إعلان

من التجارة إلى "بيع المناديل" بالعتبة.. كيف غيّرت ثورة ليبيا حياة أحمد؟

04:48 م الأحد 27 أغسطس 2017

من التجارة إلى بيع المناديل

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-شروق غنيم ودعاء الفولي:

تصوير-محمود بكار:

منذ عام يجلس أحمد رسلان صاحب الـ77 عاما، بميدان العتبة. يتكوّر داخل كرسيه المتحرك. يتقاسم فُتات طعامه البسيط مع القطط المجتمعة حوله. يسرد على من يسأله من المارة ما تبقى من ذكرياته في ليبيا، بعدما تجنّت ظروف الحرب عليه هُناك؛ فأخرجته من البلد الذي استقر به عشر سنوات، دون شيء سوى جرح غائر في العمود الفقري، وندبات في القلب حزنا مما آلت إليه أحواله.

توجه رسلان إلى ليبيا عام 2001، بيده 180 ألف جنيه، وفي قلبه آمال لازدهار تجارته هناك. استقر في مدينة بني غازي. افتتح شركة صيانة التليفزيون. تزوج ليبية، ثم وثّق منشأته في محكمة ليبية. مضت الأيام بربح وفير وسلاسة في المعيشة، حتى جاء عام 2011 "اتطربقت كل حاجة على دماغي".

في نوفمبر من ذلك العام؛ وبينما مرّ شهر على مقتل الرئيس الليبي آنذاك معمر القذافي، اقتحم مجموعة من المسلحين محل رسلان، يحكي أن "اللي بيتعجرف معاهم بيقتلوه"، لذا حينما حاول شريكه بالعمل ممدوح الزود عن المكان أردوه قتيلا أمام عينه، فآثر رسلان السلامة "قولتلهم اللي عاوزينه خدوه بس متؤذونيش أنا ومراتي".

جمع المسلحون كل ما في محل رسلان، حتى الأجهزة المستعملة؛ فخرجوا من المكان بـ15 شاشة، و20 تلفزيون، ووضعوهم على 3 عربات دفع رباعي يستقلونها، وقبل الرحيل باغتوه بالاعتداء على ظهره بسلاح آلي. 

على مقربة من المحل، يقبع قسم الشرطة، توجهت إليه زوجة رسلان الليبية، حكت ما لاقوه، فتوجهت عربة شرطة وإسعاف لنقل القتلى، ولإثبات ما حدث تم تقديم فواتير الأجهزة المسروقة.

كان رسلان في حالة يُرثى لها، مازالت آثار الإصابة ماثلة في ظهره حتى الآن "لسة فاكر صوت الحديد بتاع السلاح على ضهري وهو بينزل عليه ويفتح العمود الفقري". حينها تم إدخاله إلى مركز بنغازي الطبي، ليمكث به عاما كاملا "بين العلاجات وعملية جراحية على إيد اتنين دكاترة ألمان". ولما تحسنت حالته "قالولي إنت كدة محتاج علاج طبيعي خارج المستشفى وأعطوني كرسي بعجل أتحرك به وقالولي قدامك 5 سنين عشان تعرف تمشي". رضي الرجل بما قُسم له، بدت مصيبته أهون في صحبة زوجته التي ساندته، إلا أن الحال تغير فيما بعد.

عام 2012 اضطر رسلان العودة لمصر، أملًا في تعويض من الدولة، بعد عدم حصوله على أي شيء من القنصلية المصرية بليبيا. كانت إصابته شديدة "كنت مشلول"، حين وصل أرض الوطن، تلقى العلاج بمستشفيات عدة، منها؛ دار الشفاء، والدمرداش، لكنه لم يتلقَ أي تعويض مادي من الدولة عن الخسائر التي تلقاها هناك "وزارة الداخلية إدتني ورقة أوديها لأحد البنوك عشان أكمل العلاج لكن البنك مصرفهاش".

لم تكن تلك الخسارة الوحيدة وقتها، إذ مُنعِت زوجته الليبية من المغادرة بسبب أبنائها الذي يعملون في أحد الجهات الحساسة "ومعرفش فين أراضيها دلوقتي".

بعد عودة المهندس لمصر، لم يبق فيها طويلا "اضطريت أرجع في 2014 لأني كنت سايب بقيت تجارتي هناك مصفتهاش". لكن حينما عاد إلى ليبيا كانت الأوضاع الأمنية أسوأ كثيرا. 

حاول الرجل مرة أخرى إتمام إجراءات السفر من ليبيا لزوجته، ثم اضطر في النهاية للعودة إلى مصر بمفرده، على أن يبقيا متواصلين.

منذ 2014 لم يتحدث رسلان-حسب قوله- مع زوجته "ولا حتى عارف مكانها فين في ليبيا". لم تتوقف مساعيه بحثا عنها "لما جيت مصر روحت السفارة الليبية وإدتهم بياناتهم"، غير أنهم لم يستدلوا على أي عنوان أو رقم هاتف لها "قالولي عشان الاقتتال اللي حاصل هناك فممكن تبقى غيرت مكان سكنها"، وعدوه بالاتصال به في حال معرفة أي جديد.

يُعاني الرجل السبعيني آلاما وصعوبات في الحركة "بقوم بالعافية من الكرسي عشان أدخل الحمام مثلا". يعيش الآن في سيارة حصل عليها مما تبقى من أموال كانت معه "عربية صغيرة بنام فيها".

الثامنة صباحا من كل يوم يذهب رسلان لميدان العتبة، لا يعود لسيارته الموجودة في باب الشعرية إلا عقب العاشرة ليلا "أكياس المناديل اللي ببيعها بلم منها تمن العلاج". صار يُدبّر حاله بالقليل، يحاول التعود على الحياة الجديدة، بلا زوجة، أو بيت ثابت. يُعدد الرجل ما ينقصه من أدوية "فيتامين مقوي للأعصاب وباسط للعضلات"، يصمت قليلا ثم يقول: "وعايز كرسي تاني غير ده"، إذ يقضي وقته فوق مقعد مُتهالك "ومفهوش سنادات.. رجليا بتبقى متخشّبة على الهوا وبتعب أكتر"، يمر طيف أيام الرخاء في ليبيا أمام عينه، فيعقبه ضيق في النفس وفيض من الدموع.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان