إعلان

في يومها العالمي.. حكايات سيدات يواجهن أعباء الحياة بـ"تقشير السمك"

01:21 م الخميس 08 مارس 2018

سيدات يواجهن أعباء الحياة بـ"تقشير السمك

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - فايزة أحمد:

قبالة مرسى مراكب مدينة عزبة البرج بمحافظة دمياط، تتراص العديد من النسوة اللواتي جئن من مختلف القرى المتاخمة أمام أبواب المخازن المخصصة لتقشير وتنظيف وتعليب الجمبري والسبيط، في انتظار الصيادين العائدين من رحلة الصيد المعتادة، ليتسلمن منهم ما جاد به البحر عليهم من رزق، ومن ثم يشرعن في عملهن الذي أتقنوه عن ظهر قلب؛ لطالما تكسبن منه قوت يومهن على مدار سنوات عدة خلت، كن فيها عائل الأسرة الوحيد أو مساهم في تحمل أعباء المعيشة التي تزداد ثقلًا يومًا عن الآخر.

"الحياة صعبة ولازم نساعد".. قناعة آمنت بها "الشادية السعيد" التي شارفت على منتصف الثلاثينات، تجعلها تنهض من فراشها مع بزوغ ضوء كل فجر، لتعد نفسها للذهاب إلى عملها الذي ألفته منذ أكثر من عشر سنوات في أحد مخازن تقشير السبيط بعزية البرج.

تقشير السمك

من قرية السنانية المجاورة لعزبة البرج، تستقل شادية ثلاث سيارات أجرة حتى تصل إلى مكان عملها، لتجد زميلاتها في المهنة ذاتها في انتظار الرحلات العائدة من البحر، وما هي إلاّ دقائق معدودات حتى تصل المراكب العامرة برزقها ورزقهن، لتعم حركة سريعة وأصوات متداخلة يعلوها صوت الأمواج والطيور المُحلقة في السماء، ليسارع أصحاب المخازن بشراء بضاعتهم من السبيط والجمبري، ومن ثم يلقون بها إلى السيدات اللائي وقفنا يتابعن مشاهد البيع والشراء بابتسامة ترتسم على وجوهن.

وسط ضحكات السيدات اللواتي يحملن صناديق السبيط الخشبية، دخلت شادية المخزن، لتعد أدوات عملها المُتمثلة في صندوق خشبي لتجلس عليه، وثلاث أواني من الألومنيوم مختلفي الحجم مغمورة بالمياه، لتشرع في مساعدة زميلاتها في تنزيل الصناديق عن رؤوسهن "أول حاجة بنشيل الجلد الأسود من السبيط وبعدين نحطه في حلة فيها مياه".

تقشير السمك

ترتدي شادية القفازات الجلدية السميكة لتبدأ المرحلة الأولى من تنظيف السبيط، تلقي به إلى زميلتها التي تجاورها لتبدأ بدورها في المرحلة التالية "بنغسله الأول كويس ونشيل كل الجلد إللي عليه لحد ما يبقى أبيض زي الشمع"، مراحل عدة مرهقة تختصرها في عبارات بسيطة؛ كما لو اعتادت ذاك العمل منذ نعومة أظافرها "أول ما جيت هنا من عشر سنين مكنتش عارفة حاجة".

تقشير السمك

كان لدى الفتاة التي أوقفت تعليمها عند المرحلة الإعدادية، إصرارًا كبيرًا لتعلم تلك المهنة؛ لمساعدة والدتها في إعالة أسرتها، لاسيما عقب مرض والدها وتقدمه في العمر "إللي عنده عين وراس يعمل زي الناس.. قعدت جنب الستات والبنات وشوفتهم بينضفوا السبيط والجمبري إزاي وعملت زيهم"، وما هي إلاّ أشهر قلائل حتى أجادت التعامل مع أغلى المأكولات البحرية في مصر "الناس بقت تطلبني بالاسم عشان نضافتي وأمنتي".

تقشير السمك

كان لهاتين الصفتين أن تجعلا "أم أسامة" تعمل طيلة أشهر السنة على عكس باقي زميلاتها اللواتي يتوقفن عن العمل بحلول شهر ديسمبر "السبيط بيطلع من البحر من شهر يوليه لحد ديسمبر وبعد كدا بيكون قليل أوي"، تلك الشهور تنتظرها كل عام؛ نظرًا لأنها بمثابة موسمًا مُربحًا لها.

تقشير السمك

"باقي السنة بشتغل بس الشغل بيكون خفيف".. لكنها تواظب على المجيء من مدينة كفر البطيخ التي تبعد عن "عزبة البرج" بنحو 5 كيلو مترات، يوميًا، وذلك منذ ثلاثين عامًا، وتحديدًا عقب وفاة زوجها الذي ترك في عنقها أربعة أبناء، كرست حياتها بأكملها لتربيتهم دون اللجوء إلى مساعدة أحد.

تقشير السمك

زوجت "أم أسامة" أبنائها الأربعة، أصبحت جدة في الستين من عمرها، غير أنها لم تقرر بعد التوقف عن تقشير السبيط الذي انكبت عليه لتنظيفه بيدين طبع الزمن آثاره عليهما، تبتسم وعينيها مثبتتين داخل إناء التنظيف "إحنا ناس كبرنا بقى في السن وتنضيف السبيط وإحنا قاعدين ما يتعبش أوي"، تقاطعها زميلتها "أم أحمد" التي اتخذت على عاتقها مهمة الوقوف لغسل السبيط في مراحله الأخيرة، معلقة:" إنتي إللي كبرتي لوحدك".

سيدات يواجهن أعباء الحياة بـ

رغم أن "أم أحمد" التي تقطن عزبة البرج نفسها، أكملت عامها الخمسين مطلع شهر يناير المُنصرم، إلاّ أنها ترفض الاعتراف بذلك، تتخذ في حياتها شعارًا "الشباب شباب القلب"، تُقبل على عملها بهِمة منقطعة النظير، تردد كلمات إحدى أغنيات "سوما" -كما تحب أن تطلق عليها- لا تتوقف أيديها عن غسل السبيط ونقله إلى الصندوق البلاستيكي "من صغري وأنا بشتغل الشغلانة دي".

تقشير السمك

كان لإدراك "أم أحمد" واقع النزول إلى الشارع والعمل منذ صغرها أن يخفف وطأة موت زوجها عقب سنوات قليلة من زواجهما "مات وسابلي بنت وولد"، شمرت عن ساعديها، عادت إلى عملها القديم، آخذة على نفسها عهدًا بعدم تعريض أبنائها للشارع أو البحر "خليتهم يدخلوا كليات؛ عشان أنا كان نفسي أتعلم".

تقشير السمك

تنهض السيدة الخمسينية من مقعدها، تحمل الصندوق البلاستيكي العامر بالسبيط بعد تنظيفه، ليتم توريده إلى المطاعم، تلتقط صندوق آخر فارغ، تُعيد الكرة مرة أخرى، تداعب صاحب المخزن "السبيط ده بألفات وإحنا اليومية 40 و50 جينه بس"، لكنها قانعة بأن هذه اليومية القليلة مكّنتها من إتمام تعليم ابنها وبنتها وتزويجها "نص المهمة خلصت لسه النص التاني الواد يشتغل ويتجوز".

undefined

رغم حرصها على عدم الإفصاح لأبنائها عن إصابتها مؤخرًا بمرض "روماتيزم العظام"، إلاّ أنها تُطلع زميلاتها على مرضها؛ لإصابة معظمهن به "معظمنا عنده روماتيزم لأن السبيط بيكون جاي من مياه مالحة"، تلك المياه التي لم يُجدي معها القفازات الجلدية أو حتى القماشية نفعًا؛ للحيلولة دون الإصابة بمرض الروماتيزم.

عند آذان العصر، تهدأ الحركة في المرسى، تنتهي سيدات المخازن من عملهن؛ حيث يقومن بحمل صناديق السبيط البلاستيكية للخارج لنقلهن في سيارات المطاعم، تعدن إلى مكان التنظيف لترتيبه وكنسه، ترتدن ملابسهن، تتقاضين أجرهن، ومن ثم تنصرفن كل إلى وجهتها.

11

فيديو قد يعجبك: