إعلان

المنشاوي" على خطى الهادي.. "كان خلقه القرآن"

07:22 م الخميس 30 يونيو 2016

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - إشراق أحمد وعبد الله قدري ودعاء الفولي:

لم يكن صوت محمد صديق المنشاوي مرتلا القرآن، وحده ما ترك الأثر لدى محبيه ومَن عاصره؛ فسيرة "هرم الخشوع" عامرة بوجوه كثيرة أشرقت لها حياته، بعيدا عن مجالس التلاوة، لم تكن بمنأى عن روحها العطرة، المهذبة للنفس صدقا ويقينا، والتي كان بها يأمر الناس بالبر ويخشى أن ينساه، فيغادرها ساعيا ليناله في فقير يسانده، رحم يصله، طفل يلاعبه، ومعلم يحفظ فضله. حتى بات الحديث عن "أخلاق الشيخ" قرين دائم بأي وقت يذكر فيه اسمه، من قريب أو بعيد، لمسوا فيه اقتداءً بالمنهاج النبوي، فيما أوجزت شقيقته ثريا وصفه "كان بتاع قرآن وبس".

حبيب الغلابة

طالما كان يوصي الوالد صديق المنشاوي أبناؤه بالتقوى والحفاظ على الدين وبالقلب منه الصلاة، وكثيرا ما ردد على مسامعهم "أوعوا تنقطعوا عن الغلابة" كما تقول "ثريا" الشقيقة الصغرى للشيخ "محمد"، الذي أسر في نفسه تلك الكلمات، وعمل بها طيلة حياته؛ ففي إحدى الليالي بينما عائدا لمنزله بسوهاج، جاء مجلسه بجانب بعض النساء، حين سمع إحداهن تقول إن الله قد منّ عليها بولد بعد انتظار لأعوام منذ الزواج، وأنه لولا الفقر لكانت أقامت سرادق ضخم جدًا، ودعت الشيخ محمد صديق المنشاوي ليقرأ.

تدخل "المنشاوي" في الحوار على استحياء، لم يكن أحد من النسوة يعرفون هويته، وسأل السيدة عن مكان سكنها، وبعدما قالت له، علم أنها من مركز المنشأة حيث يقيم، فسألها عن الميعاد التي تبتغي أن يُقام فيه الاحتفال "وقال لها إنه هيتفق مع الشيخ المنشاوي عشان يروح" حسبما يحكي "أحمد عمار" صاحب كتابًا عن "المنشاوي". ولم يكتف الشيخ بذلك بل أعطى للسيدة أموالا لتشتري ما يلزم لتلك الليلة، ثم وفي الميعاد المُتفق عليه، ذهب للمكان، وأحيا الليلة.

"والدتي قالت لي إنه كان يحب الفقراء جدا ويعطف عليهم" تقول عزة محمد يوسف السيد تايب، ابنة شقيقة "المنشاوي"، وتلحق بذاكرتها سريعا رواية أمها عنه، حين أخبر زوجته أن تعد وليمة غداء لأن ثمة أشخاص مهمين ومسؤولين سيقومون بزيارتهم، لتتفاجأ السيدة ببوابين العقارات والعاملين بالمنازل وأطفالهم يدلفون للمنزل، لتسارع بنداء الشيخ محمد ليطلع أمر هؤلاء الناس قبل وصول الضيوف، فإذا به يقول "ما هم دول الناس المهمين والمسؤولين اللي قلت لك عليهم"، وكان يتكرر الأمر مع الأقارب من فقراء الحال.

واصل الرحم

أما الأهل فلا تنقطع سيرة "المنشاوي" معهم، إذ كان لا يغيب عن موطنه بالمنشأة في سوهاج رغم استقراره بالقاهرة، يتلمس أخبار العائلة بين الحين والآخر، فرحا وحزنا يحرص على التواجد، حتى أن كمال عبد الناصر المنشاوي –سليل العائلة- يقول مازحا "المولود كان يتسجل عند الشيخ محمد قبل ما يتسجل عند الحكومة"، إذ كان يوصي الشيخ بعض الأفراد الموثوق به الاتصال به عند حدوث أي شيء، إن لم يتصل هو للسؤال، فما أن يأتيه خبر قدوم مولود جديد حتى يهم لأداء الواجب "إن كان من القرايب الميسورين الحال يعمل حسابه في هدية معتبرة وإن كان من محدودي الحال يبقى كسوة المولود عليه وله هدايا أكبر" يتذكر حفيد عم الشيخ مما حضره في حياة الشيخ وقص عليه من سيرة ابن آل صديق المنشاوي، المشهود له بالبر الشديد بأهله.

undefined

تباينت أشكال وصل ابن المنشأة لرحمه، فكان يدا لكل عليل يطلب العلاج بالقاهرة، حيث أقام منذ اعتماده بالإذاعة، ويتذكر "كمال" تكفل الشيخ بعلاج قريب له من مرض في الغضروف، كما كان عمه الشيخ أحمد السيد وقت مرضه بالخمسينيات تحت رعايته، يتردد عليه بالمستشفى ويتكفل به. وحين وجد شقيقته ثريا تسكن بصغارها وحيدة في حي دير الملاك بالقاهرة، لمشاركة زوجها بالجيش أثناء حرب 67؛ دعاها للسكن ببيته في حدائق القبة، ونزولا عن تعففها من مساعدته، كان لها الشقة الكائنة بدور الثالث بالبيت بإيجار زهيد، يبلغ الآن نحو ثلاثة جنيهات كما تقول "عزة" ابنة شقيقة الشيخ، التي لم تره لكن حكايات والدتها وترحمها على أخيها كانت لها سلوان لعدم معايشة أيامه.

عزيز النفس.. بسيط المعشر

بسيط المعشر كان "المنشاوي"، يترفع عما تحمله الشهرة، ويبقى على ما بها من ألفة دائمة مع الناس، خاصة مع المريدين ممن يتتبعونه بكل مكان. يذكر محمود العمدة، مؤلف كتاب "آل صديق المنشاوي.. الأسرة القرآنية" لمصراوي، أن الشيخ "محمد" كان بإحدى قرى محافظة قنا، يستعد للقراءة في مأتم والد عضو لمجلس النواب، وحينما همّ بالقراءة لاحظ أن الذين يلاحقوه بكل مكان ليسوا موجودين، فسأل عنهم أصحاب المكان "قالوله إن دول شكلهم بسيط وفي ناس مشهورة جاية ميصحش يشوفوهم".

ما كان من الشيخ إلا أن أصر على وجودهم بالمكان، بل وبالصفوف الأولى، وإلا فلن يقرأ. وتم تنفيذ رغبة الشيخ، الذي استهل قراءته في تلك الليلة بآية من سورة الحجرات تقول "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وكأنه يرد على منطق من منعوا الناس من الدخول والاستماع للقرآن.

في الأقصر وقع موقف آخر شبيه، حضره سالم الشرقاوي –أحد محبي الشيخ- إذ دعي "المنشاوي" لليلة قرآنية بمنزل "آل محسب"، غير أنها كانت "للأكابر فقط"، كما قيل حينها، فتم منع المحبين من البسطاء، فإذا بالشيخ يصر على حضورهم أيضًا، وحينئذ اضطر أصحاب الدعوة لفتح المكان لمن يريد القدوم، فبدأ "المنشاوي" بآية "إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولوا القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين"، فماج الصوان بتشجيع الجالسين "قالوا له الله ينور يا شيخ.. أدبهم كمان يا شيخ".

undefined

مواقف كثيرة تتردد بين أقارب ومعارف الشيخ، غير أن قصة "المليم والجنيه الذهب"، كانت أكثر ما أثّر في وجدان الحفيد علاء نور المنشاوي، إذ يتذكر الشاب الثلاثيني ما رُوي إليه عن أبيه، حين اتفق صاحب إحدى الحفلات القرآنية على إعطاء الشيخ أجرًا على الحفلة بقيمة جنيه ذهب، وبعد انتهاء الحفل عاد قارئ القرآن إلى منزله، ليطلب من الطباخ العامل بمنزله أن يذهب لشراء بعض المستلزمات، لكن العامل نظر إلى ما أعطاه له الشيخ وقال "يا سيدنا ده مليم هنجيب ده كله ازاي!". دُهش العامل وتعجب الشيخ الذي لم ينظر لما تقضاه عن الليلة، لكن شيئًا ما ذكّر صاحب الحفل أنه أعطى القارئ مبلغًا أقل من المتفق عليه، فتوجه مسرعًا إليه ليتدارك خطأه، ويعطيه الجنيه الذهب بدلًا من المليم، لكن "المنشاوي" رفض وقال قولته التي نقلها حفيده علاء بنبرة فخر ورفعة "هذا ما قسمه ربي لي".

تواضع غزير عُرف عن الشيخ محمد، غير أن ذلك الخلق، قابلته عزة نفس، لاسيما حين يتعلق الأمر بالقرآن الكريم. ففي إحدى المرات جاءه رسول من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قائلًا له إنه سينال شرف القراءة أمام الرئيس، فغضب الشيخ بشدة قبل أن يرد عليه :"بل اذهب للرئيس وقل له إنه هو من سينال شرف سماع القرآن بصوت الشيخ المنشاوي وقل له إنه أساء اختيار الرسول"، وقرر ابن سوهاج ألا يذهب لإحياء الحفل، لولا أن اتصل به الرئيس بنفسه ليحضر.

مُلاعب للصغار.. يحفظ الفضل

undefined

لم تغب الروح المرحة عن نفس الشيخ، فكثيرا ما يحرص على الابتسام خاصة إن كان الحضور صغار، بالتلازم مع الرحمة والحنية، ويتذكر "كمال" الخال "محمد" كما اعتاد أن يناديه، حين جمع صغار العائلة، جالسا معهم على الأرض، مناديا فيهم بعمل مسابقة "هشوف أحلى صوت بينكم بيقرأ واللي هيفوز له هدية"، فتوالوا في تلاوة ما يحفظون من الفاتحة وجزء عم، وحين جاء الدور على "كمال" الذي لم يكن يتجاوز عمره 6 سنوات اندفع في ترتيل الفاتحة بحماس لفت انتباه الشيخ، وجعله يحصد المركز الثاني و10 مليم "وقتها كان مبلغ كبير يجيب كوز بطاطا" مبتسما يسترجع وقع ذلك الموقف على نفسه "من وقتها استمريت في قراءة القرآن".

undefined

وتكتمل وجوه قارئ القرآن بعيدا عن مجالس التلاوة، بحفظ المعروف عن الناس، فللشيخ محمد سعودي مكانة كبرى في نفس الشيخ، هو معلمه الذي قرأ على يده القراءات في الأزهر، بينما في العقد الأول من عمره-15 عاما، حتى أنه أسمى ثاني أبناءه بـ"سعودي". حفظ الشيخ محمد جميل معلمه الذي يعد من العمالقة في علم القراءات كما يصف "كمال"، "ولأنه لا يعرف أهل الفضل إلا ذو الفضل" داوم سليل قراء العائلة المنشاوية على زيارة أستاذه حتى بعد اعتماده كقارئ شهير في الإذاعة.

تابع باقي موضوعات الملف:

''صوتٌ مُعلقٌ بالقرآن''.. مصراوي ينشر مقطتفات من حياة ''المنشاوي''

1

الأسرة القرآنية.. توثيق ''الشطوري'' و''العمدة'' لحياة ''المنشاوي'' في كتاب

3

بالفيديو.. كيف بُعث ''المنشاوي'' للتلاوة بعد 47 عاما على وفاته؟

4

في حب ''المنشاوي''.. حكايات ''عسكري التشريفة'' والتنقيب عن تسجيلاته

5

عائلة ''المنشاوي''.. نبت قرآني (إنفوجراف)

6

 

محمد صديق المنشاوي.. ''مزمار'' القرآن (ملف خاص)

الشيخ محمد صديق المنشاوى

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان