إعلان

الوراق تبحث عن موتاها.. "اللي بيدور على جثة ييجي هنا"

06:11 م الجمعة 24 يوليه 2015

اهالى ضحايا الوراق يبحثون عن موتاهم

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد الصاوي ودعاء الفولي:

الوجوه أرهقتها الشمس والأبدان خزلها القلق، والأصوات قتلها الصراخ والبكاء، فأصبح أهل الضحايا كأنهم أموات غرقوا في نهر الحزن على فقدان أحبابهم، يتحركون فقط وراء مصدر الصراخ أو التجمعات عسى أن يجدوا في هذا التجمع جثة أحد ذويهم، فيرحلون من المكان الذي حصد ما يكفيه من الأرواح، حتى الدموع جفت وأبت الخروج، لتترك صاحبها بين مخالب العجز والانتظار.

"أنا ليا 7 من قرايبي في المياه طلع اتنين منهم ولسه مرات أخويا وعيالها التلاتة وأختي"؛ بدأ محمد السيد أحد أهالي الكوم الأحمر كلامه بعيدا عن والدته التي تعرضت للإغماء أكثر من مرة "مش قادر اقعد قدامها وانا مش عارف أعمل حاجة غير الانتظار، بقالي 3 أيام قاعد قدام المركب، بجري هنا وهناك يمكن القي جثة حد من أهلي"، المشهد مزعج على أهل المنطقة جميعا، رأى محمود مآسي كثيرة "منهم واحدة ست طلعوها من المياه وهي حاضنة ابنها، وحاولنا نخرجه من أيديها بأي شكل لكن مقدرناش.. المنظر خلى الناس كلها تبكي بشكل هيستيري".

+¦1

تذكرة مركب الفُسحة ثلاث جنيهات في الأيام العادية وخمسة في المناسبات، لم يعرف أهل المنطقة تلك الحوادث من قبل، لذا فحين جاءوا عقب الحادث ظن كثيرون أن أولادهم سيخرجون أحياء "الناس مصدومة كأننا في حلم"، قال السيد، الأمل الذي يعيش عليه هو إيجاد جثث الأهل "المحافظ جه أخد صورتين مع الإعلام ومشي.. احنا لما بقينا نطلع جثة الناس بتفرح وتقول الحمد لله بدل ما تعيط".

وقف محمد يرتدي قميصا مفتوح الصدر يتصبب العرق على جبينه، حاملا بيديه عدة زجاجات مياه، يوزع بعضها على الموجودين. فقدّ الشاب العشريني أربعة أطفال من عائلته واثنين من الكبار "طلعنا خمسة وباقي واحد تحت"، مع مضي الساعات أصبح أكثر تماسكا، يتفحص بعينيه الجثث كي يتأكد أنها لا تتبعه، يهرع إذا ما جاء لنش الإسعاف على الشاطئ ليقول لهم "الولد اللي لقيتوه لابس ترنج أزرق وضهره برتقاني؟"، لتكون الإجابة بالنفي، فتعود خيبة الأمل لتملأ وجهه مرة أخرى.

+¦2

حين جاء محمد للمكان ليلا، لم يكن النور يملأ المنطقة "كانوا بيدوروا على الناس بكشافات بتتشغل ببطارية، طبيعي إن كل العدد دة يموت"، الصيادون هم من بدأ في إخراج الضحايا والجثث لمعرفتهم الجيدة بالمياه. على الكورنيش رأى محمد أقاربه يظهرون واحد تلو الآخر، فتختلط أحاسيس الحزن والاطمئنان، وبينما هو وسط الموت سمع عن التعويض بمبلغ 20 ألف جنيها لأهالي الموتى و5 آلاف جنيها للمصابين "واحد قريبتي ولادها الاتنين ماتوا وجوزها، الفلوس مش هترجعهم"، لذا لم يرغب في شيء سوى محاسبة المتسبب في الحادث "انا من المنطقة هنا أول مرة أشوف صندل يمشي بعد الساعة خمسة وسواق المركب كمان غلطان عشان ماشي بعرض النيل".

+¦3

أسفل شجرة ظلها لا يخفف حرارة الجو جلست سيدة مع زوجها ينتظران، تمر أخرى بجانبهما فيما تقول "انا لو ابني مات وملقتش جثته أروح أقرأ له الفاتحة فين؟"، لا يأتيها رد، بينما يظهر بعض الصبية حاملين أقفاص من الخبز البلدي، وبعض الطعام، واضعين إياه على مقعد من المكان "تعالوا كلو يا جماعة"، ينادون على الجمع، فيلتف الجائعون والعطشى لأخذ استراحة قصيرة من الترقب، غير أن أعينهم تلف المكان بحثا عن أي شيء، قبل أن يُحضر أحدهم آنية ضخمة تحمل شاي، وأكواب بلاستيكية، ليشربوا دون مقابل.

+¦4

بجانب سُلم الكورنيش وقفت ثلاث سيارات إسعاف، وتناثر رجالها في المكان، بالإضافة لرجال الحماية المدنية، أما ضباط الشرطة فكان بعضهم موجودا داخل المراكب الخاصة بالشرطة التي تحاوط المنطقة، تأتي للشاطئ ويخرج منها أحدهم سائلا الناس عن مواصفات بعينها "فيه بنت لابسة برمودا وكوتش أبيض"، فيركض الجمع سريعا لعلها من ذويهم، ثم ينفضون بعد التأكد من أنهم لا يعرفونها.

جلس رجال الإسعاف على مقاعد قريبة من المواطنين، يقترب أحدهم من الناس تحسبا لوجود أية جثث، يتعالى عويل السيدات مع اقتراب أحد مراكب الشرطة ثم يحاوطهن الصمت حين يكتشفن أنها خالية، بينما يستقبل باب الكورنيش الذي تم افتتاحه منذ فترة قريبة أسرتين معهما أطفال، جاءوا ليقضوا اليوم على شاطئ النيل، ترى إحدى السيدات الازدحام فتفهم أن أثر الحادث لازال باقيا، فلا يكون منها إلا الانزواء إلى ركن بعيد عن الباكين لينعم الأطفال بنزهة قصيرة قد تكون أكثر أمانا مما حدث على سطح المركب الغارق.

+¦5

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان