إعلان

"اتركيه وإلا بطخك".. كيف أنقذت مسعفة مصابين من يد الاحتلال؟

01:56 م الخميس 22 مارس 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد وشروق غنيم:

لم تكن أيام نسرين عميرة الدراسية تمر باعتيادية، وجود مدرستها بجانب سجن عوفر الإسرائيلي على بُعد أمتار قليلة منها، جعل مشهد تعرضها هي وزميلاتها للغاز المسيل للدموع روتينًا يوميًا، دارت التساؤلات في عقلها هي ورفيقاتها "ليش ما نعمل إسعاف تطوعي ميداني تساعد فئة الطلاب؟".

مرّت ثلاث سنوات على ذاك القرار وباتت الفتاة ذات التاسعة عشر ربيعًا بطلًا لشاشات التلفاز ومنصات التواصل الاجتماعي، تُحكي سيرتها وتُكرّم لشجاعتها بعدما ظهرت في مقطع فيديو مصور وهي تقاوم قوات الاحتلال لإسعاف مصابا ومنعهم من اعتقاله. 

كان الغضب يموج في المدخل الشمالي لمدينة البيرة، ظهيرة الاثنين الماضي 12 مارس الجاري، إذ نظم طلاب جامعة بيرزيت تظاهرة احتجاجًا على اعتقال واختطاف عمر الكسواني رئيس مجلس الطلبة في الجامعة السابع من مارس الماضي، من قِبل وحدة مستعربين-جنود من الجيش الإسرائيلي يرتدون الزيّ المدني ويتسللون بين الفلسطينيين بغرض اعتقالهم والاعتداء عليهم.

استعدت قوات الاحتلال للحدث، واجهوا التظاهرات بعنف، أمطروها بشتى أنواع القنابل والرصاص، وسط ذلك، فيما كانت نسرين عميرة على خط المواجهات بين الطواقم الطبية من إسعاف ودفاع مدني.

1

اشتّدت قوات الاحتلال في ضرباتها، استهدفت شاب من على بُعد ثلاثة أمتار كما تحكي نسرين، سقط أرضًا بينما هرول صديقه تجاهه لمساعدته "جنود الاحتلال راحوا بسرعة لعند صاحبه ومن مسافة قريبة ضخ على راسه برصاص مطاطي".

مع تلك اللحظة عرفت نسرين أن دورها كمسعفة قد جاء، هرولت تجاه الشاب في حين كان ينازع هو الموت "كان بيتشاهد"، صرخت ليحضر زملائها نقالة، بينما تكالب جنود الاحتلال لاعتقال المصاب، حاولت نسرين بكل قوة التقاطه من بين أيدي المدججين بالسلاح "نحن دورنا نحمي أي مصاب من الاعتقال، ما من حق أي جندي في العالم يعمل هيك".

للحظات ظلت نسرين تقاوم جنود الاحتلال المحاطين من أجل إنقاذ الشاب، لكن ذلك لم يكن بالهيّن "تم الاعتداء علينا بشكل وحشي بما إنهم مدججين بالسلاح ونحن فقط معنا أدوات إسعاف بسيطة"، ألقى الجنود التهديدات علّها تُبعدها عن الشاب.

2

نالت نسرين من بطش الاحتلال جانبا وقت الواقعة الأخيرة، أصيبت في بطنها إصابة حادة بالإضافة إلى يديها وأقدامها، صرخت في الجنود المحيطة بها "كانت من جواي صرخة فلسطينية متمسكة بوطنها"، لم تدع الإصابة تمنعها عن عملها، التزمت الشابة الفلسطينية القوة.

تلقت ابنة مدينة رام الله، بينما هي في الصف الثانوي دورة اسعاف مدتها 88 ساعة، ثم أخرى تابعة لجهاز الدفاع المدني استغرقت المدة ذاتها، بعدها بدأت نسرين تنزل المواجهات كمسعفه، ولا يغيب عنها كونها فلسطينية، تواجه ما يعانيه المتظاهرون، تتذكر الشابة يوم وفاة والدها قبل ثلاث سنوات "اتبعت لي بلاغ أني أروح مركز المخابرات واتهددت بالاعتقال"، كما أن شقيقها الكبير "أدهم" تعرض للأسر لثلاث مرات وهو بعمر الخامسة عشر عامًا، إحداها من أمام مدرسة.

على بعد قرابة مترين اتخذ هشام أبو شقرة مكانه، صوب كاميراته نحو المشهد "أنا ما بقدر غير أني أصور وأوثق عشان العالم يشوف اللي بيصير للمتظاهرين الفلسطينيين وتوصل المعاناة لكل العالم" يقول مصور وكالة الأناضول التركية لمصراوي، ثلاث دقائق سجلها أبو شقرة للواقعة التي لقت انتشارًا.

3

كان أبو شقرة على مسافة تمكنه من سماع تهديد المسعفين بالاعتقال والقتل، فضلا عن التشابك بالأيدي، إذ لم يكن لدى متطوعي الدفاع المدني سوى تلك الوسيلة للزود عن أنفسهم والمصابين. صرخ الجندي في نسرين "اتركيه وإلا بطخك" فردت الشابة بجسارة "لو شديت المصاب هشده، لو سبيتني هسّبك ولو بتضربني بضربك ولو بدك تطخني بس اروح المصاب واسعفه وبرجع تطخني".

كل مشاعر الحزن والأسى على الوطن وأبنائه تجمعت في نفس نسرين بهذه اللحظة كما تحكي. تداعت المواقف وما تواجه من صعوبات كمسعفة "نحنا دايما في المقدمة قريبين من الجنود. بنواجه الاحتلال بشكل يومي ومباشر"، فقبل تظاهرات جامعة بيرزيت، شهدت المسعفة موقفًا مشابهًا لشاب مصاب تمكن الجنود من اعتقاله "كانت إصابته بالرأس وحاولنا نسعفه وقتها اتعاركنا بالإيدين نجنا والجنود".

لمرتين أو ثلاثة أسبوعيًا يتواجد التابعون لهيئة الدفاع المدني الفلسطيني في ساحات المواجهات، وطالما كان ثمة اعتداء على المسعفين وتعارك "إلا أنه مش دائمًا كاميرات الصحافة بتوثق هاي الأشياء" حسبما تقول نسرين، ولهذا أخذ المقطع المصور اهتمامًا مختلفًا هذه المرة، وكذلك أكد مصور وكالة الأناضول أن تلك الصورة ليست موجودة كثيرًا في الصحافة.

4

لم تشعر نسرين بالارتباك في أي لحظة بالواقعة الأخيرة، بينما فوّهة الجندي مُصوبة تجاهها "ضليت مصرة إن بدي أنقذ المصابين وما هخليهم يعتقلوهم.. هما بيدافعوا عن قضيتنا؛ قضية شعب، احتلال، أسرى، جرحى ومعتقلين.. هاد واجبنا ندافع عن شبابنا اللي بيحاولوا يحموا هالوطن".

بفضل المسعفين والمتظاهرين الذين أخذوا يرشقون الجنود بالحجارة، فلت المصابون من الاعتقال، اتنقلوا إلى مستشفى مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله، الأول كانت إصابته خطيرة لكن وضعه استقر، فيما الأخر إصابته متوسطة. لا زالا الشابين في المستشفى، بينما لا يستبعد أبو شقرة، المصور الفلسطيني أن يعتقلهم الاحتلال "في العادة كتير بعد ما يستقر وضع المصابين يعتقلوهم من داخل البيوت".

5

شهد يوم الواقعة إصابة 8 شباب أخرين خلاف المصابين في المقطع المصور، بينما علق زملائهم الدراسة في اليوم التالي، وزاروا المصابين في المستشفى، وأقاموا وقفة احتجاجية مرة ثانية لاستنكار ما حدث.

توقن المسعفة أن ظلم الاحتلال لا يفرق بين المتظاهر أو صحفي أو طبيب، كما يؤمن المصور الصحفي أن العالم يعرف الوجه القبيح للاحتلال لكن لا يراه كثيرًا ومن هنا تأتي أهمية الصورة في نظره "دايما بتأثر في الناس أحنا شون ا بنحكي ما حدا بيستوعب متل ما بيشوف".

 

فيديو قد يعجبك: