبري المشاة ليحضر بعض الطعام، ويبدأ ساعة راحته بعد أن انتهى من أداء صلاة الظهر في مسجد الشركة، "سمعت صوت وشوفت دخان، ولقيت الناس والشرطة اتلمت فجريت على هناك".

هرول أحمد ورفاقه نحو مكان الحادث، وانتابه الفزع حينما شهد الرجل يرتدي زيًا يشبه زيهم، أغلقت الشركة بوابة رقم 3 المواجهة لموقع الحادث، لكن رجال الشرطة لم يحاولوا دخول الشركة أو استجواب أحد عمالها، بحسب قوله، حتى الآن.

على مدار أكثر من ثلاثة ساعات، أغلق رجال الأمن كوبري مسطرد، ومنعوا عبور المارة والسيارات، وانتشر رجال المباحث في المكان لسؤال كل من كان قريبًا، توجه أحدهم نحو بوابة نادي مسطرد، ليسأل أحد عمال الأمن "فين كاميرات المراقبة"، فيجيبه على الفور: "مش شغالة"، يرد عليه مستنكرًا "مش شغالة ليه!"، فيرد بإجابة أكثر تفصيلًا: "مش شغالة بقالها 4 شهور".

الخريطة

منذ سنوات حينما تم تركيب كاميرتين للمراقبة داخل النادي، اعترض الأهالي، قالوا إن تلك الكاميرات قد تنتهك خصوصية منازلهم الملاصقة له من ثلاثة جهات، فوجه رجال الأمن كاميرات المراقبة نحو الملعب، "دي كاميرات جودتها ضعيفة ما تجيبش حاجة، حاطينها بس عشان كنا بنأجر الملعب وبنحسب بيها الساعة"، هكذا يرد عيد عزت، رجل أمن النادي.

قاطعه أحد زملائه يدعى "منصور عبد الحميد"، يرتدي جلبابًا، ويجلس على كرسي خشبي خلف بوابة النادي، قائلًا: "أنا عايش هنا وشغال بقالي 60 سنة، أول مرة حاجة زي دي تحصل في المنطقة"، المولد ليس بجديد، منذ أن ولد منصور وهو يشهد مراسم مولد العذراء بمسطرد، الذي اختلفت مراسمه على مر السنين، من السابع من أغسطس وعلى مدار 15 يوما من كل عام، كان شارع ترعة الإسماعيلية يفترش بالألوان من كنيسة العذراء، وحتى نهايته، بائعو الحمص والحلوى، ومراجيح الصغار، حتى أن رجال السيرك كانوا ينصبوا المسارح هنا.

2018_8_12_16_44_59_119

لكن بعد ثروة 30 يونيو والإطاحة بحكم الإخوان وخوفا من العمليات الإرهابية التي عانت منها البلاد خلال هذه الفترة، توقف كل شيء، وتم تحجيم المولد حتى أصبح يقتصر على زيارة الكنيسة، ومسار العائلة المقدسة فقط، كان الزوار يفترشون الطرقات وينامون خارج وداخل الكنيسة، لكن كل ذلك أضحى ممنوعًا.

لم يتبق منه سوى ألعاب أطفال وأراجيح صغيرة، وضعها أصحابها في الشوارع الجانبية حول الكنيسة، وبعض البائعين الذين نجحوا في استئجار محال لعرض حلوتهم أثناء فترة المولد، كان أحمد من بينهم، جاء خصيصًا من طنطا بأطنان من الحمص والحلوى، ليبيعها أثناء فترة المولد، ويمضى مرة أخرى إلى حيث جاء، كان "أحمد يقف أمام محله في مواجهة الكوبري أثناء وقوع الحادث، يقول: "الانتحاري كان جاي من ناحية شركات البترول، كان لابس زي العمال، بيقولوا كان عايز يدخل الكنيسة لكن مقدرش ففجر نفسه".

2018_8_12_16_44_57_369

منذ الصباح الباكر، كان رجال الأمن ينتشرون حول الكنيسة، أمروا جميع الباعة بإزالة بضاعتهم، والالتزام بعرضها داخل المحال، كان من المتوقع أن يشهد اليوم وجودا كثيفًا من الزوار، يقول أحمد إن أيام الجمعة والسبت والأحد هي ذروة الزحام، الذي يتزايد ليلا، ويأتي أغلب الزوار بعد المغرب ويظلون حول الكنيسة حتى الفجر.

في الرابعة عصرًا، جلست جيهان برفقة والدتها وأخوتها تحت مظلة على رصيف الكنيسة، كانت تعرف أن هناك انفجارًا قد وقع، لكنها أصرت على الحضور، "أنا بشتغل في مركز لذوي الاحتياجات الخاصة جوة الكنيسة، لكن جاية أنا وأمي واخواتي علشان نزور، كنا عارفين إنه فيه حاجة، بس أصرينا نيجي إحنا مش خايفين".

فور معرفتها بالخبر، بدأت في إجراء الاتصالات بزملائها ورجال الكنيسة، أخبروها أنهم أخلوا الكنيسة من جميع الزوار، وأن الأمن يقوم بتمشيطها من الداخل، وبعد ذلك سيمح بعود الزيارة مرة أخرى، أصرت والدتها أن ترافقها الزيارة، قالت بلهجة متحدية: "لما لاقيت فيه انفجار قلت لازم أروح للعدرا وأموت شهيدة"، هدأت نبرة صوتها قليلًا، واختتمت قائلة: "لكن العدرا مش هتزعل ولادها أبدًا في الصلاة".

في الرابعة والنصف عصرًا، فُتحت أبواب الكنيسة مرة أخرى، وأسرعت جيهان ووالدتها إلى الداخل، وسمح للسيارات والمارة عبور الكوبري بعد معاينة الموقع ورفع الجثة، لكن دماء الانتحاري التي خضبت الأسفلت في منتصف الكوبري، بقيت تذكارا شاهدًا على الواقعة يردد المارة بفرح "مات وحده".

2018_8_12_16_44_55_916

فيديو قد يعجبك: