إعلان

صغار التجار بعد أزمة "الدولار": كلٌ يُغني على خسارته

01:51 م الأربعاء 10 أغسطس 2016

معاناة صغار التجار من ازمة الدولار

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد ودعاء الفولي:
نحو ثلاثة أسابيع مرت على ارتفاع سعر الدولار لأعلى معدلاته، التي تجاوزت حاجز ال12 جنيه سعر البيع والشراء بالسوق السوداء فيما زادت المعوقات أمام التعامل مع البنوك.

انزعج الجميع لإدراك موقن بارتفاع أسعار السلع الأساسية منها قبل الرفاهية، لتبدأ دائرة "الخناق" التقليدي بين المشتري والباعة، باتهامات الجشع، أو الصمت على غير رضا، وما هذه إلا حلقة في سلسلة المعاناة المتعلقة بالعاملين بالتجارة على اختلاف أشكالها. ورغم الصورة المأخوذة عن أن التاجر آخر من يخسر، لكن يظل صغار العاملين بالسوق التجاري هم الأكثر تضررا بعد المستهلك.

مصراوي استطلع في جولة، بين عدد من التجار في بعض الأسواق الشعبية والمتعاملين في مجال الاستيراد، مدى تأثير أزمة الدولار على أحوالهم، والسلع التي يبيعونها، والحلول البديلة بالنسبة لهم، في محاولة لتعويض خسارتهم، مع تغير سعر العملة بين اليوم والأخر.

الأسعار في الطالع
"خراب بيوت والله العظيم" هي الجملة التي تتبادر لذهن هاني جمال، كلما جاءت سيرة ارتفاع العمّلة. يعمل "جمال" في بيع الأحذية الخفيفة بمنطقة العتبة منذ سنوات، غير أنه لم يعانِ من تقلب الأسعار بهذا الشكل الجنوني إلا خلال الأشهر الأخيرة، إذ يُمسك الشاب بحذاء أبيض ضخم مُستورد قائلا "الجوز ده كنت بجيبه بـ120 جنيه.. لسة جايبه من كام يوم ب225 جنيه يعني غلي تقريبا الضعف".

1

كان ربح "جمال" في الشهر الواحد يصل إلى 20 ألف جنيه حسب قوله، يدفع منها إيجار المحل والكهرباء ورواتب العاملين معه، ويتبقى ما يكفيه، فيما يلجأ حاليا للاستدانة من أموال البضاعة التي لم يحصل عليها بعد كي يسد رمق المنزل، ولم يعد يشتري الأحذية بنظام "الآجل -دفع صاحب المحل نحو نصف الثمن، ثم تسديد النصف الأخر، عقب مداومة عملية الشراء- بعد أن تم إيقاف التعامل به نتيجة تغير سعر الدولار يوميا.

مع الزيادة في الدولار عقب الثورة كان يمتلك أحمد كمال -صاحب مكتب للاستيراد والتصدير- نظرة أقرب على ارتفاع سعر السلع القادمة من الخارج، فقد عانى منذ 2011 من تغير في أسعارها، غير أنه ظن الأمر مجرد كبوة وستمر، لكن الأزمة الأخيرة كانت نذير بمجيء الأسوأ "في ناس كتير قفلت تجارتها، الموضوع بقى مش محتمل"، يتعامل الشاب الثلاثيني مع شركات من كل الشرائح، بدءا من أصحاب المشروعات الصغيرة وليس انتهاء ببعض الأسماء الكبرى في دنيا الصناعة "الموانئ مليانة بضاعة مش لاقية اللي يخرجها، محدش عارف يتصرف في الدولار، وكل يوم تأخير معناه خسارة أكبر". يحكي "كمال" عن صديق له أغلق مكتبه بسبب اتفاقه على بضاعة قبل عدة أشهر ولم يستطع توفير سيولة دولارية لإرسالها للشركة المصدرة بالخارج فتكبد خسارة الشحن والدفعات المقدمة "ده غير السمعة اللي بتضرب في السوق".

2

15% من حجم قيمة الواردات المصرية بالكامل يتعلق بالسلع التامة كالأجهزة الكهربائية والملابس والأحذية وغيرها، فيما يتعلق الباقي بمستلزمات انتاج وخامات وسلع بسيطة، حسب قول أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، موضحا أن حجم الاستيراد قل من 100 مليار دولار إلى 4 مليار وفقا لبيانات وزير التجارة والصناعة، وذلك يرتبط بشكل أساسي وفقا له، بقرارات وزير الصناعة والتجارة التي وصفها "بالمعوقة لحركة الاستيراد"، بمنع استيراد السلع التامة، قائلا إن الضغط على الدولار يرجع إلى أن "85% من حجم الاستيراد هو اللي بيجيي للمصانع مش الشركات"، إذ تعتمد المصانع على استيراد الخامات حال الأربطة والأزرار وليس السلعة كاملة كما حال في الشركات.

موسم الدراسة تحت التهديد
زادت الأزمة الأمور سوءا في سوق تجارة الأدوات المكتبية، المعتمد أغلبه على الاستيراد، ويدلل عدد من أصحاب المكتبات بمنطقة "الفجّالة" على هذا، بخلو المكان في الوقت الذي يصفونه "بالموسم"، إلا من قليل يأتي ويذهب، وأكثرهم متفرجين، أو جاءوا للسؤال بالأساس على الكتب الخارجية، وبمكتبتهم وقف "أشرف" و"حسام"، يندبون سوء الأحوال "ده أحنا كنا في الوقت ده بنفرش لنص الشارع".

منذ مطلع العام ويلمس الشابان ارتفاع الأسعار، ليصل الحال بهما إلى الامتناع عن جلب الجديد من الكشاكيل والورق، مفضلين البضاعة "اللي متأكدين أن الناس هتشتريها"، من أدوات مكتبية كالأقلام، والكتب الخارجية، مشيرا إلى وصول سعر الكشكول الواحد إلى 190 قرش بينما كان أول العام وحتى نحو ثلاثة أسابيع يبلغ جنيه ونصف، وأما الكتب الخارجية فزاد سعرها لنحو 4 جنيهات، لكن "زبونها" لحاجته إليها يضطر لشرائها.

3

حالة تغير الأسعار بشكل سريع يعاني منها ناصر وهبة -صاحب مكتبة- منذ عام 2011، فيشير لحقيبة مدرسية معلقا: "دي كان تمنها 50 جنيه من شهر وشوية ووصل لـ100 جنيه دلوقتي" معبرا عن زيادة أسعار بعض السلع الضعف تزداد أخرى بنسب أقل لكنها تبقى عسيرة على الشراء بالنسبة لبعض المواطنين. في المقابل يعرف صاحب المكتبة كأب لابنة وابن صعوبات توفير مصاريف الكتب والأدوات المدرسية، إذ يقول أن متوسط شراء تلك الأدوات للطفل قد يصل سعره إلى ألف جنيه، بين كراسات وأدوات مكتبية في الفصل الدراسي الواحد.

في الوقت الذي يعتمد البعض على الاستيراد في تجارتهم، يضطر أخرون له، على مساوئه بالنسبة لهم، حال علي عبد العال القائم على أحد مكاتب توريد الورق بالفجّالة، موضحا أن الورق المصري أفضل من المستورد من حيث الجودة والسعر، غير أن شركات الورق المحلي لا تكفي حاجة السوق، وهو ما يدفعم للسوق الخارجي، ومن ثم ارتفاع تكلفة المنتجات الورقية، ومع ارتفاع سعر الدولار، فضلا عن نقصه، تأزم الأمر "حتى لما بنروح السوق السوداء نقول لهم مثلا محتاجين 15 ألف يقول لك مفيش غير 5 ألاف دولار مشي حالك بيهم".

4

وتباعا للحلقة المغلقة، يعاني سوق الكتب كذلك بشكل ضخم نتيجة الدولار، ورغم أن الأمر يبدو كرفاهية إلا أن العاملين بالمجال تقوم تجارتهم على استيرادها من الخارج، كما يفعل خالد لطفي، صاحب مكتبة تنمية-إحدى المكتبات الخاصة- الذي يقول لمصراوي، إن أسعار الكتب ارتفعت بنسبة 40% خلال 3 شهور فقط، وهي زيادة ضخمة عن نسبة 10% التي كانت تحدث بين الحين والآخر، ويمكن التعامل معها، مما يجعل المواطن العادي هذه الفترة يمتنع عن الشراء "لو حاطط في ميزانيته 100 جنيه للكتاب كل شهر ولقى الأسعار كلها ضربت من أكل وشرب وغيره مش هيشتري كتب طبعا".

جشع التجار
يرى بعض الباعة والعاملين بالتجارة، أن جانب من الأزمة يعود "لجشع التجار المستوردين" بالأساس، إذ يتم تخزين البضاعة وبيعها بسعر أعلى مع ارتفاع سعر العملة الأمريكية، فقد عاين "جمال" صاحب محال الأحذية بضائع تم تهريبها من الجمارك دون دفع الرسوم مقابل رشاوى وتخزينها ثم بيعها لتجار القطاعي "ولو اعترضت التاجر يقولك مش عاجبك متشتريش"، لذا يبحث الشاب الثلاثيني عن أي رقابة من الدولة لكنه لا يجد "محدش بيوقف التجار دول.. هما اللي بيحكموا البلد وبيتحكموا فينا".

كذلك يعيب "وهبة" صاحب مكتبة برمسيس، على المستوردين في عدم أخذ ظروف المواطنين في الاعتبار، إذ أن بعضهم –بحكم الخبرة- يستطيع استيراد خامات أقل جودة بسعر منخفض، غير أن ما يحدث الآن هو استيراد خامات ليست عالية الجودة ولكن يتم رفع السعر عند البيع لتجار القطاعي، فيضطر البائعون لشراء تلك الأدوات وإلا توقفت تجارتهم.

5

"في النهاية اللي بيتحمل الفاتورة كلها هو المستهلك" كذلك علق رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، على أزمة الدولار وتأثيرها على المستوردين، معتبرا الأزمة "مفتعلة" من قبل عدد من التجار الكبار والمحتكرين للسوق، فتأثر المستوردين-حسب قوله- لا يكون إلا من خلال قلة حجم البضاعة المستوردة "يعني بدل ما يستورد 100 حتة هيخليهم 70 بس عشان أسعارهم الزايدة"، إلا أن عملهم لا يتوقف بحال.

واعتبر "شيحة" أن قرار وزير التجارة والصناعة رقم 43/91 المعني بالفحص المسبق قبل الاستيراد وتسجيل الشركات الراغبة في الاستيراد للسوق المصري هو ما تسبب فتح المجال للاحتكار بشكل أوسع، والتضييق على السوق، مشيرا إلى تأثر كثير من السلع "وحتى المصري مبيغطيش الاحتياجات" كما قال "شيحة" ضاربا المثال بالمكيفات، التي ارتفع سعرها للضعف، وعدم توافرها بالسوق في الوقت ذاته، مرجعا هذا للقرار الذي يمنح الوزير الموافقة أو رفض الاستيراد للسلع والشركات المستوردة "وده معناه انفراد البعض بالسوق".

حلول "اللي إيدهم في النار"
من خضم الأزمة، أخذ العاملون بالتجارة يبحثون عن حلول حتى "يمشى الحال" قليلا، وكان أبرزها الجمع بين البضاعة المصرية والمستوردة، فبالنسبة للبائع الأولى أقل سعرا، أما الزبائن فتلجأ إلى المصري من باب "أحسن من مفيش".

"لطفي" صاحب مكتبة تنمية، يسعى كذلك إلى التقليل من شراء المستورد، ويستعيض عنه بتصنيع نُسخ من تلك الكتب في مطابع مصرية، فيقل السعر بنسبة جيدة، مثلما فعل مع رواية "مصائر" لربعي المدهون، الحاصلة على جائزة البوكر العربية لعام 2016 "عملناها هنا وبنبيعها بحاول ستين جنيه وفيه إقبال كويس عليها"، بينما يسعى لتطبيق ذلك على أكثر من رواية أخرى لتضييق الفجوة.

لكن تلك المحاولات لم تجدِ بشكل كبير في جميع الاحوال، كما قال "جمال" –بائع الأحذية- إذ أن الأسعار لم تُعجب الزبائن، فكان فيما قبل يشتري جملة الحذاء بعشرين جنيها، فيما يشتريه الآن بستين جنيها، ويضطر لبيعه بحوالي 80 جنيها، ولا يخلو الأمر من شكاوى الزبائن بخصوص الجودة "بعد ما الراجل يلبسها مرة بتبوظ في التانية فبيجيلي ومبقدرش أرجعها وانا عارف إن الناس معذورة بس أنا كمان مليش ذنب". يقول صاحب المحل إن الأحذية المصرية لا تُصنّع هنا بل يتم تجميعها فقط ولصقها، لذا لا يفهم سبب وجيه لتلك الرداءة.

6

850 ألف هو عدد المستوردين بمصر، يمثل صغار المستوردين نسبة 95% كما ذكر "شيحة"، مما يعني أن التضييق على الاستيراد، أو أزمة الدولار، تطيح بمثل هؤلاء، ممن لا يملكون قنوات لتعزيز موقفهم، في وقت لا توجد به رقابة أو تشريعات، وإن كان لا يؤمن "شيحة" بجدواها، نظرا لاعتماد التجارة الحرة في كافة دول العالم على "المنافسة" حسب قوله، فقط "ربنا هو الحامي" كما عبر رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية.

لا يعتري اليأس صاحب مكتبة "تنمية" رغم ما يمر به من خسارة، يتمنى أن يتعامل مع الدولار بسعره الرسمي، فذلك أرحم بالنسبة له من السوق السوداء، وهو ما يرجوه من الدولة "إنها تتحكم في السوق وتخلي التعامل بالبنوك فقط"، فيما يرى "عبد العال" العامل بتجارة الورق، أن حل الأزمة بالنسبة لمجال تجاريتهم في بناء فرع أخر لأكبر شركات الورق المصرية، ليكفي إنتاجها السوق المحلي، ويفيض بالتصدير "بدل ما تطلع العملة من البلد تجيبها". في حين لا يضع "وهبة" الحكومة في حسبانه، فلا ينتظر منها تسهيل أوضاعهم كبائعين، فقط يرغب في "إنهم يسيبونا في حالنا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان